تفيد وزارة الصحة الأفغانية في إحصائياتها الأحدث، إنّه خلال عام 2020، مات 9800 شخص بسبب تداعيات إصابتهم بالسلّ، كما أنّ هناك أعداداً كبيرة من المصابين الذين لم يجرِ فحصهم، وبالتالي لم يسجلوا رسمياً، لأنّ المعتاد في أفغانستان عدم إجراء الفحص الطبي إلاّ عندما يشعر الشخص بأنّ حالته الصحية متدهورة. تضيف الوزارة أنّه "من بين إجمالي المصابين بمرض السلّ، فإنّ 57 في المائة هم من النساء، و20 في المائة من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة". وتوضح أنّ الأسباب الرئيسية لتفشي المرض في الأقاليم المختلفة هي الفقر وتدني مستوى المعيشة وتدني مستوى وعي المواطنين، وأنّه "في كثير من الأحيان، لا يلتزم المواطن الأفغاني بتعليمات الجهات الصحية المختصة، وبالتالي يتفشى المرض بين أفراد الأسرة بعد إصابة أحدهم به".
يقول اختصاصي أمراض الصدر في مدينة جلال أباد (شرق)، محمد موسى، لـ"العربي الجديد" إنّ "المعضلات الأساسية تتمثل في انتشار الفقر، وعدم توفر نظام غذائي جيد، وبالتالي ينتشر مرض السلّ بسرعة كبيرة بين أفراد الشعب. ومن الضروري أن يتلقى المريض علاجاً لمدة تسعة أشهر من دون انقطاع، لكن، بسبب قلة الوعي، لا يلتزم المرضى بالتعليمات الصحية". ويوضح موسى أنّه "في الفترة الأخيرة، ارتفعت أعداد المصابين بالمرض، وعلى العكس من السائد، فإنّ هذا مؤشر جيد، لأنّه يؤكد أنّ الأفغان باتوا يقبلون على الفحوص الطبية، وتلقي علاج مضاد للسلّ، وكلما يزيد العدد المسجل للمصابين نتفاءل بتلقي أكبر عدد ممكن للعلاج. بدأت الحكومة الأفغانية بدعم من المجتمع الدولي خلال السنوات الأخيرة الاهتمام بالقضية، وفتحت مراكز جديدة لمعالجة المرضى في الأقاليم المختلفة، لكن ليست هناك حتى الآن جهود كبيرة من أجل نشر الوعي لدى المواطنين، أو تدريب الكادر الطبي المختص في معالجة مرضى السلّ".
وتؤكد مسؤولة إدارة الأمراض المعدية في وزارة الصحة، سيما سمر، لـ"العربي الجديد" أنّ الحكومة الأفغانية لديها خطة متكاملة من أجل معالجة مرض السلّ، وإيصال الخدمات الصحية إلى كلّ ربوع أفغانستان، في ضوء ما تملكه من الوسائل، موضحة أنّ الحكومة لا تقصّر في مكافحة هذا المرض، وأمراض معدية أخرى متفشية في البلاد.
بالإضافة إلى الفقر في البلاد، وضعف الوعي لدى المواطنين بشأن الأمراض المعدية عموماً، ومرض السلّ على وجه الخصوص، ما زالت المعضلة الأمنية من أهم العقبات التي تعطل مواجهة الأمراض، وتوفير العلاج لجميع المرضى. يقول الطبيب محمد موسى إنّه "في المناطق النائية، خصوصاً تلك التي تحت سيطرة حركة طالبان، يؤدي الفقر من جهة، والوضع الأمني السيئ من جهة ثانية، إلى عدم توفر فرص علاج مناسبة، وبالتالي يضطر المواطنون إلى تلقي العلاج في المدن التي تقع ضمن سيطرة الحكومة، وهذا لا يكون عادة إلاّ إذا كان المرض في المراحل المتقدمة، مما يتسبب في ارتفاع أعداد الوفيات".
وكان لجائحة كورونا أثر كبير أيضاً في تفشي المرض، لا سيما في العاصمة، لأنّ اهتمام الحكومة والجهات الصحية المعنية تركز على مكافحة الجائحة على حساب الاهتمام بالأمراض المعدية الأخرى. في العاصمة كابول مثلاً، كان مستشفى "أفغان يابان" متخصصاً في علاج مرضى السلّ، لكن بعد انتشار كورونا في أفغانستان، توقف المستشفى عن استقبال مرضى السلّ، وأصبح مخصصاً للمصابين بكورونا.
يقول الطبيب عبد الله حفيظ لـ"العربي الجديد" إنّ "قرار تغيير مهام المستشفى كان صائباً في وقته، لأنّ مكافحة كورونا كانت لها الأولوية، وبالتالي قررت الحكومة أن يكون المستشفى خاصاً بكورونا، ولا يمكن لأيّ مستشفى أن يستقبل في آن واحد مصابين بكورونا ومصابين بمرض السلّ" مشيراً إلى أنّ "هناك مستشفيات أخرى تستقبل مرضى السلّ في العاصمة، وفي المدن الرئيسية الأخرى، ولا نقص في الكادر الطبي، ولا مانع من الوصول إلى المراكز الخاصة بمعالجة السلّ". يضيف حفيظ: "المشكلة الرئيسية تتمثل في تعامل المواطنين مع المرض، والغالبية عادة لا تجري الفحص السنوي كي يُكتشف المرض في المراحل الأولى، بل لا ينتبه الناس إلى ضرورة الفحص إلاّ عندما تظهر عليهم أعراض حادة، وحينها يراجعون المراكز الطبية. وفي معظم الأحيان يتم علاج المريض، لكن في بعض الأحيان ينتهي الأمر بالوفاة، خصوصاً إذا كان من كبار السن". يتابع: "معالجة جميع الأمراض تحتاج إلى عناية المواطنين، لكنّ مرض السلّ يحتاج إلى تركيز أكثر، لأنّه يتطلب مداومة العلاج من جهة، والغذاء السليم من جهة ثانية، وكلاهما يلعبان دوراً كبيراً في معالجة مرض السلّ، والوعي مفقود إلى حدّ كبير بين فقراء الأفغان".
ووقعت وزارة الصحة الأفغانية في مارس/ آذار الماضي، بروتوكول تعاون مشترك مع السفارة الأميركية في كابول، لمعالجة مرضى السلّ في الأقاليم الأفغانية المختلفة. وبموجب البروتوكول، تقدم السفارة الأميركية المساعدات لوزارة الصحة في تدريب الكادر الطبي، كما تقدم الدعم اللوجستي والمالي من أجل معالجة المرضى.
وينجم السلّ عن جرثومة تصيب الرئتين في معظم الأحيان، وهو مرض يمكن شفاؤه، ويمكن الوقاية منه، وينتشر عن طريق الهواء. فعندما يسعل المصابون أو يعطسون، ينفثون جراثيم السلّ في الهواء، وحين يستنشق أحدهم قليلاً من الجراثيم يصاب بالعدوى.