تعاني نساء في محافظة إدلب شمال غربي سورية من سوء التغذية، لا سيما خلال فترة الحمل والإرضاع بسبب الظروف المادية السيئة والأوضاع المعيشية المتردية التي يعشن فيها وسط الفقر والغلاء وقلة فرص العمل، ما حرم كثيرات من إرضاع أطفالهن طبيعياً في وقت يعجزن عن تأمين الحليب الاصطناعي البديل بسبب سعره المرتفع.
وتتضاعف أيضاً معاناة النساء، خاصة الحوامل والمرضعات اللواتي يعشن في خيام، ويفتقرن إلى أبسط مقومات الحياة، ما يعرضهن لدرجات متفاوتة من سوء التغذية.
تطالب فدوى الشويخ، النازحة التي تقيم في مخيمات أطمة شمالي إدلب، بتأمين المعنيين ومنظمات المجتمع المدني فيتامينات وعلب حليب الأطفال، وتوزيعها مجاناً على الحوامل والمرضعات اللواتي ضاقت بهن سبل الحياة أو حتى انعدمت في مخيمات النزوح بعد سنوات عجاف من الحرب.
بدورها، لا تستطيع رابعة الياسين شراء اللحوم أو حتى الخضار والبيض والألبان، وتعيش مع عائلتها المؤلفة من زوجها العاطل من العمل وخمسة أبناء على المساعدة الشهرية التي تحتوي على أرز وبرغل وعلب زيت نباتي.
لم تزر رابعة، الحامل في الشهر السادس، طبيبة نسائية بسبب قلة الإمكانات المتوفرة، وتقول لـ"العربي الجديد": أحتاج في شكل ملح لزيارة الطبيبة بعدما بدأت أعراض نقص الفيتامينات والكالسيوم تظهر عبر آلام في القدمين والحوض، لكنني لا أملك المال الكافي لدفع أجور الطبيبة وثمن الأدوية، كما لا يوجد مركز طبي مجاني في مخيم قاح العشوائي حيث أقيم".
ولا يختلف حال سلوى الشويفان التي لم تستطع إرضاع مولودها طبيعياً بسبب سوء التغذية، وعجزت أيضاً عن تأمين حليب اصطناعي له بسبب ارتفاع سعره الذي تجاوز قدرتها المادية على شرائه، ما أدى إلى إصابة طفلها بنحول وضعف عام في جسده الصغير انتهى وصولاً إلى سوء تغذية حاد.
تقول لـ"العربي الجديد": "يندر أن يجد زوجي عملاً، وإذا حصل عليه فلا يتجاوز أجره اليومي 80 ليرة تركية (2.28 دولار) الذي لا يكفي حتى لشراء خبز، بينما يتجاوز سعر علبة حليب صغيرة ذات نوعية متوسطة 120 ليرة تركية (4.42 دولارات)، والتي لا تكفي طفلي لأكثر من ثلاثة أيام".
واضطرت سلوى إلى إطعام طفلها الأرز بعد طحنه وسلقه، وأيضاً النشاء مع السكر، ما أدى إلى إصابته بمرض سوء التغذية، واضطرها إلى إدخاله المستشفى مرات بسبب الجفاف وسوء التغذية. تقول: "لم تعد الرضاعة الطبيعية تسدّ حاجة طفلي، ولم أستطع إرضاعه الحليب الاصطناعي بسبب غلاء سعره وسوء الأوضاع المعيشية لعائلتي، بخاصة بعدما انخفضت قيمة الليرة التركية إلى أدنى مستوى في تاريخها" (تخطى سعر صرف الدولار عتبة 27 ليرة تركية).
وتقول الطبيبة النسائية نور الجندي لـ"العربي الجديد" إن "نسب خضاب الدم (الكريات الحمراء) لدى النساء اللواتي يزرنني منخفضة جداً جراء نقص الغذاء وقلة الرعاية، خاصة في المخيمات".
وتؤكد أن "الغلاء ونقص المواد الغذائية الأساسية الضرورية وانعدام الأمن وأزمة المياه وغياب الرعاية الصحية المعنية بمتابعة الحوامل في المخيمات، كل هذا يهدد صحة الحوامل اللواتي هن في أمس الحاجة لتناول طعام مفيد، والحصول على مكملات غذائية تعوّض النقص الكبير في الغذاء الذي يستهلكه الجنين، ما يفضي إلى سوء تغذية الأم والطفل معاً".
وتعرّف نور مرض سوء التغذية بأنه "نقص في العناصر الغذائية الأساسية والمهمة لصحة جسم الإنسان، مثل البروتينات والكربوهيدرات والدهون والفيتامينات والمعادن، علماً أن نقص أحد هذه العناصر أو بعضها يكفي لإصابة الجسم بسوء تغذية". تضيف: "مرض سوء التغذية من الأمراض الشائعة جداً، ويحمل مخاطر كبيرة. وفي الغالب يبدأ مرض سوء التغذية تدريجاً في الجسم خلال فترة معينة من خلال أعراض مثل فقدان الوزن والشعور بالتعب والإرهاق. ولا أرقام رسمية لعدد المصابين بسوء تغذية في مناطق إدلب وريفها، رغم انتشار المرض لدى أطفال ونساء كثيرين تحديداً".
وتشير إلى غياب الحلول الجذرية التي تنهي أمراض سوء التغذية، وتمنع انتشارها، مثل توفير أغذية متكاملة وصحية للنازحين في المخيمات، وبكميات كافية.
وتعاني بين 75 و80 في المائة من العائلات في سورية من فجوة كبيرة بين الدخل والإنفاق الذي يهدف إلى تلبية الاحتياجات الأساسية، بحسب ما يكشفه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) الذي يفيد بأن 8 في المائة من النساء الحوامل والمرضعات مصابات بسوء تغذية، في حين يعاني ثلاثة من كلّ عشرة أطفال شمال غربي سورية من "تقزم".