استمع إلى الملخص
- **تحديات الصيد في ظل العدوان:** يعمل الصيادون في ظروف صعبة باستخدام قوارب يدوية وشباك قديمة، ويضطرون للصيد في مسافات قريبة من الشاطئ لتجنب زوارق الاحتلال، مما يؤدي إلى قلة الصيد وصعوبة بيعه.
- **تأثير العدوان على مهنة الصيد:** تضررت مهنة الصيد بشكل كبير، حيث دمرت قوات الاحتلال معظم القوارب والمعدات، واستشهد أكثر من 150 صياداً، مما يزيد من صعوبة العمل في هذه المهنة.
يتحدى عدد من صيادي قطاع غزة يومياً المخاطر القاتلة في محاولة لممارسة مهنتهم التي لا يعرفون غيرها لتوفير قوت عائلاتهم، وهم يكررون محاولة استغلال أي فرصة متاحة للصيد.
بعد انقطاع عن العمل لعدة أشهر في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نتيجة المجازر التي كانت تتركز على المنطقة الشمالية من القطاع، عاد بعض الصيادين إلى ممارسة مهنتهم في ظل إمكانات محدودة للغاية، ومخاطر جمة يمكن أن تصل إلى الموت، فضلا عن تدمير العشرات من مراكب الصيد.
في المنطقة الشمالية، يخرج الصيادون إلى منطقة الميناء، رغم تدميره بالكامل من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية، وفي المنطقة الجنوبية، يخرجون إلى البحر قبالة منطقة المواصي بعد أن نقلوا مراكبهم التي نجت من القصف في رفح، وفي المنطقتين تكون ممارسة الصيد مخاطرة، ويمارسها الصيادون بكل حذر.
يعمل محمد الصعيدي رفقة عدد من الصيادين بالقرب من شاطئ مواصي رفح على قارب يدوي، وبعضهم نازحون من المنطقة الشمالية أو مدينة غزة، وآخرون ينتمون إلى مدينة خانيونس، وهم يستخدمون بعض الشباك التي تمكنوا من الحفاظ عليها أثناء نزوحهم المتكرر، لكن نظام عملهم خلال العدوان يختلف عن السابق كلياً، إذ كانوا في الماضي يخرجون للصيد في ساعات المساء، ويظلون في البحر حتى ساعات الصباح الأولى لصيد أكبر كمية من الأسماك، حتى يبيعوها في الصباح بمناطق عدة، مثل "حسبة السمك" في ميناء غزة، أو في أسواق مدن القطاع المختلفة.
يبدأ الصعيدي ومجموعته العمل مع شروق الشمس، ويدخلون إلى البحر في محاولة للوصول إلى منطقة يمكنهم الصيد فيها، مع عدم تجاوز مسافة خمسة أميال بحرية حتى لا يتصادموا مع زوارق الاحتلال، والتي تراقبهم طوال الوقت، ويعمدون أثناء دخولهم إلى رفع الشباك حتى لا يستهدفهم جنود الاحتلال، لكن في بعض الأحيان تطلق الزوارق القذائف بالقرب منهم حتى يعودوا إلى قرب الشاطئ، ما يجعلهم في معظم الأحيان يصطادون أسماكاً صغيرة أو متوسطة الحجم.
توقف قطاع الصيد تماماً في غزة بسبب تبعات العدوان الإسرائيلي
يقول الصعيدي لـ"العربي الجديد": "نعمل على قارب صغير منذ تدمير القارب الكبير الذي كان يعمل بالمحرك. هذا موسم صيد الدنيس والجرع والبوري وأنواع أخرى مثل الأسماك الحمراء، لكننا لا نصطاد سوى بعض الأسماك الصغيرة التي تقترب من الشاطئ، ولو استطعنا الوصول إلى مسافة أبعد لكان من الممكن صيد أسماك أكبر، وبكميات وفيرة".
