لعلها الحكمة المغلفة بالأساطير، وتلك المقولات مجهولة الهوية والهوى، ذلك أن يُشاع أن شجرة الهجليج مسكونة بالشياطين، ما يفسر ذلك الوجود الكثيف للشجرة في معظم مناطق شرق وغرب وشمال ووسط السودان، قبل أن يقشع الجوع والجفاف غمامة الخوف، ليتعرض هذا الكنز الطبي النادر للهجوم. ويؤكد خبير الأعشاب عبد الحكيم عابدين أن "هناك كنوزاً خضراء تحتويها شجرة الهجليج". وتصنف من النباتات الطبية التي تحتوي على الكثير من العناصر الفعّالة كالزيوت الطيارة، والصابونيات، والكاربوهيدرات، والشحوم، والأصماغ والستيرويدات.
والهجليج أو تمر الصحراء شجرة دائمة الخضرة ومقاومة للجفاف تنتشر في حزام السافنا الفقيرة، ويندر وجودها في المناطق المطيرة. وهي في المعارف التقليدية إكسير يدخل في علاج الكثير من الأمراض، تصديقاً لمقولة أبي الطب أبقراط الذي قال إن "الكل يتداوى بطينة أرضه". وساهم عدد من الدراسات والبحوث القائمة في إطار التوجه نحو الطبيعة لاستكشاف مكنونات النبات في إبراز الهجليج ضمن الأشجار والشجيرات والنباتات ذات الفوائد الطبية الكبيرة.
تستخدم ثمرة الهجليج (اللالوب) والأوراق والساق والجذور في الكثير من الصناعات، وتعتبر الثمرة مادة طاردة للديدان ومعالجة لعسر الهضم، والأمراض العصبية، وبعض الأمراض التي تصيب الجهاز التناسلي. واكتشف المعالجون التقليديون أن قشرة البذرة الخشبية تعالج الدسنتاريا واليرقان والتهابات المسالك البولية. أما المادة حلوة المذاق تحت القشرة، فتستخدم كمخفض للسكر في الدم، وملين للبطن، ورافع للمناعة.
وإلى جانب الاستخدامات الطبية والغذائية، فإن كل أجزاء الشجرة يتم توظيفها في الأغراض الحياتية، إذ يتم استخدام أغصانها ككتلة متحدة في عمليات التسوير، وكمصدات للرياح، وحطب وقود ذو طاقة حرارية عالية وفحم نباتي عالي الجودة. كما يتم تصنيع الأثاث من خشبها الذي يمتاز بالقوة والتماسك وسهولة المعالجة.
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، وبعدما ضرب الجفاف منطقة الساحل الأفريقي، وأفقرت المراعي الطبيعية، لجأ الرعاة إلى شجرة الهجليج يقطعون فروعها الخضراء لعلف أغنامهم ومواشيهم، مثلما ظلت مصدر غذاء رئيسياً للإبل، وهي من الأشجار القليلة التي تستعيد إنبات أوراقها مرتين في العام، وتساهم الحيوانات والطيور في نشر بذورها. ومن الخصائص الموغلة في العجائبية لهذه الشجرة، والتي تم رصدها في المناطق الشرقية لكردفان في غرب السودان، أنه لا ينبت تحتها سوى الكرثان أو المُخّيط، ونبتة السلعلع المتسلقة التي تستخدم في علاج السحر.
ويتحدث خبير الغابات طلعت دفع الله عن دراسات وبحوث أجريت لصالح مشروع كبير للاستفادة من زيوت الهجليج بتمويل من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) قبل سنوات، إذ تم حصر مناطق انتشار الهجليج وكميات الثمار المنتجة. لكن لأسباب سياسية لم ينفذ المشروع، وفقدت تلك الدراسة. فهل يمكن إعادة النظر في الأمر؟
(متخصص في شؤون البيئة)