يترقّب طلاب جنوب لبنان التطورات العسكرية على الحدود مع فلسطين المحتلة، ولا سيّما أنّ تصعيد الاحتلال الإسرائيلي يأخذ طابعاً توسّعياً ليطاول قرى وبلدات كانت تُصنّف بـ"الآمنة"، ولجأت إليها عائلات نازحة، والتحق بعض الطلاب بمدارسها.
واضطر كثير من الطلاب إلى مسارات بديلة لعدم خسارة عامهم الدراسي، من بينها التعلّم عن بُعد ضمن مدارسهم الأصلية، أو التسجيل في مدارس أخرى بالمناطق التي نزحت إليها عائلاتهم، أو الالتحاق بمراكز خُصّصت لحالات الطوارئ في الجنوب، علماً أن بعض الطلاب حُرموا التعليم في ظل إمكانات وزارة التربية المحدودة، وعدم وجود إحصاء دقيق لأعداد الطلاب المتضررين.
ودفعت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على بلدات حدودية في لبنان، وأبرزها التي ارتُكبت في بلدة النبطية يوم الأربعاء الماضي، إلى إقفال المصالح والدوائر العامة والمدارس والجامعات حرصاً على السلامة العامة للطلاب والكوادر التعليمية، ما أعاد القلق إلى نفوس الطلاب، وحتّم على وزارة التربية إعادة تقييم الأوضاع على وقع تهديد الاحتلال بتوسيع ضرباته على الأراضي اللبنانية، وتسجيل حركة نزوح جديدة من قرى كانت خلال الفترة الماضية بمنأى عن القصف.
وقال مصدرٌ في وزارة التربية لـ"العربي الجديد": "نراقب الوضع يومياً، ونتابع التغييرات التي تحدث، والتطورات العسكرية، ونبذل كل الجهود لمواجهة أي طارئ كما فعلنا منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول"، مشيراً إلى أنّ "الوزارة سبق أن وضعت خطة طوارئ لمواكبة أوضاع تلاميذ الجنوب المسجلين بالمدارس الواقعة في بلدات متاخمة للحدود ضمن نطاق الاشتباكات، وأُلحِق العديد منهم بمدارس حكومية في مدن بعيدة عن الخطر، مع تأمين كل مستلزمات التعليم، وجرى ذلك بمساعدة جهات دولية، على رأسها منظمة يونيسف".
وأضاف المصدر الرسمي: "هناك أهالٍ نزحوا إلى مناطق أخرى، وفضّلوا تسجيل أولادهم بمدارسها، وهناك من يتابع تعليمه عن بُعد، وجرى توفير المساعدة للذين يحتاجون إلى أجهزة كومبيوتر أو إنترنت، لكن هناك أيضاً أعداد لم تتمكن من متابعة التعليم، سواء لظروف خاصة، أو لعدم استقرارها في مكان واحد، ووزارة التربية إمكاناتها محدودة، لكنها تبذل الجهد للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الطلاب، ونأمل عدم تفاقم الأوضاع الأمنية كي لا تزيد الأمور صعوبة، مع تكثيف دعوة الجهات المانحة إلى مساعدة القطاع التعليمي من أجل الاستجابة لحالة الطوارئ القائمة".
بدوره، يقول رئيس دائرة التعليم الابتدائي الرسمي، هادي زلزلي، لـ"العربي الجديد"، إنّه "أُغلِقَت 44 مدرسة حكومية منذ الثامن من أكتوبر، لكن الوضع لا يزال متحرّكاً، وهناك مدارس تفتح أبوابها أحياناً، وتقفل في أحيان أخرى تبعاً للتطورات الميدانية والتصعيد الحاصل، وعدد الطلاب المسجّلين في المدارس المغلقة يصل إلى 6800 طالب وطالبة، وهناك من التحقوا مؤقتاً بمدارس موجودة ضمن النطاق الجغرافي الذي نزحوا إليه مع أهاليهم، ثم غادروا مجدداً، والتحقوا بمدارس أخرى فتحت أبوابها لهم، وهناك من يتابع التعليم أون لاين، وقد قدّمت منظمة يونيسف المساعدات والمواد اللازمة لدعم استمرارية تعليمهم، وهناك من انتقل إلى المراكز العشرة التي جُهّزت في المناطق الآمنة ضمن خطة وزارة التربية للطوارئ، ووفّرنا المواد الأساسية للتعلّم الفعّال لهم".