يضيف: "قبل دخول البحر، ننظر إلى المياه بتمعن حتى نفهم طبيعة التيار ونتجنب الأمواج، ثم نبحر بالمركب، ونقسم أفراد الفريق، فهناك من تكون مهمته متابعة زوارق الاحتلال، ورصد أي حركة غير عادية يقومون بها تشير إلى إمكانية إطلاق قذائف نحونا، وهناك شخص مهمته متابعة الشاطئ حتى لا يحصل مكروه لأهالينا الذين يعيشون بالقرب من الشاطئ، وشخصان يدفعان القارب إلى الأمام، أما أنا فأقوم بتجهيز الشباك، وعندما أشاهد بالعين المجردة وجود بعض الأسماك أرمي الشباك، ثم نبدأ بالدعاء أن يكون هناك أسماك وفيرة، لكن في معظم الأيام لا نصطاد إلا القليل، ونقسم ما نصطاده على الجميع، ونبيع الأسماك بأسعار معقولة، إذ لا نستطيع رفع ثمنها كون الناس لا تملك المال، كما أننا مضطرون لبيعها حتى لا تفسد، إذ لا يمكننا تخزين الأسماك، وما نحصل عليه مقابل تلك المخاطر نشتري به الطعام والشراب والدواء لأسرنا في خيام النزوح".
بدوره، يقول الصياد أحمد الحمامي: "في بعض المرات لا نصطاد ما يمكن بيعه، إذ تكون الكميات محدودة للغاية، أو نصطاد أسماكاً صغيرة كنا في العادة لا نصطادها لأنها لا تصلح سوى أن تكون طعاماً للأسماك الأخرى. لكن الناس تشتريها حالياً لعدم وجود بدائل متوفرة، ويلجأ البعض إلى تحويلها إلى ما يشبه كفتة اللحمة كي يتمكنوا من تناولها".
ويوضح الحمامي لـ"العربي الجديد": "استطعنا في السابق تأمين بعض الوقود من إحدى المؤسسات الدولية حتى نقوم بالدخول إلى العمق بمركب الصيد، لكن الاحتلال يمنعنا من ذلك، وقد تكرر قصف المراكب ذات المحركات بهدف شل حركة الصيادين، لذا اضطررت إلى ممارسة الصيد رفقة اثنين من زملائي في المهنة عبر مركب يتحرك بمجداف خشبي، وبالتالي لا يمكننا صيد الكثير من الأسماك، وذات مرة اصطدنا سمكاً وفيراً، وأذكر أنني حينها بكيت فرحاً، لأنها كانت المرة الأولى التي أصطاد فيها أسماكاً كبيرة منذ بداية العدوان".
استشهد أكثر من 150 صياداً كانوا مسجلين في نقابة الصيادين
يتابع: "أثناء العمليات العسكرية، اعتقل الاحتلال الكثير من صيادي مدينة غزة ومناطق شمالي القطاع، وصيادون من مدينة خانيونس، وكان منهم الكثير من أصدقائي، وحالياً غالبية الصيادين عاطلون من العمل، فبعضهم لا يملكون المراكب أو المعدات، أو يخشون الاقتراب من البحر. أواصل العمل حاملاً روحي على كفي لأنني لا أعرف مهنة أخرى، ولا يمكنني الاعتماد على المساعدات الإنسانية، فالطريقة التي يوزعونها بها مذلة جداً، وهي شحيحة للغاية، ولا يمكنني السماح للجوع بنهش أطفالي". يضيف الحمامي: "لا يمكننا توفير أية وسائل تبريد للأسماك، لذا نقوم ببيعها مباشرة، وفي بداية العدوان كانت الأسعار جيدة، وكان الناس يعرفون كيفية الوصول إلى أماكن البيع، وإن كان بعضهم ينتظرون إلى المساء حتى يبدأ تراجع الأسعار، لكن الأوضاع حالياً مختلفة، فغالبية الناس لا يملكون المال، ولا توجد أسواق لبيع السمك".
