عواقب احتجاجات اليمين المتطرف في بريطانيا

12 اغسطس 2024
ناشطون مناهضون للعنصرية في بريطانيا (أوغوز كاغان ميدان/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **موجة الاحتجاجات العنيفة في بريطانيا وتأثيرها**: تشهد بريطانيا احتجاجات عنيفة من جماعات اليمين المتطرف بعد جريمة طعن جماعية في ساوثبورت، مما أثار مخاوف أمنية. رئيس الحكومة كير ستارمر دعا لاجتماع طارئ وأكد على ضرورة إصدار "أحكام صارمة" ضد مثيري الشغب.

- **العوامل المؤثرة في تصاعد الاحتجاجات**: تشمل الدعاية اليمينية المتطرفة، الحرمان الاجتماعي والاقتصادي، والسياسات الحكومية. تزايد المشاعر المناهضة للهجرة والعنصرية وكراهية الإسلام يعكس قضايا اجتماعية وسياسية عميقة.

- **التداعيات الأمنية والاقتصادية**: تهديد اليمين المتطرف يعتبر من أخطر التهديدات، حيث أصبحت هذه الجماعات أكثر تنظيماً. الأحداث تؤثر على سمعة البلاد والاقتصاد، ووكالات الاستخبارات تعمل مع الشرطة لمراقبة الأفراد الرئيسيين.

تشهد بريطانيا موجة من الاحتجاجات العنيفة التي أثارتها جماعات اليمين المتطرف، ما أعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب الأهلية الإنكليزية (1642-1651) لدى العديد من البريطانيين. وتتزايد المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية بعدما استغل اليمين المتطرف جريمة ساوثبورت (عملية طعن جماعية استهدفت الأطفال في استوديو للرقص في ساوثبورت)، وحولها إلى احتجاجات عنيفة انتشرت في مختلف أنحاء البلاد. 
في هذا السياق، ترأس رئيس الحكومة كير ستارمر اجتماعاً طارئاً مع رؤساء الشرطة للمرة الثانية خلال أيام، وأكد أنه يتوقع "أحكاماً صارمة" ضد مثيري الشغب قريباً، واصفاً تلك الاحتجاجات بأنها "بلطجة يمينية متطرفة".

