الحذر لا ينجي من القدر، لكن الاستعداد لأي مصيبة أو خطر متوقع يخفف من آثاره ويفقده عامل المفاجأة على الأقل. هذا ما تفعله سلطات تركيا حالياً عبر تدريب السكان لتخفيف آثار أي زلزال.
بالنسبة إلى الباحث التركي باكير أتاكجان قد يخفف الاستعداد وأخذ الاحتياطات الآثار المدمرة لزلزال كبير يتوقع خبراء كثيرون أن يضرب مدينة إسطنبول التي يتحرك فيها أكثر من 17 مليون شخص خلال فترة النهار، وتضم مباني قديمة وأثرية. ويبقى السؤال المطروح كيف يمكن تخفيف آثاره إلى أقصى حد.
يتوقف أتاكجان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عند ركيزتين ضمن استعدادات مواجهة الزلزال، الأولى قرار بلدية إسطنبول الكبرى إزالة المباني غير المهيأة لمقاومة زلزال أو تلك التي تصدعت هياكلها بتأثير الزلزال الذي ضرب المدينة بقوة 5.8 درجات على مقياس ريختر عام 2019. أما الركيزة الثانية فتشمل تأهيل السكان وتدريبهم على كيفية التعامل مع زلزال في ثوانيه الأولى تحديداً من أجل الحفاظ على حياتهم، وتنفيذ إجراءات إجلاء للأماكن المتضررة والتعامل مع الانهيارات، وتطبيق تدابير السلامة في التعامل مع الإصابات.
ويؤكد أتاكجان أن الاستعدادات للزلازل لا تهدف إلى تخويف سكان إسطنبول أو بث الذعر لدى الزوار والسياح، بل إلى تخفيف آثارها، فيما ترجح دراسة تضرر 39 منطقة في إسطنبول من زلزال محتمل، بينها 9 تعتبر الأكثر خطورة، وهي بيوك شكمجي والفاتح وباكركوي وزيتون بورنو وأسنلر وبيليك دوزو وأفجلار وتوزلا وسيلفري، وجميعها تقع في جزئها الجنوبي.
وتشير الدراسة أيضاً إلى أن انطلاق مركز الزلزال من جهة البحر الشرقية، وتحديداً من يلوا أو بورصة أو بيوط أضا، قد يتسبب في آثار مدمرة أكبر، خاصة في المناطق الأثرية داخل إسطنبول، علماً أن التوقعين يقللان احتمال حصول إصابات كبيرة، وعمليات تهديم واسعة داخل إسطنبول نفسها.
وكان رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو قد علّق على الدراسة بأن "زلزالاً بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر قد يدمر 22 في المائة من مباني إسطنبول، ويتسبب في وفاة 200 ألف شخص، مع احتمال أن تطاول أضراره سكان وممتلكات ولايات إزمير وموغلا وجناق قلعة وباليكسير وكوجالي".
وتكثّف هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية التمارين الخاصة بتأهيل عمال الإغاثة وتوعية السكان. وشارك أخيراً آلاف من عمال الإغاثة والمتخصصين في أحد أكبر تمارين التأهب للزلازل في إسطنبول، والذي شمل 18 موقعاً مختلفاً في المدينة، بينها المطار الدولي، وحدد منطقة كاتهانة في الجانب الأوروبي للمدينة قاعدة للعمليات.
وشمل التمرين التعامل مع سيناريو ضرب زلزال بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر أو بقوة أعلى المدينة عبر تنفيذ عملية إجلاء كبيرة بالتعاون مع أطقم البلديات والمنظمات غير الحكومية، كما أعطي سكان كاتهانة أدواراً في تدريبات الإخلاء.
