منذ بدء الحرب على قطاع غزة، حاولت مئات العائلات الفرار عبر معبر رفح البري. لكن الإجراءات الروتينية، وعدم سماح سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعمل المعبر بشكل طبيعي، عرقلت خطط الفرار التي تفاقمت مع الاصطدام بمن يطلق عليهم "سماسرة الموت" الذين يطلبون آلاف الدولارات من أجل تسهيل إجراءات الخروج.
وتؤكد شهادات عدة أن "سماسرة" على الجانب المصري يطلبون من الراغبين في الخروج أو حاملي الجنسية المزدوجة، خمسة آلاف دولار لكل فرد بالغ، وألف دولار لكل طفل دون العاشرة من عمره، وأن تلك الأرقام ارتفعت مع دخول الحرب شهرها الثالث وتوسع العدوان البري والجوي.
ولا يعد توفير تلك المبالغ الكبيرة هو المشكلة الوحيدة بالنسبة للراغبين في المرور من معبر رفح، بل تكمن الأزمة الحقيقية في ضمان الخروج من غزة إلى الجانب المصري بعد دفع المال، إذ لا شيء يضمن ذلك، كما لا يوجد ضامن لاستعادة المال.
ووفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة، يوجد ما يقرب من 9 ملايين لاجئ ومهاجر وطالب لجوء قيد الانتظار في مصر، معظمهم من سورية والسودان وجنسيات أخرى، ما يعادل 8.7 في المائة من إجمالي عدد سكان مصر. ووفق أخر إحصائيات مفوضية اللاجئين، فإن أعداد اللاجئين المسجلين حتى سبتمبر/أيلول 2022 في مصر، يبلغ 287937 لاجئاً وطالب لجوء ينتمون إلى 65 دولة، والعدد الأكبر منهم من حاملي الجنسية السورية، وعددهم 144768، ومن السودان 58405 لاجئين، ومن جنوب السودان 23283 لاجئاً، ومن إريتريا 21990 لاجئاً، ومن اليمن 8911 لاجئاً، ومن الصومال 6531 لاجئاً.
ولا تتعدى النسبة الفعلية للاجئين المسجلين في مصر 3 في المائة من أعداد المهاجرين، في حين تعيش الأعداد المتبقية وفق إقامات الدراسة أو العمل، أو الزواج، أو وفق إقامات سياحية، والبعض مخالفين لشروط الإقامة بسبب عدم توافر الإمكانات المالية، أو فقدان الوثائق وغيرها من الأسباب.
ووفقاً لأرقام وزارة الخارجية المصرية، فإن 250 ألف سوداني دخلوا إلى مصر عبر المعبرين الرسميين "أرقين" و"قسطل" حتى 22 يونيو/حزيران الماضي، بالإضافة إلى ما يقارب 5 ملايين سوداني موجودين بالفعل من قبل الأزمة.
وبالعودة إلى الإطار التشريعي لأوضاع اللاجئين في مصر، يمكن الإشارة إلى ثلاثة قرارات أصدرتها السلطات المصرية أخيراً بشأنهم، الأول صدر في 22 يناير/كانون الثاني 2023، عن رئيس مجلس الوزراء بشأن تنظيم صندوق مكافحة الهجرة غير الشرعية وحماية المهاجرين والشهود، وهو الصندوق الذي قوبل بهجوم حقوقي واسع على طريقة إدارته وإجراءات الرقابة على أمواله.
ثم صدر قرار ثان في 18 يونيو/حزيران الماضي، وهو تعديل على بعض أحكام القرار الوزاري القديم في شأن التأشيرات، بإضافة "تأشيرة دخول متعددة السفرات صالحة لمدة 5 سنوات"، تسمح لحاملها بالإقامة لمدة لا تجاوز 90 يوما في السفرة الواحدة بقيمة 700 دولار أميركي شاملة رسوم التأشيرة.
وفي 29 أغسطس/آب الماضي، نشرت الجريدة الرسمية قراراً لرئيس مجلس الوزراء يحتوي على مادتين، تنص الأولى على وجوب تقديم طالبي جميع أنواع الإقامات سواء للسياحة أو لغيرها، ما يفيد سداد رسوم الإقامة وغرامات التخلف وتكاليف إصدار بطاقة الإقامة بعد تحويلها إلى الدولار الأمريكي أو ما يعادله من العملات الأجنبية عن طريق أحد البنوك أو شركات الصرافة المعتمدة.
وتنص المادة الثانية من القرار على ضرورة توافق أوضاع الأجانب المقيمين في مصر مع القانون خلال 3 أشهر من صدور القرار، مع مراعاة شرط وجود مستضيف مصري، وسداد مصروفات إدارية تعادل ألف دولار أميركي.
