استمع إلى الملخص
- اعتداءات وتهويد المسجد الإبراهيمي: شهدت الخليل اقتحامات للمسجد الإبراهيمي، حيث أقام المستوطنون حفلات وطقوس تلمودية، وأجبر الاحتلال أصحاب المحلات على الإغلاق وفرض حواجز جديدة.
- استمرار التهويد وتحديات المسجد: يعاني المسجد الإبراهيمي من تهويد مستمر منذ 30 عامًا، مع منع الأذان 75 مرة وحفريات للتنقيب عن معالم تلمودية، وسط دعم حكومي إسرائيلي للفعاليات الاستيطانية.
تسبّبت احتفالات عيد العرش اليهودي بشلّ الحياة بمختلف أشكالها في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، والتضييق على السكان، وإمعان الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ عدة انتهاكات واعتداءات استيطانية وهتافات عنصرية.
ويقول الناشط عيسى عمرو لـ"العربي الجديد: "إن الاحتلال أغلق منذ يومين جميع الحواجز الواصلة بين المناطق المغلقة في البلدة القديمة من مدينة الخليل، ومنع الحركة بالكامل، فيما أتيحت حركة آلاف المستوطنين الذين يحملون الأعلام الإسرائيلية ويهتفون بشكل عنصري الموت للعرب".
تعددت واختلفت أشكال الانتهاكات الإسرائيلية التي رافقت طقوس عيد العرش اليهودي في الخليل، حيث بدأت فصول الاعتداءات الاستيطانية من باحات المسجد الإبراهيمي التي اقتحمها من يسمى وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، وتحوّل محيط المسجد حينها من ساحات صلاة وعبادة إلى ميدان رقصٍ ولهوٍ وأداء طقوس توراتية.
بدأت فعاليات عيد العرش اليهودي مبكّرًا قبل يومين، باقتحام المستوطنين منطقة "بئر حرام الرامة" الأثرية الإسلامية، ثم انتقلت الفعاليات التهويدية إلى أزقة البلدة القديمة وصولًا إلى وسط مدينة الخليل بعد أن اقتحم آلاف المستوطنين شارع بئر السبع وسط حماية مشددة من قوات الاحتلال، تزامنًا مع مشاركة مئات المستوطنين في طقوس تلمودية أمام بركة الكرمل في مدينة يطا جنوب الخليل، وامتدت فعاليات أمس، بحفلات غنائية داخل المسجد الإبراهيمي، وتستمر حتى مساء اليوم.
تقييد الحركة وتوقف العملية التعليمية
ووسط ذلك كلّه، قُيّدت حركة سكّان البلدة القديمة في الخليل ومنعوا من الوصول إلى منازلهم، أو الخروج منها، كما توقفت العملية التعليمية في الأحياء المحاصرة والمغلقة (تل ارميدة، وواد الحصين، وشارع الشهداء، وحارة جابر، وحارة السلايمة، والبلدة القديمة).
وأغلقت قوات الاحتلال البوابات الحديدية في وجه الطلبة والهيئات التدريسية في تلك المناطق، فيما تعرّضت منازل المواطنين خاصّة المحاذية للمسجد الإبراهيمي لهجمات من المستوطنين مساء أمس، بعدما حاولوا الوصول إلى منازلهم عبر حاجز أبو الريش، حيث أطلق جنود الاحتلال قنابل الصوت والغاز المسيّل للدموع صوب منازل المواطنين.
هدف كل تلك الإجراءات هو دفع الناس إلى مغادرة منازلهم وهجرتها، تمهيدًا لإحلال الجماعات الاستيطانية مكانهم، بحسب الناشط في تجمع شباب ضد الاستيطان، وأحد سكّان حيّ تل ارميدة المحاصر، عيسى عمرو.
عيد العرش اليهودي: اعتداءات متواصلة
ولم تتوقف الاعتداءات عند هذا الحدّ، حيث أجبر الاحتلال أصحاب المحلات التجارية في مركز المدينة على إغلاقها، وتحوّلت إلى منطقة عسكرية مغلقة، نظرًا لوجود آلاف المستوطنين المسلّحين، في الحين الذي فرض فيه الجيش الإسرائيلي إقامة حواجز ونقاط تفتيش جديدة في المناطق المغلقة، والمناطق المؤدية لها، وتنفيذ اقتحام للمنازل واعتلاء أسطحها المطلّة على المسجد الإبراهيمي؛ بحجّة الإجراءات الأمنية في مراقبة وتأمين الاحتفالات التهويدية التي تشارك فيها شخصيات دينية وسياسية إسرائيلية، وفق عمرو.