ويقول الجيولوجي فيدات أرغول إن "ذكريات الدمار الذي خلّفه زلزال 17 أغسطس/ آب 1999 في غولجوك بولاية إزميت، والذي أودى بحياة أكثر من 17 ألف شخص خلال 27 ثانية، لا تزال ماثلة وتبعث الخوف في نفوس كثيرين، والتأهيل الحالي يرفع كفاءة متخصصي الإغاثة والسكان في التعامل مع مخاطر الزلزال، وهو أمر ضروري لأن تركيا تقع على عدة خطوط صدوع نشطة، وأكثرها خطراً في شمال الأناضول حيث تلتقي الصفائح التكتونية الأناضولية والأوراسية. وإسطنبول قريبة من خط صدع شمال الأناضول الذي يمتد من جنوبها مباشرة على طول الطريق إلى شمال شرقي تركيا".
عواصف زلازل
وحول تأثير التعامل الجائر مع الطبيعة في زيادة الكوارث، يشرح أرغول أن "تغير الصفائح التي تشكل القشرة العليا للكرة الأرضية يزيد عدد الزلازل، لكن موقع تركيا الجيوفيزيائي بين صدوع الصفيحة التكتونية لشبه الجزيرة العربية وتلك الأوراسية يزيد احتمال حدوث الزلازل، أو حتى ما يمكن وصفه بعواصف زلازل تتجاوز تركيا إلى المنطقة النشطة، خاصة إيران، التي تقع على مسار صدوع رئيسة".
وتكشف هيئة إدارة الكوارث والطوارئ أن أكثر من 1245 هزة أرضية بقوة أكبرها 5 درجات ضربت تركيا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 فقط، فيما شهد العام ذاته أكثر من 21.654 هزة.
ويعزز تزايد عدد هذه الهزات حدوث زلازل بقوة أكبر قد تصل إلى 6.5 أو 7 درجات، بحسب ما يقول البروفيسور في الهندسة الجيولوجية بجامعة يلديز شُكرو أرصوي، في تصريحات صحافية أدلى بها أخيراً، خاصة أن تركيا تقع على حزام الزلازل، الذي يحاصرها شمالاً وجنوباً، ويُعرف في تركيا باسم "هاتي فاي".
ويقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول محمد كامل ديميريل، لـ"العربي الجديد"، إن "إسطنبول، أو حتى منطقة مرمرة كلها، على موعد مع زلزال كبير، لكن أحداً لا يستطيع أن يحدد موعده"، مذكراً بقول مدير مرصد قنديللي، البروفيسور خلوق أوزنار، بعد الزلزال الذي ضرب إسطنبول عام 2019 وأسفر عن وفاة شخصين وجرح 34 وألحق دماراً كاملاً او جزئياً بـ79 مبنى، إنه "لا يمكن معرفة متى سيضرب زلزال كبير المدينة، لكننا متأكدون أن هذا الأمر سيحصل في موعد يقترب شيئاً فشيئاً".
ويذكر ديميريل أن "تركيا اتخذت إجراءات كثيرة منذ زلزال عام 1999، على صعيد شروط استخدام مواد مقاومة للزلازل في البناء، ويؤكد استمرار العمل ضمن وحدة تنسيق عامة لرسم خطط الطوارئ في حال حصول زلزال، والتي تتضمن إجراءات توعية وبرامج إرشاد، وتجهيز فرق الإنقاذ، علماً أن دور الأسر والأفراد كبير في هذه المهمات، لأن معظم إصابات الزلازل تنتج من عدم معرفة الناس بطرق التعامل مع الثواني الأولى لزلزال ما يوقعهم في خوف شديد".
يضيف: "إلى جانب شروط البناء المقاومة والآمنة، تعمل وزارة البيئة والتخطيط العمراني في 81 ولاية، وليس في إسطنبول فقط، على تحسين معايير بناء العقارات وسلامتها، وهدمت 673 ألف وحدة. كما خصصت الحكومة أكثر من 15 مليار ليرة (870 مليون دولار)، لمشاريع التحول الحضري التي تغطي حوالي 5 ملايين شخص في أكثر من 1.3 مليون وحدة سكنية. وتهدف العملية إلى توفير منازل آمنة لما لا يقل عن نسبة 45 في المائة من السكان. وأعلنت تركيا منذ عام 2014 عن مشروع يهدف إلى هدم 6 ملايين منزل في تركيا، وإعادة بنائها وفق مواصفات بناء الزلازل".