يعمل السبعيني عبدو دهنين في مهنة كي الملابس منذ ستين عاماً، منها خمسون قضاها في المحل نفسه الواقع في زقاق الحمام في مدينة إدلب الواقعة ضمن مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية.
رغم مرور عقود من الزمن على محل دهنين، ما زال على وضعه منذ تأسيسه ولم يغير فيه أي شيء من الأثاث أو الأدوات المستخدمة في عمله، بل ما زال حتى يومنا هذا يستخدم المكواة الحديدية التي تسخن على الفحم أو البابور.
يقول عبدو دهنين، لـ"العربي الجديد": "أعمل منذ خمسين عاماً بالروتين اليومي نفسه؛ أفتح محلي في الساعة الثامنة صباحاً حتى مغيب الشمس، ولأنّ المحل غير مجهز بالتيار الكهربائي، فإنّ هذه المكواة شريكة حياتي التي لا أستطيع التخلي عنها رغم صعوبة العمل فيها مقارنة بالمكاوي الحديثة على البخار. وفي كل الأحوال، يحبني كثير من الزبائن ويحبون عملي، ومنهم من اعتاد كي ملابسه حصراً عندي منذ عشرات السنوات".
معظم أفراد عائلة دهنين في مدينة إدلب يعملون في مهنة الحلاقة الرجالية أو مهنة كي الملابس، لكنّ عبدو وحده من بينهم من بقي يعمل بالمعدات نفسها والروتين نفسه بسبب غلاء المعدات الحديثة. كما أنّ الرجل ناجح في عمله وجميع سكان المدينة يعرفون جودة عمله رغم أجره الرمزي البسيط.
يعيش دهنين حياة البساطة، ولا يهتم كثيراً بالسياسة وأخبارها ولا يملك هاتفاً محمولاً أيضاً، كأنّه رجل في غير عصرنا، فما زال حتى اليوم أشخاص مقربون من عبدو يحملون إليه سلامات من أقاربه ومعارفه لأنّه لا يتواصل مع أحد. عبدو ليس شخصاً انطوائياً، بل يهتم كثيراً بأخبار جيرانه في الحي أو أقاربه الذين يزورونه في محله، ولديه دائماً ضيوف خلال النهار، بخاصة أنّ الكثير من أقاربه لديهم محلات تجارية في السوق نفسها.
عموماً، لا تزال العديد من المهن القديمة في محافظة إدلب صامدة، ومنها صناعة مكانس القش، والنول، والحدادة العربية، كما أنّ عدداً ملحوظاً من سكان المنطقة يفضلون اللجوء إلى أصحاب المهن القديمة بسبب التقاليد والحفاظ على الإرث التاريخي للمنطقة، أو ربما الثقة بجودة عملهم واعتيادهم على أصحاب هذه المهن، مثل عبدو المكوجي.