ويرى خبراء أن هناك عوامل عدة تساهم في هذا الوضع المضطرب، بما في ذلك التأثير الكبير للدعاية اليمينية المتطرفة، والحرمان الاجتماعي والاقتصادي، والسياسات الحكومية. ويقول أستاذ السياسة بجامعة كوين ماري في لندن، تيم بيل، لـ"العربي الجديد"، إن هذه الاحتجاجات تعكس قضايا اجتماعية وسياسية عميقة في المملكة المتحدة، وتميل أقلية كبيرة من البريطانيين إلى المشاعر المناهضة للهجرة والعنصرية الصريحة وكراهية الإسلام، التي تغذيها الدعاية المضللة التي ينشرها اليمين المتطرف. يضيف: "بعض هؤلاء الأشخاص مستعدون لاستخدام العنف بالأسلوب نفسه الذي يتبعه المشاغبون في مباريات كرة القدم، خصوصاً في ظل الحماسة المفرطة وتأثير الكحول".
يتابع بيل: "وجود حكومة يسار وسط ليبرالية نسبياً قد يكون أيضاً عاملاً في تفاقم هذه الاحتجاجات، إذ إن فشل صندوق الاقتراع في تلبية رغبات الفئات التي تحمل مشاعر كراهية الأجانب والعنصرية يجعلها تشعر بالإحباط والغضب. الأبحاث الجنائية توضح أن الناس يميلون إلى الامتناع عن ارتكاب الجرائم عندما تزيد احتمالية التعرّض للعقاب، مستشهداً بأحداث الشغب في لندن عام 2011، التي أثبتت فيها الإجراءات السريعة والأحكام النموذجية قدرتها على الردع".
وتعليقاً على حادثة الطعن في ساوثبورت، يوضح بيل أن نشطاء اليمين المتطرف يستغلون هذه الأحداث المروعة لتحفيز الناس، ولكن الغالبية العظمى لا تستجيب لهذه التعبئة. لذلك، إن فكرة تحول هذه الأحداث إلى نوع من الحرب الأهلية منخفضة المستوى تبدو غير واقعية.
من جهته، يرى المحاضر في علم الجريمة بجامعة ليفربول، جافين هارت، أن ما يجري هو نتيجة تراكم عوامل سياسية طويلة الأمد في المملكة المتحدة. ويوضح لـ"العربي الجديد": "عشنا عقوداً ممن التركيز على قضية الهجرة، ومحاولات مستمرة لشيطنة مجتمعات المهاجرين والمجتمع الإسلامي، كما تعاني بعض مناطق البلاد من حرمان اجتماعي واقتصادي، ما يجعلها بيئة خصبة لليمين المتطرف لنشر دعايته".
وفي ما يتعلق باستغلال الجماعات اليمينية المتطرفة لخطابات الهجرة في الاحتجاجات، يؤكد هارت أن "هذه الجماعات تعتمد على نشر المعلومات المضللة لدعم روايتها، ومثالاً على ذلك، استغلال اليمين المتطرف لجرائم القتل في ساوثبورت التي ارتكبها شاب من أصول مهاجرة لتأجيج الغضب، ونشر معلومات مضلّلة قبل ظهور أية معلومات رسمية. رغم أن أعمال الشغب لم تكن مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالحادثة، لكن الهجمات استهدفت المساجد ومراكز الجاليات الإسلامية وفنادق طالبي اللجوء، مع العلم أن أياً من هؤلاء الأشخاص لم يكن مسؤولاً بأي شكل عما جرى في ساوثبورت".
ويعرب هارت عن قلقه بشأن الشرطة في بريطانيا، إذ تزعم بعض شخصيات اليمين المتطرف أن هناك تبايناً في تعامل الشرطة مع الاحتجاجات، وتدعي أن الشرطة تقمع اليمين المتطرف بصرامة، بينما تتحفظ تجاه احتجاجات أخرى، مثل تلك المتعلقة بفلسطين. لكن "عند النظر بموضوعية إلى ما تقوم به الشرطة وتحليل أساليبها، نجد أنها تعتمد على أساليب ضبط النفس في جميع أنواع الاحتجاجات وأعمال الشغب، بغض النظر عن المجموعة المتورطة، وهذا يشمل أيضاً التعامل مع جماعات اليمين المتطرف".

خلال اعتقال بعض المتظاهرين اليمينيين المتطرفين (بهلول سيتينكايا/ الأناضول)
خلال اعتقال بعض المتظاهرين اليمينيين المتطرفين (بهلول سيتينكايا/ الأناضول)

