ما كان لجائحة كورونا التي أثّرت على مختلف قطاعات الحياة في روسيا، أن تمرّ من دون أن تثير تساؤلات حول جدوى نظام التعليم عن بعد الذي تم اعتماده في مختلف المدارس والجامعات الروسية، في محاولة للحد من تفشي الوباء في ظل استمرار ارتفاع أعداد الإصابات، وصعوبة الالتزام بالتباعد الاجتماعي في المؤسسات التعليمية.
وفي وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أعلن عمدة موسكو، سيرغي سوبيانين، عن تمديد نظام التعليم عن بعد في مدارس العاصمة بدءاً من الصف السادس وحتى الصف الحادي عشر، حتى 6 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
أما وزارة التعليم والعلوم، فذهبت أبعد من ذلك، محولة جامعات موسكو والعاصمة الشمالية سانت بطرسبورغ إلى نظام التعليم عن بعد حتى 6 فبراير/ شباط المقبل، ما يعني أن الطلاب سيقضون، في الواقع، عاماً كاملاً تقريباً في منازلهم منذ بدء الجائحة في مارس/ آذار الماضي، باستثناء فترة قصيرة خلال بداية العام الدراسي الحالي.
في هذا الإطار، يقول الباحث في معهد التعليم التابع للمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، رومان زفياغينتسيف، إن نظام التعليم عن بعد لا يؤثر سلباً على جودة التعليم فحسب، بل أيضاً يعطل تنمية مهارات التواصل الاجتماعي لدى التلاميذ ويزيد من الفجوة التعليمية بين الطبقات الاجتماعية. ويقول لـ "العربي الجديد": "حتى الآن، تؤكد كل الأبحاث أن نظام التعليم عن بعد سيؤثر بصورة سلبية على جودته. وعلى الرغم من أن الجائحة لم تنته وتداعياتها النهائية لم تتضح بعد، إلا أنه يمكن الجزم بأن نظام التعليم عن بعد قد يؤدي إلى تراجع استيعاب المعلومات لدى التلاميذ بنسبة تتراوح ما بين 30 و50 في المائة".
بالإضافة إلى ما سبق، يحذر زفياغينتسيف من ظاهرة خطيرة أخرى قد تتفاقم نتيجة لجائحة كورونا، وهي تزايد الفجوة في مستوى التعليم بين مختلف الطبقات الاجتماعية. يضيف: "تختلف نسبة تراجع استيعاب المعلومات بحسب الأوضاع الاجتماعية - الاقتصادية لأولياء أمور التلاميذ. إذ تتوفر لدى أبناء الطبقات الاجتماعية العليا إمكانيات أفضل في منازلهم، منها توفير غرفة منفصلة لكل طفل بالإضافة إلى حاسوب شخصي".
في المقابل، "تواجه العائلات متعددة الأبناء مشكلة حقيقية في حال كان هناك في المنزل جهاز حاسوب واحد فقط، وخصوصاً حين تكون الدروس في وقت واحد، ما يعني أنه يجب توفير حاسوب شخصي لكل طفل. أضف إلى ذلك توفر فرصة الاستفادة من الدروس الخصوصية بين أبناء الطبقات الاجتماعية العليا لتعويض عدم الحضور إلى المدرسة"، يقول زفياغينتسيف.
كما يلفت إلى مجموعة من التداعيات الخطيرة غير المباشرة للتعليم عن بعد على نشأة التلاميذ مثل تراجع مهاراتهم الاجتماعية في ظل انعدام التواصل المباشر مع زملائهم وتدهور صحتهم النفسية بشكل عام.
وعلى صعيد التعليم العالي، أثار اعتماد التعليم عن بعد حفيظة الطلاب وأولياء أمورهم، وخصوصاً أولئك الذين يتعلمون بنظام التعاقد ويدفعون مصاريف تعليمهم. وقرر طلاب جامعة موسكو الحكومية، على سبيل المثال لا الحصر، مقاضاة الجامعة ورفع دعوى جماعية لخفض الرسوم الدراسية التي تتراوح ما بين 3000 و7500 دولار سنوياً، مستندين في ذلك إلى أن عقودهم تنص على أن يكون نظام الدراسة حضورياً.
مع ذلك، يوضح الطالب في كلية الفلسفة في جامعة موسكو، سيميون بيليايف، أن عدد الطلاب المدّعين يبلغ 21 طالباً فقط، قائلاً في حديث لصحيفة "إر بي كا" الروسية: "يخاف البقية، للأسف، من الدخول في المرافعات القضائية ضد أهم جامعة في البلاد، متخوفين من عدم التعامل بجدية مع القضية، ثمّ فصلهم". ويأمل ألا يقل الحسم على المصاريف الدراسية عن 50 في المائة، مقدراً تراجع إنتاجية التعليم بما لا يقل عن 70 - 80 في المائة.
وهذه ليست أول مرة يقع فيها نظام التعليم عن بعد في مرمى انتقادات أولياء الأمور والمدرسين؛ إذ أظهر استطلاع أجري في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن 81 في المائة من أولياء الأمور و69 في المائة من المدرسين المستطلعة آراؤهم يعتبرون أن التعليم بنظام التعليم عن بعد لا يمكنه أن يحل محل التعلم الحضوري.
وخرجت الدراسة بنتيجة مفادها بأن تجربة الجائحة كشفت أن نظام التعليم عن بعد يقلل من تحكم المدرّس في الفصل وتواصله مع التلاميذ، بالإضافة إلى عجزه عن التفاعل مع سلوكهم. وبلغت نسبة من يعتبرون أنه يمكن الاستغناء عن نظام التعليم حضورياً بشكل كامل 3 في المائة فقط بين أولياء الأمور و6 في المائة بين المدرسين.