وتعتبر مهنة الصيد من أبرز المهن التي تضررت في قطاع غزة، والأضرار متواصلة على مدار عقود، إذ كان الاحتلال يطارد الصيادين منذ احتلاله قطاع غزة في عام 1967، حتى قدوم السلطة الفلسطينية في عام 1994، وعندها بدأ تنظيم المهنة من خلال وزارة الزراعة، لكنهم لم ينعموا إلا بالقليل من سنوات العمل الجيد، فمع اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، بدأ صيادو غزة يتعرضون لمضايقات متكررة، ما دفع إلى تقلص أعدادهم نتيجة الخطر الذي يتعرضون له.
ورصدت نقابة الصيادين الفلسطينيين في غزة، بعض الخسائر التي لحقت بقطاع الصيد، إذ دمرت قوات الاحتلال الكثير من مقدرات الصيادين في ميناء غزة، وفي ميناء شمال القطاع، وامتد الأمر نفسه إلى وسط وجنوبي القطاع.
يقول منسق لجان الصيادين في اتحاد العمل الزراعي، زكريا بكر، إن "قطاع الصيد توقف تقريباً، وما يجري حالياً هو محاولات من الصيادين للبحث عن لقمة العيش في ظل أخطر أوقات الصيد الذي يعرفها قطاعهم. استشهد منذ بداية العدوان الإسرائيلي أكثر من 150 صياداً فلسطينياً ممن كانوا مسجلين في نقابة الصيادين، وهناك عشرات آخرون من الصيادين مفقودون.
عدد الصيادين في قطاع غزة يبلغ نحو 5 آلاف صياد، وهم يعملون عبر العديد من القوارب المتباينة، وكانت غالبيتها تعمل بواسطة المحركات قبل العدوان الإسرائيلي، وهي قرابة 1900 قارب، إلى جانب نحو 900 قارب من دون محرك، وتعتمد على التجديف اليدوي بالمجداف الخشبي، وقد جرى تدمير معظم القوارب ذات المحركات، وتلك التي بدون محرك دمر الاحتلال قرابة نصفها".
كان الصياد سامي كلوب يعيش في مدينة غزة، وكان يتنقل ما بين الشاطئ المقابل للمدينة وشاطئ منطقة السودانية، وفي بعض الأحيان يخرج على مركبه، وفي أحيان أخرى يعمل على مراكب أقاربه. وفي بداية العدوان، كان من أوائل النازحين من مدينة غزة بعد القصف الذي استهدف منطقة الميناء القديم، والذي دمر القارب الصغير الذي كان يمتلكه.
يعد سامي من القلة الذين يتمسكون بمهنة الصيد بينما قرر عدد كبير من أقرانه تغيير مهنتهم والعمل بمهن أخرى، فبعضهم افتتح محل بقالة، أو باتوا يعملون في السوق، لكنه رفض ذلك لأنه ورث المهنة عن جده ووالده، وقد عاد للعمل مع أحد الصيادين في منطقة المواصي، والذي نجا قاربه من القصف الإسرائيلي أثناء العملية العسكرية على مدينة خانيونس.
يقول كلوب لـ"العربي الجديد": "خلال الشهرين الماضيين، تعرضنا مرتين لإطلاق النار من قبل الاحتلال، لذلك أصبحنا نعمل في مسافة قريبة من الشاطئ، وفي بعض الأحيان نصطاد، وفي أحيان أخرى لا نصطاد شيئاً يذكر، ونعود مكسوري الخاطر. في بعض الأيام نضطر إلى تنظيف الأسماك وبيعها للناس مباشرة حتى نحصل على بعض المال لشراء الطعام قبل العودة إلى عائلاتنا. لدي خمسة أبناء، وكان أكبرهم في الجامعة، وأحياناً لا نبيع شيئاً، ونكتفي بأكل الأسماك التي تمكنا من صيدها مع أسرنا".