بعد أن بقيت نحو أربعين ساعة تحت الأنقاض في شمال غرب سورية، تواجه الطفلة شام اليوم خطر بتر ساقيها، بعد إصابتها على غرار ناجين كثر من الزلزال بمتلازمة "هرس الأطراف".
الفيديو الذي يوثِّق إنقاذها ونشرته منظمة الخوذ البيضاء انتشر على نحو واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت فيه شام الشيخ محمّد البالغة تسع سنوات ممددة تحت الأنقاض، تتحدث مع عناصر الإنقاذ، تطلب عبوة ماء وتقترح عليهم كيف يمكن سحبها أو تدندن معهم أغنية تحمل اسمها. ثم تئن من بقائها تحت الأنقاض.
قصة إنقاذ أسطورية جديدة…وبطلتها "طفلة اسمها "شام" أيضاً وتلك ليست بمجرد صدف أن تتشابه الظروف والأسماء.
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) February 9, 2023
فرقنا أنقذت #شام وأشقاءها زيد وراما من تحت أنقاض منزلهم في قرية ملس #غربي #إدلب،كنا نتمنى أن تكون أمهم معهم ولكن الموت سبقنا إليها.
2/7/ 2023#الخوذ_البيضاء #زلزال_سوريا #سوريا pic.twitter.com/LogJjuIJTR
عظيمة عزة النفس التي رأيناها في الطفلة شام ؛ فرغم مصابها وكربتها إلا أنها طلبت الماء باحترام مُلفت ، وعندما وعدها المُنقذ بعصير وغيره قالت : " لأ بدي بس مي " وبدأت بتبرير طلبها بنفاد الماء في بيتهم قبل الزلزال!!
— محمود عمرو (@mhmood_drb) February 13, 2023
ما أعظم عزتك و كرامتك يا شام ...#زلزال_سوريا_وتركيا#زلزال_سوريا pic.twitter.com/YTntVrqj9l
تخضع شام، التي ظلت 40 ساعة تحت الأنقاض بعد انهيار منزلها وسقوط السقف على ساقيها، للمراقبة منذ أيام في العناية الفائقة في مستشفى الشفاء في مدينة إدلب.
وتواجه الطفلة، وفق الأطباء الذين يتولون رعايتها، خطر بتر رجليها على مستوى الساقين، كذلك فإنها معرضة لمشكلات في القلب والكلى.
من تحت الانقاض الطفلة شام تنشد يا شام انتي شامنا#ارمناز #ادلب #زلزال #هزة_أرضية pic.twitter.com/c6Bmii72J4
— أنس المعراوي anasmaarawi (@anasanas84) February 9, 2023
الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا المجاورة، مودياً بحياة أكثر من 43 ألف شخص في البلدين، دمر منزل الطفلة في مدينة أرمناز في ريف إدلب الشمالي الغربي، وسبّب مقتل أمها وشقيقتها، بينما نجت مع اثنين من أشقائها ووالدها.
على سرير المستشفى، تتمدّد شام وقربها دمية، وتردّد: "ساعدني يا دكتور" في كل مرة تشعر فيها بألم شديد.
يوضح الأطباء العاملون في شمال غرب سورية أن وضع شام مماثل لحالات عدة أشخاص استقبلوهم إثر الزلزال الذي أودى بحياة 3,688 سورياً على الأقل.
ويقول اختصاصي الجراحة العظمية طارق مصطفى لوكالة "فرانس برس": "الطفلة شام واحدة من حالات عدة وردت إلى مستشفيات المنطقة، وتعاني من متلازمة الهرس، بعدما بقيت أكثر من أربعين ساعة تحت الأنقاض".
"ابتسامة الموت"
ويقول الطبيب الذي يعمل في مستشفى في بلدة معرة مصرين، وتديره الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، إن "وضعها كان حرجاً، لأنها معرضة للبتر على مستوى الساقين". لكنه أشار إلى أن "بعض المؤشرات الإيجابية" دفعت المشرفين عليها إلى تأجيل عملية البتر.
