غازات المصانع المسبّبة للاحتباس الحراري "تنبعث" منتجات يومية مفيدة

02 ديسمبر 2022
يُعاد تدوير غازات الدفيئة بواسطة البكتيريا (Getty)
+ الخط -

ابتكر مصنع في ضواحي مدينة شيكاغو الأميركية تقنيّة تتيح بواسطة البكتيريا الدقيقة إعادة تدوير الغازات التي تتسبّب في الاحتباس الحراري التي تنبعث منه، وتحويلها إلى إيثانول (مركّب كيميائي عضوي) ومنه إلى منتجات تُستخدم في الحياة اليومية من قبيل الزجاجات والمنتجات المنزلية وحتى الملابس.

في عشرات القوارير بالمختبر التابع لشركة "لانزا تك" في ضواحي شيكاغو، يُغلى بصورة مستمرّة سائل يحوي مليارات من البكتيريا الدقيقة التي تتغذّى على غازات لإعادة تدويرها. وبفضل تقنيّة طُوّرت في هذا المختبر، تستخدم ثلاثة مصانع صينية هذه الكائنات الدقيقة لتحويل غازات الدفيئة التي تنبعث منها إلى إيثانول. ثمّ تستخدم الماركات العالمية من قبيل "زارا" و"لوريال" الإيثانول لتصنيع منتجات يحتاجها الناس في يومياتهم؛ زجاجات ومساحيق تنظيف وسراويل رياضية وفساتين.

يقول المتخصص في علم الأحياء الدقيقة مايكل كوبكيه، الذي انضمّ إلى "لانزا تك" عقب تأسيسها تقريباً، إنّه "قبل 14 عاماً، لم أتخيّل قطّ أنّنا سوف نطرح في الأسواق أثواباً قصيرة مصنوعة من انبعاثات مصانع الصلب". و"لانزا تك" هي الشركة الأميركية الوحيدة بين الشركات الخمس عشرة التي تأهّلت لنيل جائزة "إيرثشات"، التي أطلقها الأمير وليام (ولي العهد البريطاني اليوم) في عام 2021 لمكافأة المبادرات المعنيّة بالمناخ.

وتؤكّد "لانزا تك" أنّها منعت، مع موظّفيها البالغ عددهم 200، منذ إطلاقها، انبعاث 200 ألف طنّ من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ليُنتَج بدلاً من ذلك نحو 190 مليون ليتر من الإيثانول.

ويرى كوبكيه أنّ هذه الكمية "صغيرة جداً" مقارنة بالكميات الضرورية لمكافحة التغيّر المناخي. وبعدما استغرق تطوير التقنية وإثبات فعاليتها على نطاق واسع 15 عاماً، يكمن الهدف حالياً في رفع عدد المصانع التي تعتمدها. ويوضح كوبكيه: "نرغب في الوصول إلى نقطة نتمكّن فيها من استخدام الكربون المنبعث من الأرض"، بدلاً من استخراج مزيد من النفط والغاز.

الصورة
علماء في مختبر لانزا تك لتحويل الكربون في شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية (Getty)
العالمان مايكل كوبكيه وزارا سامرز في مختبر "لانزا تك" لتحويل الكربون (Getty)

"تدريب رياضي محترف"

وتشبّه "لانزا تك" تقنيّتها بإنتاج البيرة، فبدلاً من تخمير السكر، تكون المادة الأولية في هذه العملية الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، فيما المنتج النهائي هو الإيثانول. وقد عمدت الشركة إلى وضع البكتيريا التجارية في ظروف صناعية لتحسين أدائها، الأمر الذي يشبّهه كوبكيه بـ"تدريب رياضي محترف". ثمّ تُرسل هذه البكتيريا على شكل مسحوق مجفّف بالتجميد إلى المصانع التي تتولّى بناء مفاعلات يبلغ ارتفاعها أمتاراً عدّة، علماً أنّ هذه الشركات سوف تحصّل مردوداً من بيع الإيثانول.

يُذكر أنّ المواقع الصينية هي مصنع للصلب ومصنعان للسبائك الحديدية، فيما تُنشأ ستّة مواقع أخرى، من بينها مصنع "أرسيلور ميتال" في بلجيكا وآخر في الهند تابع لشركة "إنديان أويل كومباني".

وبما أنّ البكتيريا تستطيع ابتلاع ثاني أكسيد الكربون وأوّل أكسيد الكربون والهيدروجين، تُعَدّ العملية "سلسة" جداً أكثر من "أيّ تقنيّة أخرى لتحويل الغاز"، بحسب ما توضح نائبة رئيسة قسم العلوم في "لانزا تك" زارا سامرز. وتشير إلى أنّه بإمكان المادة الأولية أن تكون "نفايات تتحوّل إلى غاز" أو "نفايات زراعية أو غازات تنبعث من أيّ صناعات ثقيلة".

وقد أتاحت الشراكات المختلفة، من خلال هذه الغازات، إنتاج مساحيق تنظيف تُباع في سلسلة متاجر "ميغرو"، ومجموعتَين من الفساتين تبيعها ماركة "زارا" مقابل نحو 90 دولاراً أميركياً للفستان الواحد، وهي مصنوعة من ألياف البوليستر المتأتّي بنسبة 20 في المائة من "الغازات المُلتقَطة". وترى سامرز أنّ "البشرية سوف تحتاج دائماً إلى الكربون"، لكنّ "الفكرة في المستقبل تكمن في الاستفادة منه. (...) وبدلاً من إطلاقه في الهواء، يجرى استخدامه في تصنيع منتجات".

وقود للطائرات

وفي سياق متصل، أسّست "لانزا تك" شركة منفصلة هي "لانزا جيت" بهدف استخدام الإيثانول وقوداً للطائرات. وتمثّل زيادة الإنتاج العالمي لهذا الوقود تحدياً كبيراً للقطاع الذي يسعى إلى أن يصير "صديقاً للبيئة". وتهدف الشركة إلى إنتاج نحو 3.8 مليارات متر مكعّب من الوقود سنوياً بحلول عام 2030.

وبخلاف الإيثانول الحيوي المنتج من القمح أو الشمندر أو الذرة، لا يتطلب الإيثانول المنتج من الغاز استخدام أراض زراعية. ويتمثّل تحدّي "لانزا تك" المقبل في التسويق لأنواع من البكتيريا تنتج غازات غير الإيثانول. وتخضع آلاف الأنواع للاختبار في مختبرات الشركة. ويوضح كوبكيه: "برهنّا أنّنا نستطيع إنتاج أكثر من 100 مادة كيميائية".

ويظهر كوبكيه حماسة كبيرة لفكرة ما زالت قيد التطوير وتتمحور حول تحويل الغازات مباشرة إلى إيثيلين، وهو "المنتج الكيميائي الأكثر استخداماً في العالم" (في الزجاجات والأغلفة وغيرها). يُذكر أنّ إنتاج الإيثيلين حالياً يؤدّي إلى انبعاث كميات من ثاني أكسيد الكربون مماثلة تقريباً لما يتسبّب فيه مجال الطيران. وفي الوقت الحالي، ينبغي تحويل الإيثانول الذي تنتجه "لانزا تك" إلى بولي إيثيلين، إلا أنّ هذه المرحلة يمكن تخطّيها، وتالياً توفير مزيد من الطاقة.

(فرانس برس)