قتِل 3 أشخاص في أحدث واقعة إطلاق نار شهدتها ضواحي العاصمة السويدية استوكهولم، ما شكّل مؤشراً جديداً على ارتفاع الحصيلة الثقيلة لقتلى الهجمات المسلحة منذ بداية العام الحالي، وزاد الشكوك بشأن قدرة الحكومة على تنفيذ الوعود التي أطلقتها في نهاية العام الماضي بمواجهة "حرب العصابات" بصرامة تمهيداً لتغيير واقع المجتمع السويدي الذي انتقل قبل أعوام من تصنيفه باعتباره الأكثر سلماً وأماناً، إلى الأسوأ في أوروبا على صعيد العنف.
والخميس الماضي، قال وزير العدل السويدي، غونار سترومر، إن "نحو 30 ألف شخص في البلاد أعضاء في شبكات إجرامية"، واصفاً العدد بأنه "صادم"، وتعهد بإصدار تشريع جديد لمكافحة الجريمة المنظمة. وأضاف: "تصاعد العنف الدامي باستخدام الأسلحة النارية بشكل كبير، ما يجعل السويد في وضع خطير للغاية"، وأن تحقيقاً رسمياً من المقرر أن يبدأ في وقت لاحق من العام، سيبحث سبل إدانة المزيد من المجرمين.
وتحولت العصابات الإجرامية إلى مشكلة تؤرق السويد التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، وتشهد أكبر ثلاث مدن، وهي ستوكهولم وغوتيبورغ ومالمو، معظم أعمال العنف، وشهدت العاصمة استكهولم وحدها أكثر من 53 عملية إطلاق نار أو طعن بسكاكين منذ مطلع هذا العام، إضافة إلى 25 تفجيراً، وشهدت البلاد منذ مطلع العام الحالي أكثر من 154 عملية تبادل إطلاق نار راح ضحيتها أكثر من 33 شخصاً.
وفيما تأخذ دورة العنف منحى خطراً، تتخوف دول مجاورة من "النموذج السويدي" الخطر على مجتمعاتها، وفي مقدمتها الدنمارك القلقة من المستوى العالي للعنف في مدن جنوب السويد المحاذية لحدودها.
وتؤثر أعمال العنف المتواصلة في أجواء الشارع السويدي واتجاهاته، إذ يستغلها حزب ديمقراطيو السويد اليميني القومي المتشدد وصحف شعبية، لانتقاد سياسات الحكومات المتعاقبة في التعامل مع قضايا الهجرة واللجوء والدمج، خصوصاً أن بعض أعنف شبكات العصابات تضم مجموعات من أصول مهاجرة، وتعمل في ضواحٍ أغلب سكانها من أصول غير سويدية، كما الحال في مناطق ضواحي العاصمة ومدن في الجنوب والجنوب الشرقي.
ويجعل تمدد عمليات الجريمة المنظمة على الأراضي السويدية المجتمع على تماس مع العنف الذي يؤججه استمرار تهريب الأسلحة والمخدرات. وشهد العام الماضي متوسط عمليتي قتل شهرياً، وحصيلة أكثر من 65 ضحية بتبادل إطلاق نار لم ترتبط جميعها بعلاقات مع العصابات التي تتبادل النار، في شكل يوحي كأنها تسيطر على الشوارع، علماً بأن شهود عيان وصفوا الحوادث الأخيرة في مناطق سولنا وهانينغه وفارستا، بأنها "حوّلت الشوارع إلى حقول رماية". ويوحي تكرر حوادث إطلاق النار منذ بداية العام الحالي بأن أفراد العصابات يتبادلون عمليات الانتقام التي قد تستهدف أيضاً شققاً لخصومهم، ضمن تجمعات سكنية، تعيش لحظات رعب أثناء سماع أصوات الرصاص.
وفي أغسطس/ آب الماضي، شهد ملعب للأطفال داخل مجمع سكني أفظع عمليات إطلاق النار في السويد، وأبدى كثيرون غضبهم من تفاصيل الهجوم الذي شهد حماية أم طفلتها البالغة أربع سنوات بجسدها من العيارات النارية، وجرح امرأة أخرى وطفل في الخامسة، ما دفع الحكومة إلى إطلاق وعود بالضرب بيد من حديد على يد العصابات.
ويضع مجموع عمليات إطلاق النار التي ارتفعت عن العام الماضي، السويد في مقدمة دول شمال أوروبا على صعيد انتشار القتل، وهو يفوق بستة أضعاف عدد جرائم القتل التي ارتكبت في كل من فنلندا والدنمارك والنرويج خلال الأعوام الـ46 الماضية. وتنقل صحف سويدية عن مسؤول التحقيقات في الشرطة، كريستوفر بوهمان، أنه "يشعر بالرعب من توسع العنف، في وقت تحتل مناطق في ضواحي إسكيلستونا المرتبة الثانية بعد استوكهولم في عدد تبادل إطلاق النار. ويعترف رئيس الشرطة السابق في منطقة يارفا، كريستوفر بومان، بأن معظم أعمال العنف بالأسلحة وعمليات الطعن والحرائق والتفجير والخطف والابتزاز، تعود إلى تنافس عصابات في مناطق جنوبي السويد وضواحي استوكهولم.
