مع انتعاش قطاع السياحة في العاصمة الصومالية مقديشو خلال السنوات الأخيرة نتيجة الهدوء النسبي الذي تشهده، والحركة العمرانية واستثمارات العديد من المغتربين العائدين من المهجر، وخصوصاً في قطاع المطاعم، تستقبل شواطئ العاصمة أفواجاً من السياح بشكل يومي. هذا الجانب الإيجابي يقابله آخر سلبي يتمثل في رمي المخلفات البلاستيكية والمواد الضارة بالبيئة، ما يهدد التنوع البيولوجي في سواحل البلاد، في ظل غياب الاهتمام الحكومي بالحد من النفايات البلاستيكية.
في هذا الإطار، أطلقت مبادرات شبابية تهدف إلى الاهتمام بالسواحل والأنهار في عموم البلاد، ولاقت قبولاً وتأييداً في العاصمة مقديشو بعد انتشارها على وسائل التواصل الاجتماعي. ويتزايد المشاركون والمتطوعون فيها أسبوعاً بعد آخر، ويتوجه العشرات صباح كل يوم جمعة إلى شاطئ ليدو، ويتوزعون إلى فرق ويؤدون مهام مختلفة. ويعمل بعضهم على حمل الأكياس ومواد التنظيف والكمامات والأغطية المناسبة، ويجمعون القمامة والنفايات المعدنية والبلاستيكية ومخلفات الملابس. كما يعمل البعض على توعية المواطنين وأصحاب الحانات المنتشرة على امتداد ساحل ليدو، للحفاظ على نظافة البيئة وعدم رمي مخلفاتهم. كما يجمع البعض النفايات من السواحل، ويضعونها في مكان محدد تمهيداً لنقلها عبر شاحنات مخصصة لنقل النفايات بأنواعها المختلفة.
ويقول صاحب المبادرة عبد الستار عربو لـ "العربي الجديد": "نواصل هذه المبادرة للأسبوع السابع على التوالي، وتهدف إلى تنظيف سواحل وأنهار البلاد (نهر شبيلي ونهر جوبا) من المخلّفات الضارة بالبيئة البحرية"، لافتاً إلى أن الفكرة بدأت بعدما لاحظنا زيادة في رمي المخلفات على امتداد سواحل العاصمة. ويشير إلى أن المبادرة بدأت بستة أشخاص، وباتت تضم اليوم مئات الشباب من مختلف أحياء العاصمة وشرائح المجتمع، ونعمل على توعية الجمهور حول أهمية الحفاظ على نظافة السواحل. وشعارنا هو: نحن ننظف السواحل فلا ترموا النفايات بها". ويوضح: "نجمع على الأقل نحو ثلاثة أطنان من المخلفات كل يوم جمعة، منها المواد البلاستيكية والحقن والأكياس وعلب المياه الزجاجية، وكلها تهدد الحياة البحرية".
يضيف عربو أن شركاء المبادرة يتولون توعية الناس وأصحاب الفنادق والمحال التجارية حول أهمية الحفاظ على البيئة، ومدى الضرر التي تسببه المواد البلاستيكية وتأثيرها على الحياة البحرية والتنوع البيولوجي فيها.
ويشارك في هذه المبادرة طلاب جامعات وعاملون في القطاع الخدماتي الخاص ونقابات المعلمين، دعماً للجهود الرامية إلى حماية البيئة والحياة البحرية في سواحل مقديشو، وخصوصاً الأكثر اكتظاظاً وازدحاماً في نهاية العطلة الأسبوعية.
ويقول نقيب المعلمين الصوماليين محمود عمر آدم، لـ "العربي الجديد"، وقد بدا منهمكاً بتوعية أصحاب الحانات على مقربة من شاطئ ليدو عبر مكبر الصوت، إن "نظافة الأماكن العامة خدمة اجتماعية عامة، وتقع ضمن مسؤولية جميع الأفراد لما يعود بالفائدة على الجميع ويجعل من المناطق السياحية مناطق جميلة، ما ينعش قطاع السياحة في البلاد". يضيف أنّ "نقابة المعلمين ستواظب على المشاركة في هذه المبادرة الشبابية"، داعياً فئة الشباب إلى المشاركة.
بدروها، تقول الطالبة الجامعية مانديق محمد حسن لـ "العربي الجديد" إنها تشارك في هذه المبادرة للأسبوع الثاني على التوالي، لافتة إلى أن شعورها بأهمية حماية البيئة والحد من المخلفات التي تهدد الحياة البحرية، دفعها إلى المشاركة في هذه المبادرة التطوعية، إيماناً منها بأن الشباب هم العمود الفقري في دعم جهود تنظيف السواحل، داعية الشباب إلى المساهمة في هذه المبادرة.
من جهته، يقول منسّق الشؤون الاجتماعية في نقابة طلاب الجامعة الوطنية محمد عبدالله لـ "العربي الجديد"، إن السواحل النظيفة يمكن أن تجذب السياح، وقد تحركنا للمساهمة في هذه المبادرة وقطعنا استراحتنا الأسبوعية لتنظيف هذا الساحل من المخلفات البيئية الضارة. يضيف: "نهتم بتوسيع هذه المبادرة مستقبلاً لتشمل كافة أنحاء البلاد، والاهتمام بنظافة البيئة وضمان خلوها من النفايات"، لافتاً إلى أن "نظافة البيئة ستساهم في الحفاظ على الصحة العامة في البلاد. نأمل أن نواصل المشاركة في هذه المبادرة خلال الأسابيع المقبلة، ونحث أقراننا على المساهمة في الجهود الشبابية لحماية البيئة وخصوصاً سواحل العاصمة".
يشار إلى أن سواحل الصومال تعاني من جراء المواد الكيميائية التي ترميها السفن الأجنبية، ما يهدد الحياة البحرية والبيئية فيها. وكثيراً ما تتحدث منظمات محلية تعنى بالبيئة البحرية عن أسماك نافقة في سواحل البلاد، عدا عن النفايات النووية المعبأة بأسطوانات معدنية، نتيجة غياب دور قوات خفر السواحل في الصومال، ما يساهم في انتشار النفايات على طول سواحل البلاد.
ويعد شاطئ ليدو من بين أكثر السواحل اكتظاظاً بالزوار، وخصوصاً يومي الخميس والجمعة، بسبب المنتجعات السياحية المنتشرة على امتداد الساحل، الأمر الذي دفع أصحاب المبادرة الشبابية إلى تنظيف الساحل كل يوم جمعة، بهدف الحد من التلوث البيئي الذي يهدد جمال الساحل والحياة البحرية فيه.