في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أنهى السودانيون حملة مجتمعية وإعلامية تهدف إلى الحد من انتشار مرض سرطان الثدي. وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن من بين كل ثماني سودانيات، هناك امرأة واحدة مصابة بسرطان الثدي. وتشير الإحصائيات إلى أن نحو ألف حالة إصابة بسرطان الثدي تصل إلى المستشفى سنوياً. ويقول خبراء إن 60 في المائة من النساء في البلاد يكتشفن إصابتهن بالمرض في المرحلتين الثالثة أو الرابعة.
ويعد نوع الجنس (الإناث) أقوى عامل خطر للإصابة بسرطان الثدي، ولا تتجاوز نسبة الإصابة بسرطان الثدي بين الرجال 0.5-1 في المائة. ويتبع علاج سرطان الثدي لدى الرجال نفس مبادئ التدبير العلاجي لدى النساء.
ويقول الأطباء إن سرطان الثدي يحدث عندما تبدأ بعض خلايا الثدي في النمو بطريقة غير طبيعية. وتنقسم هذه الخلايا بسرعة أكبر من الخلايا السليمة وتستمر لتتراكم، وتشكّل كتلة أو ورماً. وقد تنتشر الخلايا (تنتقل) من خلال الثدي إلى العُقَد اللمفاوية، أو إلى أجزاء أخرى من الجسم، بحسب مؤسسة "مايو كلينك" للرعاية الصحية.
وحدّد الباحثون العوامل المرتبطة بنمط الحياة، والعوامل الهرمونية، والبيئية التي قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي. ولكن ليس من الواضح السبب وراء إصابة بعض الأشخاص بالسرطان على الرغم من عدم وجود أي عوامل خطر تحيط بهم، بينما لا يُصاب أشخاص آخرون يكونون مُعرَّضين لعوامل الخطر. ويُحتمل أن يحدث سرطان الثدي بسبب التفاعل المعقَّد للتكوين الجيني وللبيئة التي يعيش فيها المصاب.
ومن بين أسباب الإصابة بالمرض التقدّم في السن، ووجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الثدي، التعرض للإشعاع، السمنة، بدء الدورة الشهرية في سن مبكرة، بدء انقطاع الدورة الشهرية في سن متقدمة، إنجاب الطفل الأول في سن متأخرة، عدم الإنجاب، استخدام العلاج الهرموني بعد سن اليأس وغيرها.
وأصيبت كل من الإعلامية لمياء متوكل والمطربة منى مجدي بسرطان الثدي. وبعدما تعافت الأولى، أطلقت حملة إعلامية للتوعية بالمرض والحث على الكشف المبكر، وهو ما تنوي مجدي متابعته لاحقاً، هي التي تتعالج في العاصمة المصرية القاهرة في الوقت الحالي.
وخلال حملة "أكتوبر الوردي" للتوعية بسرطان الثدي، أطلقت منظمات سودانية برامج توعوية مختلفة في المدارس والجامعات والأحياء السكنية. وشاركت نساء قصصهن وقد تغلبن على المرض. كما نظم سباق دراجات هوائية وأقيمت عيادات مجانية تحت شعار "بوعيك تصحّي". وشارك في الحملة كل من مكتب الأطباء الموحد، وجمعية أميرة لمكافحة سرطان الثدي، ونقابة الصحافيين السودانيين.
ولا يخلو الكشف المبكر من صعوبات تواجهها سودانيات، أبرزها عدم توفّر أجهزة طبية، وبعد المستشفيات في الولايات عن أماكن سكن العائلات، وضعف الإمكانات المادية، وسيطرة العادات والتقاليد في المناطق الريفية. تقول خلود (55 عاماً) إنها تابعت الحملة وأهمية الكشف المبكر، وتساءلت إن كان الكلام موجهاً لجميع السودانيات أم لبعضهن. وتوضح في حديثها لـ "العربي الجديد" أنها تعيش في قرية نائية بولاية القضارف (شرق السودان)، وما من مركز صحي تقصده. وحين توجهت إلى العاصمة الخرطوم واكتشفت إصابتها بالمرض، فاضطرت لاستئصال الثدي وإجراء علاج كيميائي.
