حذّرت خدمات الصحة الوطنية في بريطانيا من التأثيرات السلبية لفجوة حددتها بـ 7 مليارات جنيه إسترليني (8.3 مليارات دولار) في مواردها المالية. وقد تجاوز عدد المرضى على قوائم الانتظار 7 ملايين للمرة الأولى منذ بدء السجلات التي ترصد مثل تلك الحالات، ما يعني أن نحو 12 في المائة من البريطانيين ينتظرون العلاج بإشراف استشاري. كما حطّمت أوقات الانتظار في خدمة الطوارئ الأرقام القياسية، حيث انتظر حوالي 33000 شخص أكثر من 12 ساعة، قبل أن يخضعوا لكشف طبي، بينما يفترض أن يكون الحدّ الأقصى للانتظار 4 ساعات.
وقد تتفاقم الأمور مع تهديد الممرضين والممرضات بتنفيذ إضرابات قد تبدأ قبل نهاية العام الحالي، ما سيؤثر على عدد من المستشفيات في أنحاء المملكة المتحدة.
ويأتي ذلك مع بدء فصل الشتاء الذي يشهد ارتفاع حالات الإنفلونزا، وزيادة الضغط على المستشفيات التي قد تصارع موجة محتملة من وباء كوفيد 19. ووسط هذه المخاوف والضغوط، تلقى موظفو الخدمات الصحية الوطنية وكبار المسؤولين الطبيين في المملكة المتحدة، والمدير الطبي لهيئة الخدمات الصحية الوطنية ورئيس المجلس الطبي العام، رسالة حكومية تفيد بأن "ضغوط الشتاء لهذا العام ستكون كبيرة، وربما طويلة الأمد، ويمكن أن تتفاقم بسبب مرض موظفين أو غيابهم لأسباب أخرى".
واللافت أنّ الرسالة منحت الأطباء والممرضات إذناً رسمياً بتقليص القواعد المعمول بها لرعاية الناس، إذا لزم الأمر، للاستمرار في توفير الخدمة الصحية، كما طمأنتهم إلى أنّه في حال تلقي شكاوى ناتجة عن الابتعاد عن القواعد المعمول بها، سيُنظر إليها في سياق الحاجة أحياناً إلى تكييف الممارسة في أوقات الضغط المتزايد، ما يعني أنهم قد لا يواجهون إجراءات تأديبية في حال ارتكبوا أخطاءً.
وفيما أكّدت الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا أن هذه الرسائل توجه سنوياً إلى موظفي الخدمات الصحية الوطنية مع اقتراب فصل الشتاء، قال وزير الصحة ستيف باركلي لمسؤولي هذا الجهاز في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بأن الخدمات الصحية تحتاج إلى دعم مالي لمواجهة الضغوط المرتبطة بالتضخم. وأكد تقديم 500 مليون جنيه إسترليني (593 مليون دولار) إلى مجالس الرعاية التابعة لخدمات الصحة الوطنية والسلطات المحلية لمعالجة أزمة الأسرّة في المستشفيات.
ولفت إلى أنّ عُشر هذه الأسرّة يشغلها أشخاص مستعدون للخروج، لكنهم يبقون بسبب نقص طاقم الرعاية الاجتماعية التي يحتاجونها خارج المستشفيات.
وعلّق باركلي قائلاً: "نواجه تهديدين من فيروسي كوفيد والإنفلونزا، وضغوط خارجية ضخمة تتعلق بالطاقة وتكلفة المعيشة، لكن سيتوفر مزيد من الموظفين العاملين في الخدمات الصحية الوطنية وخدمة الطوارئ، وستركز وزارة الصحة على ما يمكن تقديمه من تدابير عملية أخرى، وستتمتع منظمات خدمات الصحة الوطنية المحلية بصلاحية اتخاذ القرارات، مثل اختيار وقف الإنفاق ذي الأولوية المنخفضة تمهيداً لمنح أولوية للرعاية الأكثر أهمية للمرضى".
بدوره، وعد وزير الخزانة جيريمي هانت بزيادة ميزانية الخدمات الصحية الوطنية بمقدار 3.3 مليارات جنيه إسترليني (3.9 مليارات دولار) في العامين المقبلين.
وقد تحدّثت "العربي الجديد" مع عدد من المواطنين البريطانيين للاطلاع على آرائهم وتوقعاتهم بشأن تحسين أوضاع خدمات الصحة الوطنية في البلاد، ورأى عدد منهم أنّ الدعم المادي لن يحلّ المشكلة حتى لو تضاعف المبلغ، لأنّ الحل يجب أن يشمل تبديل المسؤولين الذين لا فائدة منهم، أو إعادة هيكلة النظام كله لتجنب هدر المال.
وأمل آخرون في أن تنفق الأموال الإضافية على المهنيين الطبيين في الخطوط الأمامية، وألا تهدر على مزيد من الموظفين الإداريين، في حين أشار البعض إلى أنّ أزمة خدمات الصحة الوطنية ترتبط بالنقص المزمن في عدد الممرضات والأطباء والمجموعات المهنية الأخرى، والذي نتج عن رفض الحكومة وضع خطة متماسكة للقوة العاملة في خدمات الصحة الوطنية، وأيضاً من الحالة المروعة التي تعاني منها دور الرعاية الاجتماعية، ما يجعل الناس عالقين في المستشفى بسبب نقص الدعم لهم.
من جهتها، قالت روبرتا التي عرّفت نفسها باسمها الأول فقط، إنّ "القطاع الطبي في البلاد يحتاج إلى خصخصة لا أكثر، ما سيجعل كل شخص يحصل على الخدمة التي يستطيع دفع تكاليفها، فهذا العصر لا تناسبه مفاهيم الاشتراكية، لذا يجب أن يحصل كل فرد على تأمين صحي خاص قد يقدمه صاحب العمل، أو من خلال توفير الشخص المعني نفسه بعض المال لحالات المرض".
ومعلوم أنّ خدمات الصحة الوطنية في البلاد تعاني من أزمة منذ سنوات حتى قبل ظهور جائحة كورونا. وحاولت الحكومة تقليص النفقات والضغوط على هذه الخدمة من خلال إلغاء، في إجراء اتخذته عام 2018، مجموعة عمليات كانت تكلف 439 مليون جنيه إسترليني (520 مليون دولار) سنوياً، بينها التوقف عن تمويل عمليات تصغير الثدي، واستئصال اللوزتين، وجراحة الدوالي.
وفي عام 2020، أضيف إليها 31 عملية أخرى، والتي سيتبعها 13 عملية في وقت قريب، بينها شد البطن، وشفط الدهون، والغلوكوما، والغدة الدرقية.
ويبرّر البروفيسور ستيفن بويس، المدير الطبي الوطني لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، إلغاء هذه العمليات من خدمات الصحة الوطنية بالقول: "تلتزم الخدمات الصحية الوطنية بضمان حصول المرضى على أكثر العلاجات فعالية وبأسعار معقولة بالنسبة إلى دافعي الضرائب، لذا نقيّم ونغيّر في شكل روتيني الخدمات للتأكد من أنها فعّالة قدر الإمكان".
ويضيف: "تتخذ الخدمات الصحية الوطنية إجراءات صارمة ضد الأدوية والتدخلات ذات القيمة المنخفضة للمرضى التي تأخذ الأموال من الخزينة العامة، وبينها الوصفات الطبية للعلاجات العشبية أو المكملات الغذائية التي كلّفت دافعي الضرائب الملايين تاريخياً، وستواصل البناء على هذا التقدم خلال الأشهر المقبلة".