ويقول البروفيسور جوليان ريتشاردز، الذي قضى عشرين عاماً في العمل مع الاستخبارات البريطانية وشارك في تأسيس مركز دراسات الأمن والاستخبارات في جامعة باكنغهام، لـ "العربي الجديد"، إن تهديد اليمين المتطرف اليوم يُعد من أخطر التهديدات التي واجهتها بريطانيا عبر تاريخها. يضيف: "لطالما كانت هناك حركات يمينية متطرفة منذ نهاية الحرب، لكنها الآن أصبحت أكثر تنظيماً، وتستخدم موارد المعلومات بطريقة أكثر فعالية، ما يشكل مصدر قلق أمني. مع ذلك، لا تصل هذه الحركة إلى مستوى اندلاع حرب أهلية أو انهيار البلاد. لكن استمرار وجود هذه الحركة التي تثير اضطراباً وكراهية كبيرين، وتستهدف المسلمين خاصة، يزيد من خطرها مع مرور الوقت، ويشير إلى احتمال أن يؤدي ذلك إلى رد فعل من قبل مجموعة متطرفة أخرى ذات أيديولوجية مغايرة، ما يفاقم الوضع الأمني".
ويلفت ريتشاردز إلى التداعيات الخارجية لهذه الأحداث، ويقول: "سمعنا أن عدداً من الدول حذرت مواطنيها من السفر إلى المملكة المتحدة بسبب ارتفاع مستوى الخطر. بما أنني أعمل في إحدى الجامعات، ونسعى لجذب طلاب من الخارج، علمنا أن بعضهم تم نصحهم بعدم القدوم في الوقت الحالي. أعتقد أن هذا الوضع يضر بسمعة المملكة المتحدة، وله آثار تمتد إلى ما هو أبعد من الجانب الأمني، لتشمل الجوانب الاقتصادية".
ويوضح أن وكالات الاستخبارات البريطانية كانت تجمع معلومات دقيقة عن المجموعات والأفراد الرئيسيين المنتمين إلى الحركة اليمينية المتطرفة، الذين يُحتمل أن يصبحوا قادة للعنف. "هذه الوكالات تعمل اليوم بشكل وثيق مع الشرطة لتوفير تفاصيل عن هؤلاء الأشخاص، بهدف تسهيل اعتقالهم لدى انتهاكهم القانون. تهديد عنف اليمين المتطرف المنظّم معروف منذ نحو 20 عاماً، وهو في تصاعد مستمر. لذا سيتركز العمل على مراقبة الأفراد الرئيسيين، مثل تومي روبنسون الذي يقيم حالياً في الخارج، بالإضافة إلى آخرين ستتم متابعتهم من كثب".
يتحدث ريتشاردز عن تومي روبنسون، مؤسس مجموعة "رابطة الدفاع الإنجليزية" (EDL) في لوتون قبل سنوات عدة، والتي أثارت منذ البداية مخاوف كبيرة بسبب تنظيمها الجيد. ومع ذلك، تراجع هذا التهديد بعدما انقسمت المجموعة بسبب خلافات جوهرية. ويشير إلى أن روبنسون يعد أحد الأيديولوجيين الرئيسيين في قلب تلك الحركة، وكان نشطاً في حشد الدعم الإعلامي والتواصل مع مجموعات أخرى لربط بعضها ببعض. كما تمكن من الحصول على تمويل من الولايات المتحدة وألمانيا وأماكن أخرى، ما جعله شخصية أيديولوجية وتنظيمية مهمة للحركة اليمينية المتطرفة.
ويؤكّد أنّ السمة الرئيسية للحركة التي يقودها روبنسون هي الإسلاموفوبيا. فهم يركزون على ما يسمونه "الإسلام الراديكالي"، لكن هذا التركيز يتحول إلى كراهية عامة للإسلام. ورأينا في الآونة الأخيرة كيف كانت المساجد والمسلمون أهدافاً لأعمال العنف، وكانت هذه الحركة في مركز تلك الهجمات. ورغم ذلك، ينكر روبنسون أن أيديولوجيته معادية للإسلام، ويصر على أنه لا توجد لديه مشكلة مع المسلمين الملتزمين بالقانون، وهو تفسير يراه كثيرون ضعيفاً وغير مقنع.

يشير ريتشاردز إلى أوجه التشابه في دوافع الجماعات اليمينية المتطرفة وأساليبها في المملكة المتحدة مع العنف السياسي في سياقات أخرى مثل باكستان، مبرزاً ثلاثة عوامل رئيسية: الهوية، حيث يشعر جزء من المجتمع بالانتماء إلى مجموعة معينة، الدعاية التي أصبحت أسهل بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود قادة وأيديولوجيين يعرفون كيف يستغلون هذه العوامل لتغذية القصص والمخاوف. 
وفي ما يتعلق بتعامل الحكومة مع الاحتجاجات، يرى ريتشاردز أنها تقوم بما يلزم لاحتواء الوضع الحالي وتقديم القادة الرئيسيين للعدالة. مع ذلك، يحذر من أن الخطر الأكبر يكمن في استمرار هذه الاحتجاجات لفترة طويلة جداً، ما قد يضع ضغوطًا كبيرة على الموارد. في مثل هذه الحالة، قد تضطر الحكومة إلى اتخاذ إجراءات إضافية مثل تعبئة الجيش. لكنه يشير إلى وجود عملية قيادية طويلة الأمد تهدف إلى توجيه قادة الشرطة المحلية والحكومة نحو كيفية إدارة الوضع وتوفير الموارد اللازمة.

المساهمون