وأثار القرار الأخير العديد من التساؤلات حول الدافع إلى إصداره، وإمكانية تطبيقه، فضلاً عن تأثيره على حياة اللاجئين؛ وقالت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، في تقرير بعنوان "البحث عن الدولار: أثر الأزمة الاقتصادية على اللاجئين والمهاجرين في مصر"، إن "الرسوم والغرامات المقررة تستحق الدفع بالدولار، أو تحويله عن طريق بنك حكومي وتقديم ما يثبت ذلك، ويعني ذلك وجوب إدخال طالب الإقامة أوراقاً نقدية من الخارج، ما يفرض عليه اقتراض الرسوم، أو تلقي مساعدة، ثم يجب تقديم ما يثبت أن صاحب الطلب قد قام بتغيير عملة أجنبية لدى أحد البنوك المصرية".
وعلقت المفوضية على شرط وجود مستضيف مصري، قائلة إن "مسؤولية هذا المستضيف غير واضحة، فما العائد الذي قد يدفعه لتحمل هذه المسؤولية؟، وما موقف اللاجئ الذي لا يستطع إيجاد هذا المستضيف خلال المدة المحددة؟ هل سيضطر إلى البحث عن مستضيف مقابل مبلغ مالي؟ وإن كان ذلك استحداث لقوانين مثل قانون الكفيل في بعض الدول، فما جدواه؟ وهل في ذلك تسهيل على اللاجئين أم جعل وضعهم أكثر صعوبة؟".
أما الشرط المتعلق بسداد مصروفات إدارية بقيمة 1000 دولار أميركي، فاعتبرت المفوضية أنه "غير واضح من جانب الحكومة في كل ما تصدره من قرارات ما نوع الخدمات التي ستقدمها في مقابل تحصيل هذه المبالغ، وهل سيشمل هذا القرار السوريين والسودانيين المقيمين في مصر؟ وهل ينطبق على اللاجئين المسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين الأممية أم على المهاجرين الذين لم يتصلوا بمكتب التسجيل بالمفوضية بعد؟ إذ إن هناك الآلاف من اللاجئين الذين يجدون صعوبة في التواصل مع المفوضية من أجل التسجيل".
تساءلت المفوضية أيضاً: "هل تتوافر العملات الأجنبية في البنوك أو مكاتب الصرافة المعتمدة؟ وكيف سيكون الوضع فى حال عدم إمكانية الحصول على الدولار؟ قد يضطر ذلك اللاجئين إلى اللجوء إلى السوق السوداء للعملة لتوفير المبالغ المطلوبة، ما قد يعرضهم للمساءلة الجنائية، وما الخدمات التي سيحصل عليها المهاجر أو المقيم بعد دفع 1000 دولار؟ سيظل اللاجئ يبحث عن مصدر رزق في ظل تفشي البطالة والركود الاقتصادي وانهيار العملة المحلية، وسيظل باحثاً عن سكن لإيواء أسرته مع الارتفاع المتزايد في إيجارات الشقق السكنية، وسيظل بدون إمكانية لإلحاق أطفاله بالتعليم".
وانتقدت المفوضية كذلك عدم نص القانون على الإجراء المقرر اتخاذه ضد اللاجئ في حال عدم سداده الرسوم المقررة، وخلصت إلى أنه "من خلال متابعة القرارات الصادرة عن الحكومة، يتضح أنها مجرد قرارات إجرائية الهدف من إصدارها تحصيل الرسوم، ولا تتعلق بتنظيم إجرائي لحصر الأعداد والبيانات لاستخدامها في مواجهة أزمات اللاجئين الواقعية، وكفالة الحماية والحد الأدنى من الخدمات لهم، ولا يستطيع أي مراقب لسياسات الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة أن يتجاهل حقيقة أن جميع ما تصدره الحكومة من تشريعات أو قرارات يكون الهدف من إصداره هو جمع الأموال عن طريق الرسوم أو الغرامات أو تقديم خدمات، لا سيما بالعملة الأجنبية التي هي في أمس الحاجه إليها في ظل الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة المحلية".
واعتبرت أن "القرارات الصادرة خلال العام الأخير توضح السعي نحو جمع الأموال، ولعل من أخطرها قرار منح الجنسية المصرية مقابل إيداع وديعة مصرفية بالدولار الأميركي أو شراء عقار بالدولار، وأمثلة أخرى تؤكد تلك السياسات مثل القرار الخاص بالسماح بدخول السيارات الخاصة من دون رسوم جمركية مقابل وديعة بالدولار، وصولاً إلى قرار الإعفاء من التجنيد للمقيمين بالخارج مقابل إيداع 5000 دولار أو يورو. الحكومة التي تتبنى هذا النهج في تحصيل الموارد المالية بالعملة الأجنبية من الطبيعي أن تتعامل مع ملف اللاجئين والمهاجرين كمصدر محتمل للعملة، وأن تخلو قراراتها من أي انتباه إلى حقوق المهاجر كإنسان، أو علاقته بالمجتمع المضيف".