تعمل عربات النقل البدائية التي تجرها الحيوانات في قطاع غزة منذ سنوات لعدم تطوير وسائل النقل بسبب الحصار الإسرائيلي ومنع استيراد السيارات والحافلات إلى قطاع غزة طوال 17 عاماً.
وأثبتت هذه العربات أهميتها بين التجار والفلاحين، وهي تتواجد في أنحاء قطاع غزة، لكنها تكثر خصوصاً في مدينتي رفح وخانيونس، وفي بعض مناطق وسط القطاع، وباتت خلال أيام العدوان وسيلة التنقل الرئيسية، كما تشارك في نقل المصابين في ظل نقص مركبات الإسعاف والمنقذين، خصوصاً عند حدوث مجازر تستلزم نقل عشرات المصابين والشهداء إلى المستشفيات.
اعتاد زياد بركة (42 سنة) نقل الخضروات بشكلٍ يومي إلى أسواق جباليا وبيت لاهيا، عبر عربته التي يجرها حمار، وكان في بداية العدوان يركز عمله على نقل المياه والنازحين من شمال القطاع إلى وسط مدينة غزة، ونقل الناس بين المناطق، وخلال مجزرة مخيم جباليا الأولى، كان ينقل الجرحى إلى المستشفى الإندونيسي، وساعد بنقل عدد من الشهداء.
استشهد عدد من أفراد أسرة بركة خلال العدوان على مخيم جباليا ومخيم الشاطئ وبلدة بيت حانون، ما دفعه إلى النزوح رفقة 7 من أفراد أسرته إلى مدينة خانيونس، وهو يعمل حالياً على نقل الناس بين مناطق المدينة، إضافة إلى نقل العائلات من مناطق وسط قطاع غزة إلى الجنوب.
يقول بركة لـ"العربي الجديد": "أملك عربة نقل يجرها حمار منذ 22 عاماً، ومنذ بداية العدوان أنقل الناس بمبالغ رمزية لأن العمل في نقل البضائع انقطع، وأنا أريد أن أطعم أطفالي، وفي بعض الأحيان يطلب مني الناس نقلهم مقابل الماء أو يعطوني خبزاً أو معلبات أغذية. أوافق من دون تردد لأن الحصول على الماء والطعام صعب للغاية في هذه الأوقات".
وتوقفت المواصلات العامة بنسبة 80 في المائة في محافظات قطاع غزة، حيث إن عربات الأربعة ركاب هي الأكثر شيوعاً، ويعمل غالبيتها حاليا في مناطق جنوبي القطاع، وبعض السيارات باتت تقوم بنقل 8 أفراد بدلا من أربعة، ويكون سائقو السيارات حذرون خشية تعرّضهم للاستهداف الإسرائيلي.
داخل مخيم خانيونس، يعمل زكريا أبو ستة (50 سنة) على عربته منذ شروق الشمس حتى الغروب، ويحصل على أجر رمزي من الركاب لتأمين طعام نحو 60 فردا من أبنائه وأبناء أشقائه وشقيقاته الذين نزحوا من مناطق شرقي مدينة خانيونس إلى منزله في منطقة نهر البارد، وهي من أكثر المناطق فقراً في قطاع غزة.
يقول أبو ستة لـ"العربي الجديد": "الناس يريدون الوصول إلى المخابز، أو نقل المياه، أو الذهاب إلى السوق، وبعضهم يكرر الذهاب إلى المستشفيات للاطمئنان على أقاربهم، وآخرون نازحون من مناطق تعرضت للقصف، أو دمرت منازلهم إلى مناطق أخرى، من بينها المدارس، حتى أن البعض أصبحوا يحضرون إلى منزلي لحجز موعد لنقلهم إلى مكان ما أو منطقة ما. نقلت الكثير من المصابين طوعاً لأن الإسعاف والدفاع المدني يحتاج إلى وقت طويل قبل الوصول إلى مناطق القصف، وفي اليوم الذي انقطعت فيه الاتصالات عبر الهواتف والإنترنت، نقلت رجالاً من الدفاع المدني إلى مناطق القصف رفقة مصابين".
ويعاني أبو ستة وغيره من أصحاب العربات للحصول على علف للحمير والخيول التي تجُر عرباتهم، في ظل توقف معظم محال بيع الأعلاف عن العمل بسبب القصف الإسرائيلي، أو بسبب عدم توفر الأعلاف مع استمرار إغلاق المعابر، وغالبيتهم يسعون لتأمين الطعام للحيوانات من المحال القليلة التي لاتزال تمتلك كميات من الأعلاف، وبعضهم قاموا بخلط أنواع مختلفة من الأعلاف حتى يؤمّنوا لدوابهم كمية أكبر منها.
من جهته، يكرر عبد المنعم النعسان (37 سنة) جولات جمع الأعشاب حتى يؤمّن العلف اليومي لحصانه، ويؤكد أنه أصبح يسأل جميع الناس الذين ينقلهم إن كانت لديهم أية أنواع من النباتات في منازلهم أو أراضيهم، حتى أنه في بعض الأيام يوافق على نقل التجار أو البضائع إلى الأسواق مقابل تأمين علف للحصان.
يقول النعسان لـ"العربي الجديد": "يسير الناس على أقدامهم مسافات طويلة في الوقت الحالي، والبعض غير قادرين على المشي، ما يضطرهم إلى البحث عن وسيلة تنقّل، والكثير من العائلات تطلب مني نقلها إلى مجمع ناصر الطبي حتى تطمئن على مصابين من ذويهم، أو إلى مستشفى أبو يوسف النجار الذي يبعد كثيراً عن خانيونس. أحيانا تحمل عربتي 20 فرداً في وقت واحد، وأطلب منهم حمل الأطفال حتى يتسع المكان، وأنقل البعض بالمجان لأنهم لا يملكون المال أو أي شيء يعطوني إياه مقابل النقل. أنا فقير مثلهم، وأعاني نفس معاناتهم، لذا لا أضغط كثيرا في مسألة الدفع".