يتابع زلزلي: "هناك بعض الطلاب الذين وجدوا صعوبة في إيجاد مدارس قريبة منهم للالتحاق بها، ولم يتوافر لهم الإنترنت أو التيار الكهربائي والأجهزة الإلكترونية للتعلم أون لاين، لكن معظم التلاميذ جرت تغطيتهم بالفعل"، لافتاً إلى أن "موضوع الامتحانات الرسمية لم يُبحث بعد، والترقب يظل سيّد الموقف".
من جهته، يقول الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان، الأب يوسف نصر، لـ"العربي الجديد": "نترقب التطورات الميدانية، ونراقب الأحداث، وما إذا كان تمدّد القصف ظرفياً أو سيطاول مناطق غير حدودية، ونحرص بالدرجة الأولى على سلامة الأهالي والطلاب والكادر التعليمي، وكذلك العام الدراسي، ونتمنّى ألّا تطول الأزمة لنستعيد التعليم الحضوري بشكل كامل. عدد المدارس الكاثوليكية التي تأثرت يبلغ 12 مدرسة، من بينها مدرسة في بنت جبيل، تفتح وتقفل حسب وتيرة التصعيد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مدرسة في مرجعيون، لكن بقية المدارس أقفلت تماماً".
يضيف الأب نصر: "جرت متابعة أوضاع الطلاب منذ بداية الأحداث، وعدد كبير منهم يتابع دروسه عن بُعد، وهناك من التحق بمدارس أخرى آمنة في الجنوب، لكن بسبب طول فترة المعارك، فضّل بعض الأهالي اختيار مدارس بعيدة عن القصف، وتسجيل أولادهم فيها لمتابعة تعليمهم حضورياً".
في سياقٍ متصل، تواصلت "العربي الجديد" مع مكتب "يونيسف" في بيروت، فأكد لنا في بيان مكتوب، أن "نحو 5000 طفل يتابعون حالياً تعليمهم عن بُعد في مدارسهم الأصلية، ونحو 1700 طفل أُلحقوا بالمدارس الرسمية المجاورة لأماكن نزوحهم، وسيصل هذا العدد إلى 3200 طفل خلال الأسابيع المقبلة. يحاول المكتب الإقليمي لمنظمة يونيسف بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي ومكتب إدارة مخاطر الكوارث، الوصول إلى جميع الأطفال، وتوفير خدمات التعليم لهم".
وأشار البيان إلى أنه "بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي، وبفضل دعم يونيسف، يواصل 184 طفلاً تراوح أعمارهم بين 3 و14 سنة، ويعيشون في مراكز اللجوء الخمسة في صور، تعليمهم، كذلك بدأ الطلاب النازحون المتأثرون بالنزاع، والذين أُعيد تسجيلهم في التعليم الرسمي، تلقي مساعدة نقدية شهرية، ما يسمح للعائلات بإعادة تسجيل أطفالهم في المدارس الجديدة، وتغطية تكاليف النقل، ومساعدتهم على عدم اللجوء إلى استراتيجيات التكيف السلبية بسبب النزوح، ومن المتوقع أن يصل هذا الدعم إلى 3200 تلميذ خلال الأسابيع المقبلة".
وإضافة إلى ذلك، تلقى جميع الطلاب النازحين الأدوات المدرسية من منظمة يونيسف، التي تتضمن الحقيبة المدرسية والقرطاسية والكتب لدعم استمرارية تعلمهم، وضمان بقائهم في التعليم، كذلك تقدّم المنظمة برامج تشمل الدعم النفسي الاجتماعي، وتنمية الطفولة المبكرة، وبرامج الشباب، والأنشطة الترفيهية لأكثر من 1523 طفلاً نازحاً في 15 مركزاً مجتمعياً. وعبّرت "يونيسف" عن قلقها تجاه الأوضاع الحالية، وأثرها على الأطفال وعائلاتهم، مؤكدة أنه "خلال الأزمات والنزاعات، يكون الأطفال هم من يدفعون أغلى الأثمان".
وتابعت المنظمة الأممية، قائلةً إن "الأعمال العدائية المستمرة على الحدود الجنوبية للبنان أثرت مباشرةً في أكثر من 86 ألف شخص، من بينهم أكثر من 32 ألف طفل، وشمل التأثير جوانب حياتهم كافة، مع آثار شديدة على صحتهم الجسدية والنفسية، إذ أبلغ الأطفال ومقدّمو الرعاية يونيسف عن شعورهم بالصدمة أو اليأس، وعن الخوف من مستقبل غامض ينتظرهم، وهم يتساءلون عما إذا كانوا سيعودون إلى ديارهم التي غادروها يوماً ما، علماً أن بعض الأسر فقدت منازلها، ما زاد من صعوبة محنتها".