نشرت الخوذ البيضاء، الدفاع المدني في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، تغريدة الأسبوع الماضي، طلبت فيها "الدعاء لشام وكثر مصابين بالزلزال، يعانون من حالة طبية اسمها متلازمة الهرس"، التي تحتاج إلى "رعاية طبية متقدمة".
2/1ـ يا "قمجون"...كانت أحلى مرة بسمع فيها لقبي…يا الله شو صرت حبه…بتتذكروا الطفلة #شام يلي أنقذناها بأرمناز وكانت عم تغني للشام، صارت تناديني فيه ونحنا عمننقذها بعملية استمرت 6 ساعات، شعور الفرح ما بينوصف، إنقاذ شام كان بمثابة عمر جديد ألي وحياة جديدة كنت كتير متفائل. pic.twitter.com/PNdA1IKXgy
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) February 16, 2023
تنتج متلازمة الهرس "من أي ضغط تتعرض له الأطراف لفترة طويلة تفوق 12 ساعة، ما يؤدي إلى انقطاع الدورة الدموية على مستوى الأنسجة"، وفق مصطفى، الذي أفاد عن معاينة الأطباء في المنطقة لحالات كثيرة مشابهة، وخصوصاً من الأطفال.
يصل المصاب إجمالاً، وهو بحالة جيدة، إلى المستشفى حيث يبلغ الأطباء بألم يشعر به على مستوى الأطراف. لكنه يكون في الوقت ذاته عرضة للإصابة بمشكلات في القلب والكلى تُهدد حياته. ويقول مصطفى: "هذا ما يُسمى، بالمصطلح العامي، ابتسامة الموت".
ولا يواجه المصاب خطر التعرّض للبتر فحسب، ذلك أن إعادة تنشيط الدورة الدموية دونها عواقب، "فارتفاع البوتاسيوم في الدم قد يؤدي مباشرةً إلى أذية قلبية، وارتفاع الهيموغلوبين قد ينتج منه قصور كلوي".
وسجّلت وزارة الصحة التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" المحلية، التي تدير مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها، مائة حالة مصابة بمتلازمة الهرس، تعرّض العديد منها لقصور كلوي استدعى الخضوع لعمليات غسل كلى.
"سآخذها إلى الملاهي"
حين نجحوا في إخراجها بعد ست ساعات من العمل من تحت أنقاض مبنى نزحت عائلتها إليه قبل ثلاث سنوات هرباً من آخر هجوم لقوات النظام بدعم روسي في المنطقة، احتفل عناصر الإنقاذ بشام.
في مقطع الفيديو المتداول، يقترح المتطوع في الخوذ البيضاء محمّد نصر الدين أن يغني لها أغنية أو تغنيها هي، تؤكد له أنها تعرف الأغنية وتبدأ بدندنتها بصوت منخفض.
يقول نصرالدين لـ"فرانس برس": "أعادت لنا القوة حين رأيناها تتحدث تحت الأنقاض، وكانت فرحتنا لا توصف حين خرجت. نتمنى أن تبقى سالمة".
وفي محاولة للتخفيف عنها ريثما يتمكنون من سحبها، يعدها المتطوع زياد حمدي برحلة إلى مدينة الملاهي بعد إخراجها. فتجيبه: "أريد أن ألبس ثياباً جميلة، أريد أن أصبح أميرة".
ويقول حمدي لـ"فرانس برس": "سبحان الله! لديها سرعة بديهة، لم أتوقع أن تجيبني بهاذ الشكل، حتى إنها كانت تطلب مني أن أتوقف عن العمل وتقول لي: لدي فكرة. ثم تقترح أن تشرب أو تنام قليلاً".
بعد ست ساعات من العمل المتواصل والحوار الطويل، حرر متطوعو الخوذ البيضاء شام من بين الركام.
ويضيف حمدي: "كان الوضع محزناً للغاية، سقط السقف على رجليها، كنت أعمل لتحرير رجليها ودمعتي في عيني، أتذكر ابنتي البالغة خمس سنوات".
تحتاج شام التي تقبع في العناية المؤقتة إلى المراقبة المتواصلة. ويوضح حمدي، قائلاً: "الوعد وعد، سآخذها إلى مدينة الملاهي".
(فرانس برس)