يقول عمرو: "إن إجراءات تهويد المسجد الإبراهيمي تزداد في كلّ عيد عن العيد الذي سبقه، وأعداد المشاركين في الطقوس التلمودية أكبر من العام الماضي، والشمعدان (الحانوكاة) يرفع ويضاء باستمرار على سطح المسجد، على نحو ينزع عنه صفته الإسلامية ويوحي بأنه كنيس يهودي خالص".
وكانت ساحات المسجد الجنوبية والغربية محطّة لنحو 20 ألف مستوطن أقاموا فيها حفلات تحاكي مشاهد النوادي الليلية، حيث بدت الإنارة الخافتة في الساحات والمسلّطة بشكل بارز على مسرح الغناء الذي أقيم ملاصقاً لحائط المسجد الإبراهيمي، واعتلاه المغنون المستوطنون يتوسّطهم الوزير المتطرف إيتمار بن غفير الذي يستوطن في "كريات أربع" المحاذية للمسجد وعلى وقع عزف آلات الموسيقى والأصوات الصاخبة بمناسبة عيد العرش اليهودي.
كان آلاف المستوطنين المحتفلين يرتدون قبّعة "الكيباه" الصغيرة على رؤوسهم، بينهم مئات سكارى يشربون الخمر، ويتمايلون ويرفعون شعارات عنصرية تهدد بالقتل، ويقدمون القرابين النباتية من الصفصاف، وسعف النخيل.
تهويد المسجد الإبراهيمي
بهذا الحال غير المسبوق من التردي على واقع المسجد الإبراهيمي، يقول مديره، معتز أبو سنينة في حديث لـ"العربي الجديد: "إن هذه الطقوس التوراتية تزامن تنفيذها مع قبضة أمنية استيطانية محمية من قوات الجيش الإسرائيلي، إذ تحاول الجماعات الاستيطانية فرض واقع جديد ضمن مخططات تهويد المسجد الإبراهيمي، التي سبقتها إجراءات منع الأذان، وتقييد الوصول إليه عبر الحواجز، وزيادة أيام إغلاقه، وصولًا إلى زيادة غير مسبوقة في أعداد المشاركين بالأعياد اليهودية لهذا العام عن أعوام سابقة، ما يؤكد بأن مشهد السيطرة على المسجد وحشد الفعاليات الاستيطانية، يأتيان بدعمٍ حكومي ورسمي إسرائيلي".
ويعاني المسجد الإبراهيمي، الذي يعدّ ثاني أهم المعالم الإسلامية في فلسطين بعد المسجد الأقصى، إجراءات تهويد لم تتوقف منذ نحو 30 عامًا، غير أن المفارقة في هذه المرحلة بأنها زادت بوتيرة أسرع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، إذ يحاول الاحتلال استغلال الانشغال المحلّي والرسمي والعالمي بالعدوان على قطاع غزة، في سبيل تنفيذ مشاريع السيطرة الكاملة على المسجد وتحويله إلى كنيس يهودي خالص"، وفق ما يقول أبو سنينة.
ووفق مدير المسجد الإبراهيمي، فإن الاحتلال حتى اللحظة منع رفع الأذان في المسجد 75 وقتًا منذ بداية الشهر الجاري، ما يعني تعدّيًا واضحًا على حرية العبادة، خاصّة أنه يمنع رفعه يوميًا عن صلاة المغرب، وبذلك يرسل الاحتلال رسالة بأن المسجد يهودي، ما يستلزم دعوات جدّية للرباط فيه والتمسك بكلّ المقدسات، وصمودًا بشتى الوسائل ووقفات جماهيرية واسعة، لدعم المسجد والحفاظ على إسلاميّته.
وبالرغم من انتهاء طقوس الأعياد اليهودية، مساء اليوم الثلاثاء، كما هو مقرر، إلا أن إجراءات تهويد المكان لن تتوقف، إذ يواصل الاحتلال حفرياته في محيط المسجد للتنقيب عما يزعم أنها معالم تلمودية، خاصّة بعدما أتمّ شقّ وتأسيس الطريق السياحي فيه، وإقامة المصعد الكهربائي في داخله، إضافة إلى تقييد عمل سدنة المسجد والعاملين فيه من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية.