لم يعد ركوب الدراجات النارية واستخدامها للتنقل حكراً على الرجال في الجزائر، فشغف التمتع بهذه الهواية امتد إلى الجنس اللطيف سواء لممارسة الرياضات الميكانيكية التي تتطلب قدرات عالية أو للتنقل في شكل اعتيادي من أجل تجنب زحمة المرور. وهكذا تقتحم النساء مجالاً جديداً بدا مستحيلاً عليهن في زمن مضى، ويحققن إنجازاً جديداً على صعيد تأكيد الحضور البارز في ميادين الرجال سواء في الهواية أو العمل. يزداد بوضوح عدد النساء اللواتي يركبن دراجات نارية في شوارع المحافظات الكبرى في الجزائر، رغم أنه يتطلب قوة وثقة كبيرة بالنفس وبراعة في التحكم بالمسارات. حتى أن بعض الفتيات من محبات المغامرات والتحديات الصعبة، أصبحن يقدن الدراجات بسرعة عالية في الطرقات، ويتنافسن أحيانا مع دراجين رجال. خلال فترة قصيرة، حصدت صابرين خليفة، وهي في الثلاثينات من العمر، شهرة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ودفعها نجاحها الكبير إلى تأسيس مدرسة صغيرة لتعليم قيادة الدراجات النارية، خصوصاً للنساء اللواتي تحاول تشجيعهن على دخول المجال، واستخدام الدراجات النارية لتحقيق إنجازات رياضية أو للقيام بنشاطات ترفيه، أو لمجرد التنقل بين المدن والمناطق.
شغف منذ الطفولة
بدأ شغف صابرين بقيادة الدراجات النارية منذ صغرها حين كانت تتلقى هدايا من والدها بينها دراجات صغيرة كانت تمضي وقتاً كبيراً في اللعب بها في ساحة المنزل والملعب المجاور. ثم كبر شغفها بحصولها على رخصة لقيادة دراجة نارية من مدرسة متخصصة في العاصمة الجزائرية. تقول صابرين لـ"العربي الجديد": "ما دفعني بقوة لنيل رخص قيادة دراجة نارية واستخدامها، هو معاناتي من الازدحام المروري خلال تنقلاتي اليومية لمسافة 70 كيلومترا بالسيارة بين العاصمة ومحافظة تيبازة. وطوّرت نفسي في مجال قيادة الدراجات النارية عبر الالتحاق بمجموعات تنظم رحلات ترفيهية وسياحية على متن دراجات نارية نهاية كل أسبوع. وفي البداية تنقلت مع أفراد هذه المجموعة وشاركتهم رحلاتهم كمرافقة، ثم قررت شراء دراجة نارية كي أكون حرة في تنقلاتي، وأثبت نفسي مع المجموعة. كما أن حبي الكبير للرياضات الميكانيكية وطموحي في دخول نادٍ رياضي والمشاركة في مختلف المنافسات الرياضية الوطنية والدولية دفعني إلى اقتناء دراجة نارية، رغم أن سعرها مرتفع. وأرغب اليوم في إنشاء مدرسة خاصة لتعليم قيادة مختلف أنواع الدراجات النارية".
فن ورياضة ومتعة
وإذا كانت صابرين استخدمت الدراجات النارية في الأساس لتلبية احتياجات التنقل السريع، قاد الشغف الكبير حصراً بعضهن إلى خوض مغامرة ركوب الدراجات النارية، على غرار الشابة الأربعينية نسيمة شرفاوي التي تعمل موظفة في بنك، وتقطن في منطقة أولاد فايت بالضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية. وتقول نسيمة لـ"العربي الجديد": "بدأ شغفي بقيادة الدراجات النارية حين كنت أتابع في العشرينيات من العمر البطولات الدولية للدراجات النارية، ما جعلني أحلم بامتلاك دراجة نارية خاصة. وحاولت في البداية إقناع عائلتي بذلك، لكن هذا الأمر بدا صعباً جداً، ثم انضممت خفية الى نادٍ متخصص في تعليم قيادة الدراجات النارية، وشاركت في رحلات جماعية إلى مختلف المناطق السياحية. ثم أبلغت عائلتي بنشاطاتي بعد فترة، وقد تقبلت الحقيقة". وتضيف: "قيادة الدراجة النارية بالنسبة لي فن ورياضة ومتعة تساعد في التخلص من الضغط الكبير للعمل والحياة اليومية".
قبول واسع
ورغم أن ركوب المرأة دراجة نارية يبدو أمراً غريباً وغير مألوف في المجتمع الجزائري، فقد حظي بتفاعل إيجابي على مواقع التواصل الاجتماعي، ما شجّع كثيرات على خوض غمار قيادة الدراجة النارية وسط مظاهر قبول أكبر حجماً من الجزائريين عموماً والشباب خصوصاً، والذي يواكب أيضاً مجالات أخرى كثيرة تحضر فيها النساء بقوة، بعدما كانت حكراً على الرجال في السابق. وهكذا لم يعد ركوب المرأة دراجة نارية في الجزائر مجرد تحدٍ للقيود الاجتماعية ووسيلة للتحرر منها، رغم استمرار تحفظ بعض السكان في بلدات صغيرة لم يعتادوا حتى الآن على ظاهرة قيادة النساء للدراجات النارية. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال استغرابهم الكبير لمشهد ركوب امرأة دراجة نارية، لكن كثراً يراهنون على عامل الزمن والاعتياد لتقبل هذه الظاهرة، كما حصل في مرحلة بدء المرأة قيادة السيارة، أو انضمامها إلى جهاز الشرطة وتوليها مهمات في الشارع.
تطور مجتمعي
وبغض النظر عن الحاجة الاقتصادية والترفيهية لظاهرة ركوب النساء دراجات نارية في الجزائر، تضع تفسيرات اجتماعية الظاهرة ضمن سياق تطور المجتمع، واقتحام المرأة كل الفضاءات العامة. ويصف أستاذ علم الاجتماع في جامعة البليدة سيد أحمد نقاز في حديثه لـ"العربي الجديد" الظاهرة بأنها أحد وجوه تحدي القيود الاجتماعية والعادات التي تتميز بها النساء في المجتمع الجزائري".
ويؤكد أن "بعض النساء أصبحن يفكرن في الانتفاضة على هذه القيود من أجل الحصول على حرية أكبر، خصوصاً بعد الانفتاح الذي شهدته الجزائر في السنوات الأخيرة، وتزايد الأدلة على نزعتها إلى تقليد حياة المرأة الغربية التي تسوّقها وسائل الإعلام. وبتأثير وسائل التواصل الاجتماعي والغزو الثقافي الذي فرض نفسه في العائلات الجزائرية، أصبحت المرأة الجزائرية ترفع التحديات في مجالات عدة كي تثبت قدرتها على بلوغ المراتب التي يحتلها الرجل في كل المهن والقطاعات". ويشير الى أن فئة كبيرة من المجتمع الجزائري لا تزال تنظر إلى المرأة التي تقود سيارة أو دراجة نارية، أو تنشط في مجالات خاصة بالرجال، على أنها تمارس نشاطات تضر بصورتها في المخيلات الشعبية العامة، وصولاً إلى حد اعتبار البعض أن هذه الممارسات تشكل خروجاً عن النظام المجتمعي التقليدي.