أظهرت نتائج امتحان شهادة الثانوية العامة في السودان، رسوب أكثر من 200 ألف تلميذ وتلميذة، في نتيجة هي الأسوأ تاريخياً، ما يؤشر إلى انهيار التعليم في البلاد، بحسب ما يقول كثيرون.
قبل أيام، جرى الإعلان عن نتائج امتحانات الثانوية العامة في السودان، التي كشفت عن فشل كارثي غير مسبوق للتلاميذ. فقد أشارت إلى نسبة نجاح بلغت 55.8 في المائة في المجمل، فبينما بلغت نسبة النجاح في المدارس الخاصة 59.3 في المائة، و58.9 في المائة في المدارس الحكومية، تدنت في مدارس اتحاد المعلمين إلى 47 في المائة. وبموجب هذه النسب، وصل عدد التلاميذ الراسبين في الامتحانات إلى 213.116 تلميذاً وتلميذة من جملة عدد الممتحنين البالغ عددهم 484.021، ليصل عدد الناجحين إلى 270.905.
لم يكن الفشل على مستوى النسب العامة، بل تعداه ليصل إلى رسوب كبير من جانب التلاميذ في مواد بعينها، مثل التربية الإسلامية، التي رسب فيها أكثر من 123 ألفاً، بينما رسب 59 ألفاً في التاريخ، و181 ألفاً في مادة اللغة العربية. وبلغت نسبة النجاح في العام المنقضي في اللغة العربية 61 في المائة بعدما كانت في العام السابق له 82.3 في المائة. أما المؤشر الأكثر كارثية هذا العام فقد كان تغيب نحو 29 ألف تلميذ عن الامتحانات، على الرغم من تسجيل أسمائهم لخوضها عبر مدارسهم أو من خلال تقديم الطلبات الحرة.
مع تلك النتائج المحبطة، لجأ المسؤولون إلى تبريرها بجائحة فيروس كورونا الجديد، وما ترافق معها من أزمات، إذ يقولون إنّ الجائحة تسببت في ضغوط نفسية على التلاميذ، مع تأثيرها على درجة الاستيعاب، بالإضافة إلى عوامل المناخ والفيضانات التي اجتاحت أجزاء واسعة من البلاد في خريف العام الماضي، والتي أعاقت في بعض الأحيان وصول أعداد غير قليلة من التلاميذ إلى مدارسهم وامتحاناتهم.
في هذا الإطار، تحمّل سيدة عبد الله، والدة أحد التلاميذ الراسبين، مسؤولية فشل ابنها ومن معه من التلاميذ الراسبين الآخرين، لوزارة التربية والتعليم، التي اتخذت خلال العام الدراسي السابق، قرارات مرتبكة بتعليق الدراسة لأكثر من مرة، وتأجيل الامتحانات من إبريل/ نيسان 2020 حتى سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، ما تسبب باضطراب وعدم استقرار للتلاميذ وأسرهم، كما تسبب في مباشرتهم الامتحانات في ظروف نفسية سيئة جداً. توضح لـ"العربي الجديد" أنّ تذرع الوزارة بظروف فيروس كورونا غير سليم، لأنّ جميع دول العالم مرّت بالظروف نفسها، ولم تكن نتائجها التعليمية كالتي ظهرت في السودان. وتبدي خشيتها من تكرار النتيجة خلال العام الدراسي الجديد الذي ظهرت فيه أيضاً بوادر الفشل بتكرار تأجيل بدايته من سبتمبر/ أيلول الماضي إلى أول فبراير/ شباط المقبل.
أما المعلم في المرحلة الثانوية، صابر أحمد، فيقول، من جهته، لـ"العربي الجديد" إنّ نتيجة الشهادة الثانوية غير مسبوقة من في الدرجات السيئة وتدني نسبة النجاح، ويحتاج علاجها الى معجزات، لافتاً إلى أنّ الظروف الأمنية والسياسية في البلاد لعبت دورها في تلك النتيجة، بينما لعبت الظروف الاقتصادية والمعيشية الدور الأكثر حسماً، إذ فرضت على أعداد كبيرة من التلاميذ العمل في مهن مسائية لمساعدة أسرهم في توفير احتياجاتها المعيشية. يوضح أنّ ذلك ساهم في ضعف مقدرتهم على المتابعة والتحصيل ومراجعة الدروس بصورة يومية. يضيف أحمد أنّ الظروف المعيشية منعت كذلك الأسر من الاستعانة بالمعلمين للدروس الخصوصية وهو ما كانت تقوم به في السابق لتقوية نقاط الضعف الأكاديمية لدى أبنائهم، متوقعاً أن تسبب الأزمات المعيشية تلك في موجة تسرب للتلاميذ من المدارس، وهجر الدراسة بالكامل، إذ لم تعمل الدولة والمجتمع على حدّ سواء، على إنقاذ العملية التعليمية في البلاد.
