بنعش فارغ ملفوف بعلم فلسطين انتهت مسيرة سمتها مؤسسات الأسرى والفصائل الفلسطينية بمسيرة "الخلود" قرب حاجز قلنديا العسكري الإسرائيلي المقام شمال القدس المحتلة، وانتهت ظهر اليوم الثلاثاء بإصابة أحد عشر فلسطينياً، بينهم شاب برصاص حي متفجر بالرجل، وآخر بحروق، والباقون بالاختناق بالغاز، حسب جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
قطعت قوات الاحتلال الرسالة التي أرادتها والدة الشهيد الأسير ناصر أبو حميد، بحمل نعش فارغ نحو الحاجز العسكري، للمطالبة باسترداد جثمان ابنها الذي استشهد الثلاثاء الماضي 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري؛ في سجون الاحتلال، نتيجة الإهمال الطبي بعد إصابته بالسرطان، وقررت سلطات الاحتلال إبقاء جثمانه محتجزاً إلى جانب 10 أسرى آخرين استشهدوا في السجون، ليكون واحداً من 117 شهيداً يحتجز الاحتلال جثامينهم منذ عام 2015، يضاف إليهم 256 شهيداً دفنهم الاحتلال في مقابر الأرقام قبل ذلك.
والدة الشهيد ناصر أبو حميد: أريد ابني وكل جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال
يوم السبت الماضي، أطلقت الحاجة لطيفة أبو حميد (أم يوسف)، والدة ناصر قائد كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح خلال انتفاضة الأقصى؛ نداء عبر فيديو مسجل، تؤكد فيه نيتها التوجه مع أبنائها وأحفادها إلى حاجز قلنديا بنعش فارغ، لتطالب بجثمان ابنها لتدفنه بجوار شقيقه الشهيد عبد المنعم، مطالبة أهالي الشهداء كل في موقعه التوجه إلى حواجز الاحتلال.
117 شهيداً يحتجز الاحتلال جثامينهم منذ عام 2015، يضاف إليهم 256 شهيداً دفنهم الاحتلال في مقابر الأرقام
قبيل ظهر اليوم، توجه العشرات إلى مدخل مخيم الأمعري جنوب مدينة البيرة، حيث أعلنت أم ناصر مكان بدء تحركها، وانطلقت المسيرة، لكن من حمل النعش هم الشبان الذين أتوا لتلبية نداء الحاجة أم يوسف، وليسيروا به أكثر من أربعة كيلومترات.
قطع جنود الاحتلال طريق المتظاهرين بوابل كثيف من قنابل الغاز السام المسيل للدموع، واضطر العديد للتراجع بسبب الاختناق، وأصر عدد من المشاركين على الوصول إلى أقرب نقطة، فوصلوا فعلاً إلى القرب من البرج العسكري عند بداية الحاجز، وإن كان عددهم قليلاً، فأعاد الاحتلال إطلاق القنابل تجاههم.
تحول المشهد إلى مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال، استخدم فيها الأخير الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط والغاز السام المسيل للدموع، واستخدم فيها الشبان الحجارة، وعدد بسيط منهم امتلك الزجاجات الفارغة والحارقة.
ويرى رئيس نادي الأسير قدورة فارس في حديثه مع "العربي الجديد" أن مثل دعوة عائلة أبو حميد وحراكها قد يشكل فارقاً، وبرأيه فإن العائلات التي استهدفها الاحتلال وبما لها من حضور في وعي الشعب الفلسطيني واحترام تحقق الدعوات منها نتائج أفضل والتفافاً جماهيرياً أوسع.
ويتابع فارس: "يجب رؤية هذه المسيرة ضمن رؤية محاولات دؤوبة لتطوير العمل بكل ما يتعلق باحتجاز الجثامين واتخاذ الشهداء والأسرى رهائن، لدينا رغبة ونية في أن يتطور ذلك بما يحول الفعل الشعبي إلى أداة ضغط وليس فقط مجرد تعبير عن رأي أو مطلب أو رغبة".
في ظل الاستجابة في أكثر من محافظة فلسطينية بفعاليات موازية؛ يطالب فارس الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية بالانتباه لهذا الملف، وإيلائه اهتماماً خاصاً، بما يحول الجهود فيه إلى ضاغط على الاحتلال، ويرى أن الاحتلال لن يغير من سياسته بدون ضغط، بل سيوسع منها، قائلاً: "نريد استخدام كل الوسائل الممكنة؛ من أجل رفع وتيرة العمل الفلسطيني تجاه قضية الشهداء المحتجزة جثامينهم، ودائماً نتحدث عن أهمية أن يكون هناك دور للعائلات نفسها".
وقالت والدة ناصر أبو حميد لـ"العربي الجديد" قبل أن تنطلق المسيرة: "أريد ابني وكل جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال، نريد أن نكرمهم وندفنهم في أرض فلسطين، لأنهم ضحوا وناضلوا من أجلها".
الحاجة أبو حميد كررت ما كانت تقوله قبل استشهاد نجلها؛ "لن أسامح أحداً، فمنذ عام ابني كان يعاني، ولم يستطع أحد أن يفعل شيئاً، إلى متى سنظل صامتين، لا يجب أن نقوم بمسيرة ليوم أو اثنين ثم نعود للصمت".
أما ناجي شقيق الشهيد ناصر فيقول لـ"العربي الجديد" إنه يجب أن تأخذ قضية الجثامين منحى آخر ضاغطاً على الاحتلال لتحريرها، وهو يرى أن هذه القضية يجب أن تكون نواة لحراك حقيقي لإطلاق سراح كل الأسرى، مؤكداً أن الشهداء أبناء الوطن وليسوا ملكاً لعائلاتهم، في إشارة إلى ضرورة تحرك الجميع.
حراك عائلة أبو حميد بدأ منذ اليوم الأول برفض فتح بيت عزاء لناصر، وعدم قبول العزاء باستشهاده، وثم الإعلان عن نيتها التوجه إلى حاجز قلنديا بنعش فارغ؛ وما أدى إليه هذا الإعلان من تفاعل ودعوة من القوى والفصائل الفلسطينية ومؤسسات الأسرى للانخراط في حراك العائلة.
كل ذلك يضاف لحراك عائلات الشهداء الذين شاركوا أم ناصر مسيرة اليوم؛ حراك انطلق بحملات عبرت عنهم، لا سيما حملة "بدنا ولادنا" لاستعادة جثامين الشهداء خلال الفترة الماضية، وقبل ذلك بسنوات الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين.
ولعوائل الشهداء كما يرى الفلسطينيون قدرة خاصة على قيادة الحالة الفلسطينية، المناضلة، بما قدموه من نماذج صبر وتحدٍ، وقبل ذلك ما شكله أبناؤهم الشهداء، فناصر أبو حميد مثلاً ناضل خلال انتفاضة الحجارة عام 1987، وكان أحد مؤسسي ما تعرف بمجموعات الأسد المقنع، وقاوم في انتفاضة الأقصى عام 2000، حيث كان أحد قادة ومؤسسي كتائب شهداء الأقصى الذراع المسلح لحركة فتح، واستشهد بعد أن رفض فكرة تقديم استرحام لرئيس دولة الاحتلال للإفراج عنه لأسباب صحية؛ إثر استفحال السرطان بجسده.