في الرابع من يناير/ كانون الثاني الماضي، صودرت عربات وبسطات باعة متجولين عادة ما يتركها أصحابها في حديقة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، وشارع عمر المختار حتى يعودوا إليها في اليوم التالي لاستخدامها للعمل وكسب الرزق. قضيّة هؤلاء ليست جديدة إلا أنها تكررت مؤخراً، وباتت تحتل مساحةً على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام المحلي. وكما جرت العادة، تعزو بلدية غزة مصادرتها إلى العمل على تنظيم الحدائق والشوارع. لكن رغم ملاحقة البلدية لهم، يصر أصحاب البسطات والعربات على العمل لأنه ليس لديهم مصدر رزق آخر في ظل ارتفاع نسب البطالة.
تحطمت عربة طلال كلاب (28 عاماً) في اليوم الذي شنت فيه شرطة البلدية حملتها على العربات والبسطات في شارع عمر المختار الذي يعرف بأسواقه العتيقة. يقول إنه تفاجأ بسبب مصادرتها وتحطيمها هو الذي يعتمد عليها لكسب الرزق.
باتت غزة اليوم أشبه بمدينة عربات. عند كل مفترق توجد عربة يبيع صاحبها المشروبات أو الخضر أو الأدوات المنزلية أو غير ذلك. بالنسبة إلى هؤلاء، العربات أفضل من البسطات لتفادي ملاحقة البلدية، لكنها لم تسلم من حملات شرطة البلدية في الحملة الأخيرة هذا العام.
تجدر الإشارة إلى أن الأكاديمي والناشط الاجتماعي فهمي شراب كان قد أطلق قبل شهرين مبادرة تقضي بمنح 150 عربة للأسر الفقيرة والعاطلين عن العمل من الشباب والمتضررين من جائحة كورونا، بعدما أصبح حتى امتلاكها حلماً.
شارع عمر المختار الذي يضم أكبر الأسواق والمحلات في قطاع غزة، يعتبر ملاذاً للباعة لكسب الرزق هو الذي يتميز بأسواقه القديمة والتاريخية. كما ترتفع بدلات إيجار المحال فيه. ولأن الأهالي يقصدونه بكثرة لتأمين احتياجاتهم، يلجأ إليه أصحاب البسطات أيضاً علهم يحظون ببعض الزبائن.
يصطف الباعة المتجولون متقاربين. الأقرب منهم إلى الشارع يراقب ما إذا كانت دوريات شرطة البلدية قد حضرت إلى المكان. هذا هو حال مهند براوي (35 عاماً) الذي يبيع الأدوات الصحية في شارع عمر المختار في سوق الرمال. يقول إنه تلقى عشرات التحذيرات خلال هذا العام وصودرت بسطته مرات عدة نهاية العام الماضي. لكن لا خيار أمامه سوى العودة إلى البيع.
يقول براوي لـ "العربي الجديد": "يأتي الناس إلى شارع عمر المختار بسبب أسواقه التي توفر كل شيء للمواطنين. هناك مناطق لا يوجد فيها حركة. أعرف أن البسطات ليست قانونية، لكننا نسعى خلف أرزاقنا. ولا خيار أمامنا إلا التسول أو العمل على البسطات والملاحقة من شرطة البلدية. وإذا بقينا في منازلنا، سنموت جوعاً". براوي هو خريج إدارة أعمال من جامعة القدس المفتوحة قبل 10 أعوام. صودرت بسطته مرات عدة خصوصاً أيام الخميس التي تشهد فيها الأسواق اكتظاظاً. أحياناً، كانت شرطة البلدية تتعاطف معه وتعيد إليه البسطة. وفي نهاية العام الماضي، صار يجر عربة ليتمكن من الفرار بسرعة إذا ما جاءت شرطة البلدية.
تحدثت "العربي الجديد" مع العديد من الباعة على البسطات والعربات، ليتبين أن نصفهم تقريباً هم من حملة الشهادات الجامعية، ويتمركزون جميعاً في شارع عمر المختار. محمد الغلبان (34 عاماً) هو خريج جامعي بتخصص التربية ويملك بسطة وعربة. يقول إن البسطة تساعده على عرض ما يبيعه بشكل أكثر ترتيباً أمام الزبائن، على عكس العربة، وخصوصاً أنه يبيع ملابس الأطفال المستوردة. يضيف لـ "العربي الجديد": "الفقر يعني الانفجار. في أحد الأيام، اعتقل شقيقي وسجن مع أشخاص لم يتمكنوا من سداد ديونهم وقروضهم. جميعهم كانوا مسجونين لأنهم يناضلون من أجل لقمة العيش. في بعض الأحيان، كانت شرطة البلدية تتعاطف معنا. إلا أنها أحياناً لا ترحمنا. لكننا سنعود إلى وضع بسطاتنا في النهاية".
يقول رئيس قسم العلاقات العامة في بلدية غزة، حسين عودة، إن "هدف هذه الحملات هو الحد من التجمعات في الأماكن العامة، وتنظيم البسطات العشوائية. في هذا الإطار، عمدت البلدية بالتعاون مع الشرطة والطوارئ المركزية إلى إزالة هذه البسطات في حديقة الجندي المجهول بهدف الحد من الازدحام وتجمع المواطنين"، لافتاً إلى أن وجود البسطات ليس نظامياً، وقد أزيلت من دون إتلاف السلع. ويؤكد أنه يمكن لأصحاب البسطات والعربات التي تمت مصادرتها التوجه إلى البلدية وأخذ السلع بعد توقيع تعهد بعدم التواجد في المكان بطريقة غير نظامية، وهو ما يرفضه غالبية أصحاب البسطات والعربات.
وقد حاول أصحاب البسطات والعربات تنظيم وقفة احتجاجية في الرابع والعشرين من الشهر الماضي والضغط على الجهات الرسمية للبحث في قضيتهم والمطالبة بإنشاء أسواق شعبية بشكل منظم. لكن الوقفة قوبلت بالقمع ومنعت الأجهزة الأمنية اعتصامهم.
ولدى سؤال عودة عن البديل، يقول إن "هذا ليس دور البلديات، بل وزارة التنمية الاجتماعية". ويتابع لـ "العربي الجديد": "ما يجري هو عملية تنظيمية ومن يجد ظروفه الاقتصادية صعبة عليه التوجه إلى وزارة التنمية" قبل أن يضيف: "لم نشدد من حملاتنا خلال بداية أزمة كورونا".