أصدر مدير التنمية الإدارية في وزارة التربية السورية سامر فارس الخطيب تعميماً لمديريات التربية في 8 يونيو/حزيران الحالي، يقضي بعدم قبول طلبات الاستقالة، وعدم رفع طلبات استقالة الفئة الأولى إلى الإدارة المركزية. جاء التعميم بناءً على توجيه من وزير التربية، وبلاغ رئاسة مجلس الوزراء الصادر في 10 فبراير/شباط الماضي، بشأن الموافقات الأمنية لبعض الأنشطة والمعاملات في ما يخص العاملين في الدولة.
ورغم أن التعميم استثنى بعض الحالات من الفئة الأولى، مثل الذين تجاوزوا ثلاثين سنة عمل، والحاصلين على إجازة سنوية بلا راتب لمدة سنتين متتاليتين، والعامل الذي لديه وضع صحي يمنعه من مزاولة عمله، وكذلك حالات لم الشمل والالتحاق بالشريك، إلا أن معظم المتقدمين بطلبات الاستقالة من الحالات السابقة يخضعون لمساءلة من الفروع الأمنية الثلاثة المعروفة (الجوي، والعسكري، وأمن الدولة)، وغالباً ما تستمر إجراءات الاستقالة ما بين عام إلى عامين.
يقول المحامي السوري عارف الشعال: "هذا الكتاب الذي يمنع رفع طلبات الاستقالة لفئة معينة من الموظفين فيه تعطيل لنص من قانون نظام العاملين الأساسي في الدولة، يقول: (يجب البت في طلب الاستقالة إما بالقبول أو الرفض خلال ستين يوما من تاريخ تقديمه)، ناهيك عن إشارة الاستفهام حول صلاحية مدير التنمية الإدارية في إصدار هكذا قرارات".
وتقول إحدى المتقدمات بطلب استقالة إلى مديرية تربية السويداء، لـ"العربي الجديد"، إنها بعد خدمة 24 عاماً في مجال التدريس، وجدت أن الموافقة على طلب الاستقالة أكثر صعوبة من الموافقة على طلب التوظيف الذي كان يحلم به معظم خريجو الجامعات، والذين كانوا ملزمين بالعمل مدة عامين خارج محافظتهم لسد النقص في المناطق التي تُعاني من قلة الكادر التعليمي، مثل ريف دمشق ودرعا ودير الزور والحسكة. تضيف المدرسة التي طلبت إخفاء هويتها: "ما يزيد التعقيد هو تحقيقات الفروع الأمنية حول سبب طلب الاستقالة، والتوجه السياسي لمقدم الطلب، ووجهة السفر أو العمل بعد الاستقالة، بالإضافة إلى سبر معلومات كامل عن الأسرة والأقارب والأصدقاء، وأماكن وجودهم وأعمالهم. لم أحصل حتى الآن على الموافقات الأمنية بعد مضي أشهر، ولا أدري إن كان هذا القرار يستثنينا نحن المتقدمين قبل صدوره".
ونفى رئيس اتحاد عمال السويداء هاني أيوب، لوسائل إعلام محلية، تصريحه السابق حول كون "استقالات الموظفين بالجملة"، وقال إنه كان يقصد أن الموظفين الذين تجاوزت خدماتهم 30 عاما جرى تسريحهم بعد أكثر من عام من الخدمة الإضافية بناءً على طلبهم.
وتناقلت وسائل إعلام محلية، خلال الأيام الماضية، أخباراً حول استقالة 400 موظف في السويداء، و300 في القنيطرة، ومعظمهم من وزارة التربية، فيما هذه الاستقالات حصلت قبل شهر أغسطس/آب 2022، وحصل مئات الموظفين في قطاعات مختلفة على موافقات الاستقالة خلال الأشهر التي تلت ذلك.
يقول أحد المدرسين المُستقيلين من مديرية تربية ريف دمشق لـ"العربي الجديد": "حصلت على موافقة الاستقالة خلال ثلاثة أشهر، وهي فترة قياسية مقارنة مع بقية المتقدمين، وجرى ذلك مقابل مبالغ مالية دفعتها في المديرية والمحافظة والوزارة، وللجهات الأمنية". ويعتقد المدرس، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن "غالبية موظفي القطاع التعليمي يسعون للاستقالة، لأن مردود العمل لا يلبي متطلبات المعيشة، إذ لا يكفي الراتب الشهري حتى كلفة الذهاب إلى مكان العمل".
في ديسمبر/كانون الأول 2022، نقلت وسائل إعلام عن موظفة في مديرية تربية درعا أن المديرية تستقبل في اليوم الواحد أكثر من 10 طلبات استقالة، وأن جميعها يقابل بالرفض بسبب عدم وجود بديل، وأكدت أن أعداد المعلمين والمعلمات الذين يقدمون طلبات استقالاتهم فاقت 200 خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. في المقابل، يحذر مسؤولون في العاصمة دمشق وريفها من انهيار مؤسسات القطاع العام بسبب الاستقالات، بالإضافة إلى هجرة أعداد كبيرة من الموظفين من دون تقديم الاستقالة هرباً من الالتحاق بالخدمة العسكرية.
يقول مدرس الرياضيات السوري هاشم قابيل، لـ"العربي الجديد"، إن "معظم الذين يتمسكون بوظائفهم في مؤسسات الدولة هم من أفسدتهم السلطة، أو الذين استطاعوا الحصول على امتيازات تشجعهم على الاستمرار في العمل، مثل المحروقات أو السيارة الحكومية أو المنزل، وفي قطاع مثل وزارة التربية، إلى حد ما لا مجال للرشوة أو للامتيازات، ما يجعل معظم الموظفين يسعون للهرب إذا سنحت لهم الفرصة. ساعات العمل المجهدة لا تتناسب مع الراتب الضئيل، وهناك فرض لمناهج وثقافة وأنشطة تصب جميعها في سياسة إذلال المعلم وتسطيح التربية والتعليم".
ويعاقب القانون السوري بالسجن من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن الراتب الشهري مع التعويضات لمدة سنة كاملة، كل من يترك عمله أو ينقطع من العاملين في الوزارات أو الإدارات أو المؤسسات أو الهيئات العامة أو البلديات أو المؤسسات البلدية، أو أي جهة من جهات القطاع العام أو المشترك قبل صدور الصك القاضي بقبول استقالته.
ويقول المحامي سليمان العلي لـ"العربي الجديد" إن "القانون لا يمنع تقديم طلب الاستقالة، ولكنه يعاقب من يترك الوظيفة من دون موافقة في حال قامت الجهة المسؤولة بالادعاء عليه، وبهذا تكون السلطة أقفلت طريق العودة إلى الوظيفة، وحتى إلى الوطن، لكنها في نفس الوقت لا ترحم الموظفين. أصبح واضحاً أن سياسة النظام تهدف إلى إفراغ البلد من الشباب، وبالذات المتعلمين والمثقفين، فهو لا يسعى للحفاظ عليهم بتحسين الواقع المعيشي، كما لا يسمح لهم بالاستقالة للعمل في القطاع الخاص، وبالتالي لا يجدون أمامهم سوى الهروب".