يحلّ عيد الأضحى خجولاً في مناطق الشمال السوري، وإن أصرّ كثيرون على تجاوز الأزمات والصعوبات المعيشية اليومية رغبة منهم في إسعاد أطفالهم واسترجاع بعض من الذكريات الجميلة. لكنّ ثمّة حلماً يتشاركه النازحون السوريون، سواء أكانوا يقيمون في مخيمات أو منازل مستأجرة، وهو العودة إلى منازلهم ومدنهم وقراهم لقضاء العيد مع أحبائهم وأقاربهم وأصدقائهم، وإن لم يكن ذلك ممكناً في الوقت الحالي على أقلّ تقدير.
عبد السلام يوسف هو مدير مخيّم أهل التح المشيّد على مقربة من معرّة مصرين شمالي إدلب، يخبر "العربي الجديد" أنّ "لا فعاليات للأسف في داخل المخيم، بسبب فقدان الناس الأمل بالعودة إلى قراهم وبلداتهم"، لافتاً إلى أنّ "نحو خمسة في المائة من أهالي المخيم فقط اشتروا ثياباً جديدة وحلويات وما إليها، في حين أنّ الفرحة غائبة بشكل عام عن بقية الأهالي الذين باتوا عاجزين عن تأمين قوت يومهم. ويأتي ذلك مع استمرار تراجع مساعدات المنظمات الإنسانية".
من جهته، يقول سعد زيدان، وهو رب أسرة هُجّر قبل نحو عامين من الريف الغربي لمعرّة النعمان، إنّه لا يجد ما يفرحه بحلول العيد، "على الرغم من أنّني أحاول التغلّب على الواقع المرير من أجل أطفالي الخمسة". يضيف لـ"العربي الجديد": "أنا كربّ أسرة مهجّرة، لا يعني لي العيد شيئاً، بل يحمّلني أعباء مادية ونفسية أنا في غنى عنها. لكن انطلاقاً من مسؤوليتي تجاه أطفالي الذين أحاول تخفيف مرارة النزوح عنهم، أبذل جهداً مضاعفاً لتأمين احتياجاتهم التي تزيد في فترة العيد حتى يفرحوا، علماً أنّها غالباً ما تقتصر على أمور بسيطة لا تعادل جزءاً يسيراً ممّا كنت أوفّره لهم قبل النزوح".
حالُ مهجّري ريف حمص الشمالي لا يختلف عن مهجري ريف إدلب، إلا أنّ ثمّة نازحين كانوا أوفر حظاً، إذ تهجّروا مع عائلاتهم وأقاربهم وأصدقائهم إلى مكان واحد، ما يتيح لهم استرجاع بعض طقوس العيد، أقلّه زيارة بعضهم البعض. في هذا الإطار، تقول السبعينية يسرى سليمان، المقيمة في مخيم قرب بلدة دير حسان في الريف الشمالي لإدلب، لـ"العربي الجديد": "اعتدنا العيد هنا بعدما نزحنا من ريف حمص الشمالي. كلّ ما تبقّى لنا من العيد وفرحته هو اجتماع الجيران والأقارب". تضيف: "أعيش مع ابني الأصغر وزوجته في المخيم، وقد حرصت على تحضير بعض الحلويات التي لا يحلو العيد من دونها. بالنسبة إليّ، ما زال ثمّة عيد وفرحة. لكنّ فرحة الأطفال والأحفاد تبقى الأهم. كلّ ما أرجوه هو الاجتماع بأولادي وبناتي تحت سقف واحد كما هي العادة في خلال الأعياد. لحسن الحظ أنّ ابنتَين لي وعدداً من الجيران يسكنون في المخيم نفسه معي. وهذا ما يعطي للعيد معنى".
أمّا عمر أبو محمد، وهو رب أسرة من منطقة جبل الزاوية في إدلب، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "قصف قوات النظام المتكرر على قريتي حرمني من العيد". والحال نفسها تنسحب على محمد ضاهر الذي يقيم مع زوجته وطفلته ووالدَيه في مدينة الدانا، بعد نزوحهم من مدينة معرّة النعمان. فالظروف لم تسمح له بالاستعداد للعيد وإن كانت الأسباب مختلفة. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "أهلي ينتقلون إلى منزل جديد في منطقة أخرى في خلال فترة العيد، الأمر الذي يعرقا الاحتفال. كذلك فإنّنا بعيدون عن أهالي منطقتنا، باستثناء عدد قليل من الجيران يقيمون هنا. وأنا كنازح، لا أشعر بالعيد كما في السابق، حين كنّا نشتري الملابس والحلويات ونجتمع مع الأقارب. العيد هو العودة إلى مدينة معرّة النعمان".
بدوره، يقول محمود الشحنة، وهو ربّ أسرة يقيم في مخيم الخالدية في منطقة عفرين، لـ "العربي الجديد"، إنّ "العيد في خارج بيتنا ومدينتنا ليس عيداً. لذلك، اكتفيت بشراء بعض الحلويات لإسعاد أطفالي". يضيف أنّ "في مدينتي معرّة النعمان، كنّا نحضر مستلزمات الضيافة ونشتري الملابس الجديدة للأطفال، ونفرح بسماع تكبيرات العيد. أمّا هنا في المخيم، فلا عيد لنا".
تجدر الإشارة إلى أنّ الزيارات تُعَدّ متنفساً للسوريين، خصوصاً بعد السماح لهؤلاء المقيمين في تركيا بقضاء العيد مع عائلاتهم في مناطق الشمال السوري، الأمر الذي يمكّن كثيرين من لمّ الشمل بعد طول انتظار، بعدما حال تفشّي فيروس كورونا الجديد دون ذلك في خلال عيد الأضحى الماضي.