بدوره، يقول المعلم الثانوي عمار يوسف، عضو لجنة المعلمين (نقابة) لـ"العربي الجديد" إنّ هناك العديد من الأسباب وراء تدني نسبة النجاح في امتحانات الشهادة الثانوية، أولها استثنائية العام الدراسي 2019- 2020، إذ انتشر فيروس كورونا الذي فرض جملة من التدابير الاحترازية. كذلك، جاءت كارثة السيول والفيضانات التي أثرت على كثير من المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى أنّ العام الدراسي نفسه كان طويلاً جداً، إذ استمر أكثر من تسعة أشهر. يضيف يوسف أنّه، مع تلك الأسباب، هناك أسباب أخرى مرتبطة بالمنهجية والمقررات وطرق التقييم، كما أنّ مقارنة النتيجة مع نتائج الأعوام السابقة هى مقارنة غير صحيحة، ففي سنوات النظام السابق "كانت هناك معالجات للنتائج يمنح بموجبها التلاميذ درجات"، في إشارة إلى طرق غير سليمة "وهذا ما لم يحدث في هذا العام"، مؤكداً أنّ النتيجة التي أعلنت هي النتيجة الحقيقية. يضيف أنّ وزارة التربية والتعليم شكلت لجنة لدراسة النتيجة دراسة وافية، وعلى ضوء ذلك ستتخذ قرارات للتقييم والمراجعة.
من جهتها، قالت وزارة التربية والتعليم، على لسان محمود سر الختم الحوري، مدير إدارة امتحانات السودان، إنّ ظروفاً قاسية تعددت وواجهت الجميع بحقل التربية هذا العام، فضلاً عن جائحة كورونا، إذ يشير إلى تردي الأحوال المناخية، والفيضانات، التي كادت أن تؤدي إلى كارثة حقيقية يعجز معها الجميع عن إتمام عملية دورة الامتحانات كما يلزم.
يتابع الحوري في تصريح لوكالة السودان للأنباء، أنّ كلّ ذلك انعكس بعدم انتظام العام الدراسي، وتكرار تأجيل موعد الامتحانات، وتعدد حالات الغياب في أوساط التلاميذ، بإلاضافة إلى ما تسبب به تردي الأحوال المناخية من عوائق، منعت وصول أعداد كبيرة من التلاميذ إلى مراكز الامتحانات في الوقت المحدد، فيما حالت دون وصول البعض الآخر تماماً. أضاف الحوري أنّهم في بعض الأحيان استعانوا بالقوات المسلحة للمساهمة في نقل أوراق الامتحانات بطائرة عمودية بسبب قطع الطرقات البرية.
لكنّ الخبير التربوي، الشعراني الحاج، الأمين العام السابق لاتحاد المدارس الخاصة، يعتبر تبريرات وزارة التربية والتعليم بمثابة "ذرّ للرماد في العيون، فكلّ ما ذكرته من أسباب غير مبرر"، مشيراً إلى أنّ كورونا وأزمة الفيضانات والسيول لم تؤثر مطلقاً في تدني نسبة النجاح في الشهادة الثانوية، خصوصاً أنّه كان من الممكن مواصلة الدراسة وعدم اللجوء لخيار التأجيل بتطبيق القيود الصعبة. ويتابع أنّ الوزارة عمدت إلى تأجيل المدارس أكثر من مرة، ما أدى إلى غياب 30 ألف تلميذ عن امتحان الشهادة الثانوية، وهو ما أضعف نسبة النجاح. يضيف الحاج سبباً آخر لضعف نتيجة الشهادة بقوله إنّ إلغاء وزارة التربية والتعليم نظام "الكريف" تسبب أيضاً في هذا التدني، وهو نظام يحدد النجاح في بعض المواد بالحصول على ما بين 30 و40 في المائة من العلامة الكاملة لا أكثر، وهو النظام الذي كان معمولاً به منذ عام 1994.
بدورها، تقول الصحافية، سهير عبد الرحيم، إنّه لا يمكن تحميل جهة واحدة مسؤولية النتيجة الكارثية لامتحانات الثانوية العامة، فالمسؤولية مشتركة، وهي نتيجة متوقعة في ظلّ عدد من الظروف، أهمها الظروف الاقتصادية ومعاناة التلاميذ التي تجعل التحصيل الأكاديمي لهم ضعيفاً، وذلك يتفرع إلى عدد من المشاكل فإما بسبب صعوبة الوصول إلى المدرسة بدافع من أزمة المواصلات وغلاء كلفتها، أو لعدم توفر الوجبة المدرسية للتلميذ، مع ما في ذلك من عدم قدرة على التركيز، كما تشتت الذهن بين الدراسة والاتجاه إلى سوق العمل لتغطية المصاريف الدراسية والمساهمة في إعالة الأسرة.
تضيف عبد الرحيم، لـ"العربي الجديد" أنّ هنالك مسؤولية كبرى تقع على قطاع المعلمين، وتتعلق بتدني عطائهم، وهو أمر مرتبط أيضاً بالضائقة المعيشية، إذ يتجه المعلمون إلى الدروس الخصوصية، ويحجمون عن التدريس في القطاع العام، أو يقدمون دروساً في الدوام الرسمي من دون الحماس والجودة اللذين يقدمونهما في الدروس الخصوصية. وتلفت إلى أنّ الأسرة ينالها جانب آخر من المسؤولية في عدم تهيئتها الأجواء المناسبة للتلميذ مع ما في ذلك من متابعة مع المدرسة وتوفير احتياجات أبنائها من أدوات مدرسية ومواد مختلفة. وتقول إنّ الدولة، وهي الأساس في كلّ ما سبق، تعاني من تخبط كبير في تحديد مواعيد الامتحانات، ما أفقد امتحان الثانوية العامة هيبته، وجعل التلاميذ ينصرفون إلى الأعمال الهامشية لمساعدة أسرهم. وتختم أنّها مجموعة من الخطوط المتداخلة أدت إلى هذا التدني في النتيجة، وستؤدي إلى التدني نفسه في نتيجة العام المقبل، إذا بقيت الظروف على حالها.