بدوره، يؤكد صاحب متجر من أصل عربي، في إحدى ضواحي جنوبي العاصمة استوكهولم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المشكلة لا تتعلق فقط بسموم المخدرات التي تتقاتل العصابات على أرباحها وأسواقها، إذ تفرض إتاوات شهرية على أشخاص يملكون مصالح، ويجري ابتزازهم في أساليب تشبه تلك للمافيا. ويخشى أصحاب محلات ومطاعم وحتى صالونات حلاقة وغيرها من التعرض لتهديد وابتزاز، بحجة توفير حماية ليست موجودة على أرض الواقع".
على صعيد آخر، يؤكد ناشط سياسي واجتماعي في ضاحية استوكهولم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المشكلة تتفاقم في شكل خطير نتيجة العنف الذي تمارسه العصابات"، ويشير إلى أن "منطقة اسكلستونا بين الأكثر استهدافاً بعمليات إطلاق النار بواقع نحو 30 حادثة لكل 100 ألف مواطن، ويترافق ذلك مع ارتفاع مستوى التشدد في الخطابين الإعلامي والحزبي حيال الأصول المهاجرة للمواطنين بدرجة لم أشاهدها طوال السنوات الـ30 الماضية. ويعتقد أن انتشار أخبار تعرّض المتاجر ورجال أعمال من أصول مهاجرة وسويديين إلى ابتزاز يشير إلى تحوّل هذا التصرف إلى مهنة أخرى على هامش الاتجار بالمخدرات والممنوعات، كما أن مدارس كثيرة باتت تتأثر بانتشار العصابات وعنفها". وتؤكد مصادر عدة من أصول عربية أنه "رغم أن الحديث لا يدور عن جنسيات معينة، لكن أسماء الضحايا والمعتقلين توضح مخاطر استمرار الانفلات الحاصل منذ عام 2015".
اللافت أن وسائل الإعلام المحلية تتحدث كثيراً عن تعرض أصحاب متاجر إلى ابتزاز مالي، لكن الشرطة السويدية تواجه مشكلة "انتشار الصمت"، وعدم تشجع السكان على الإدلاء بشهادات حول مرتكبي العنف، ما يضطرها إلى إطلاق سراح المشتبه بهم، أما المحاكم فتحاول تطبيق مبدأ الشهادات السرية. وتقدّر الشرطة بأن استوكهولم تواجه نحو 52 عصابة ينشط أفرادها خصوصاً في التجمعات السكنية التي توصف بأنها "مهمّشة والأضعف اجتماعياً".
وتكشف تقارير متخصصة أن "شبكات العصابات تقدم للأعضاء، وبينهم مراهقون، تصورات عن أنفسهم وانتماءاتهم والولاءات من خلال مواقع على إنستغرام وغيرها تنشر صور سيارات فاخرة ونساء، وتتحدث عن كسب احترام الأصدقاء والأسر من خلال المظاهر المادية". وتعلّق مصادر أمنية على انتشار السلاح في أيدي أفراد يصنفون بأنهم "أطفال"، بالقول لـ"العربي الجديد": "نعيش في مجتمع يضم مجموعات من الصبيان غير المسيطر عليهم، والذين ينتقلون بسرعة من حياة عادية إلى حمل السلاح، وبعضهم لم تتضمن سجلاتهم أبداً أي مخالفة قانونية بسيطة. وتحتاج السويد إلى إصلاح القوانين لمنع وصول الصغار إلى شبكات العصابات، ما يحتم التضحية ببعض البقرات المقدسة" (الاضطرار لاتخاذ قرارات صعبة). وتستهدف هذه الشبكات موسيقيي الراب الذين يتعرضون لابتزاز وفرض إتاوات. وفي عام 2021، قتِل مغني الراب الحائز على الجائزة الذهبية، إينار، وكان في سن الـ19، بسبب رفضه الخضوع لابتزازات من عصابة، علماً أنه اختفى لفترة، قبل أن يعثر عليه عضو في العصابة ويتولى إعدامه.
وكشفت تحقيقات الشرطة أن تصفية إينار حصلت لأسباب تتعلق بمحاولة إزاحته لمصلحة مغنين آخرين يريدون الظهور في عالم الراب. وتشير تقارير إلى أن الشرطة السويدية تعاني من نقص في الموارد تمنع متابعتها التصاعد السريع لجرائم العصابات. وتذكر أن السويد تضم نحو 550 ألف شخص يعيشون في مجمعات سكنية هشة اجتماعياً وأكثر عرضة للعنف، أي نحو 5 في المائة من سكان البلد الـ10.5 ملايين. وفي البلد الجار الدنمارك يعيش نحو 120 ألف شخص من أصل نحو 5.5 ملايين في هذه التجمعات.
ولمواجهة موجات العنف يجب أن تشدد السلطات السويدية قوانين العقوبات، وتلك التي تتعلق بمسائل الهجرة والدمج، وتخضع السياسات التي طبقت خلال العقود الماضية لتدقيق جدي، وهو ما فعلته الدنمارك عام 2019، من خلال تطبيق إجراءات أمنية وقضائية أكثر صرامة نجحت في السيطرة على العنف.
لكن خبراء ومحللين في السويد لا يبدون تفاؤلاً بحصول انفراجات في هذا الشأن، استناداً إلى التجارب السابقة، ويتوقعون أنّ تتجه بلدهم إلى مزيد من كوارث القتل، باستخدام الأسلحة النارية المرتبطة بحرب العصابات التي تستخدم شبكات أكثر اتساعاً وتمدداً وبعداً عن الضواحي التقليدية.