وتشير خلود إلى أن حالها حال الكثير من النساء القاطنات في الولايات واللواتي أصبن بالمرض، كان يمكنها تفادي الاسئصال في حال كانت الرعاية الصحية متوافرة، موضحة أن بعض النساء لا يستطعن الوصول إلى الخرطوم أو ود مدني (عاصمة ولاية الجزيرة في شرق وسط السودان)، حيث مراكز علاج السرطان، لضيق الحال. وتطالب الدولة بالاهتمام بالمرأة الريفية التي تعاني أكثر من غيرها صحياً.
وليس استئصال الثدي بالأمر السهل، وغالباً ما تعاني المرأة من وصمة اجتماعية، على غرار سارة التي تخلى عنها خطيبها بعدما اضطرت إلى استئصال ثديها. ثم تركها رجل آخر ارتبطت به للسبب عينه. في هذا الإطار، تشدد على أهمية التوعية. ويقول الطبيب وليد محمد سليمان إن حملة أكتوبر الوردي تتماشى مع الحقيقة الثابتة بأن الوقاية خير من العلاج. وشارك في الحملة للتوعية حول كيفية الوقاية من سرطان الثدي وأهمية الكشف المبكر وخصوصاً أنه يمكن الشفاء من المرض بنسبة 95 في المائة. ويؤكد في حديثه لـ "العربي الجديد" أن السمنة تزيد نسبة الإصابة بالمرض، ولا بد من من اتباع نظام غذائي صحي، ومراجعة وجود عوامل وراثية من عدمه، وتناول الهرمونات تحت إشراف طبيب. وفي ما يتعلق بقدرة القطاع الصحي في السودان على الفحص والتشخيص والعلاج، يقول سليمان إن النظام الصحي في البلاد متأخر جداً، وتغيب مراكز الرعاية الصحية الأولية، وما من اهتمام بتأمين أجهزة طبية تساعد على فحص الثدي أو عنق الرحم وغيرها للتأكد من الإصابة بالسرطان من عدمه. ويؤكد أن هذا الواقع سيبقى كما هو إلا في حال وضعت الدولة الصحة في سلم الأولويات.
بدوره، يقول الطبيب معاوية دبورة إن التأخر في اكتشاف الإصابة بسرطان الثدي يرتبط بعدم توفر جهاز التصوير الإشعاعي للثدي. ويؤكد أن الجهاز غير متوفر في الكثير من المستشفيات في مختلف المدن والولايات، على الرغم من أن كلفة استيراده لا تتجاوز 250 ألف دولار. ويقترح إنشاء عدد من المراكز المتخصصة في مختلف أنحاء السودان، وتوفير الأجهزة المطلوبة بما في ذلك جهاز تصوير بالموجات فوق الصوتية وكوادر صحية مؤهلة، حتى لا تتفاقم الأوضاع الصحية أكثر.
في المقابل، يرى الصحافي المتابع للشؤون الصحية، هيثم محمود، أن حملات أكتوبر لهذا العام بدت فوقية، واحتفت بها مؤسسات معينة، ولم تبد وزارة الصحة الاتحادية والمنظمات المعنية الاهتمام الكافي. حتى أن البرامج التوعوية لم تكن شاملة وتجاهل الإعلام التقليدي الذي يصل إلى الجميع الحملة، واكتفى القائمون عليها بتنظيم فعاليات في صالات مغلقة لفئات محدودة والطبقة البرجوازية، من دون أن تصل إلى الأطراف والمناطق النائية، حيث تمنع التقاليد والأعراف النساء من فحص الثدي. يضيف لـ "العربي الجديد" أن السودان يضم مركزاً واحداً متخصصاً بعلاج سرطان الثدي، على الرغم من أنه لا يقل خطورة عن أمراض أخرى. ويشير إلى أن السودان يحتاج إلى أجهزة طبية للكشف المبكر. وبسبب عدم توفرها، تضطر النساء إلى السفر للعلاج في مصر أو الأردن أو غيرهما.