غريتا تونبرغ تناصر غزة فتتصدّع حركتها من أجل المناخ

22 نوفمبر 2023
غريتا تونبرغ: "لا عدالة مناخيّة على أرض محتلّة" (بيتر ديجونغ/ أسوشييتد برس)
+ الخط -


يبدو أنّ الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تخلّف تداعيات واسعة النطاق، ليس على الصعيد الصحي أو ذلك الاجتماعي أو حتى الاقتصادي في القطاع الفلسطيني المحاصَر والمستهدَف والذي يعاني أهله الأمرَّين. وقد ظهرت، أخيراً، خلافات غير مرتبطة مباشرة، وبطريقة لصيقة، بالقضيّة الفلسطينية ولا بالمذبحة التي تُرتكب راهناً في حقّ الفلسطينيين. ولعلّ واحداً من تلك الخلافات يتعلّق بالمناخ، أو بالأحرى بالحركة الشبابية العابرة للحدود المعنيّة بمكافحة تغيّر المناخ وتداعياته، نقصد هنا حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل" التي تُمثّل الناشطة السويدية غريتا تونبرغ الوجه الأبرز فيها.

وقد تناولت صحيفة "لو موند" الفرنسية هذا الخلاف، أخيراً، تحت عنوان "حرب إسرائيل-حماس: الحركة البيئية أيام الجمعة من أجل المستقبل تتهتّك بعد مواقف غريتا تونبرغ". وبيّن المراسلان الصحافيّان آن-فرانسواز إيفير من السويد وتوماس فايدر من ألمانيا، في تقريرهما المشترك، أنّه منذ السابع من أكتوبر 2023، "تتمزّق" الحركة الشبابية المعنيّة بالمناخ، إذ إنّ ملهمتها الناشطة السويدية غريتا تونبرغ البالغة من العمر 20 عاماً تتعرّض لانتقادات على خلفيّة تصريحاتها التي تُعَدّ "مؤيّدةً جداً" للفلسطينيين.

وبحسب تقرير "لو موند"، فإنّ ما جرى يوم الأحد في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في العاصمة الهولندية أمستردام ظهّر الخلاف القائم. ففي خلال مسيرة من أجل المناخ جمعت 70 ألف شخص، دعت تونبرغ وهي تضع الكوفيّة الفلسطينية إلى "وقف لإطلاق النار" في غزة. على الأثر، حاول مشارك في التحرّك سحب الميكروفون منها، واستهجن قائلاً: "أنا أتيت إلى هنا من أجل تظاهرة خاصة بالمناخ، وليس من أجل وجهة نظر سياسية". وبعد إبعاده، راحت تونبرغ وناشطون آخرون يهتفون: "لا عدالة مناخيّة على أرض محتلّة!".

وهذا المشهد الذي انتشر حول العالم، ولا سيّما من خلال منصّات التواصل الاجتماعي، كشف خلافات في الحركة، ما بين الذين يدافعون عن موقع الناشطة الشابة المؤيّدة للفلسطينيين وبين هؤلاء الذين يعيبون عليها عدم تضامنها مع إسرائيل و"عماها"، لدرجة اتّهامها بعدم إدانة "معاداة السامية".

لكنّ هذا الصدع في الحركة كان قد بان للمرّة الأولى، في 20 أكتوبر الماضي، بعد تدوينة نشرتها الناشطة السويدية، مطالبة فيها بتنظيم إضراب من أجل المناخ "تضامناً مع فلسطين". وقد أرفقت تونبرغ تدوينتها تلك بصورة تجمعها بثلاث شابات، وقد حملنَ لافتات تطالب بتحرير فلسطين والوقوف إلى جانب غزة. وشدّدت الناشطة على "وقف فوري لإطلاق النار، وعلى العدالة والحرية للفلسطينيين وجميع المدنيين المعنيّين".

يُذكر أنّ ذلك لاقى ردود فعل سريعة، بحسب ما أوضحت صحيفة "لو موند"، ووُجّهت ملامة إلى الناشطة السويدية لعدم إدانتها هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر واحتجازها رهائن إسرائيليين في غزة، في إشارة إلى عملية "طوفان لأقصى".

ولفت معدّا تقرير "لو موند"، في الإطار نفسه، إلى توقّف منتقدي تونبرغ عند لعبة محشوّة ظهرت وراءها على هيئة أخطبوط أزرق اللون، في الصورة المنشورة، إذ رأوا في هذه اللعبة رمزاً كان يُستخدَم في رسوم "معادية للسامية" في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كان الأخطبوط يرمز إلى سيطرة اليهود على العالم.

وبعد ساعات قليلة، أعادت الناشطة السويدية نشر الصورة وقد أزالت منها تلك اللعبة الزرقاء، مؤكدة أنّها لم تكن على دراية بأنّ الأخطبوط قد يُفسَّر بأنّه إشارة إلى "معاداة السامية". وأوضحت أنّ الأشخاص الذين يعانون من طيف التوحّد يستخدمون الأخطبوط، في الغالب، للتعبير عن مشاعرهم، فالشابة تعاني بدورها من متلازمة أسبرغر التي تُصنَّف في هذا السياق.

وكتبت تونبرغ في تدوينة على منصّة "إكس": "نحن بالتأكيد نعارض كلّ نوع من أنواع التمييز، وندين معاداة السامية بكلّ أشكالها. هذا أمر غير قابل للنقاش". وفي اليوم التالي، أفادت في تدوينة أخرى بأنّها ضدّ هجوم حركة حماس الذي نُفّذ في السابع من أكتوبر، غير أنّها أرفقتها بوسم #ستاند_ويذ_بالستاين (قف مع فلسطين).

وفي الشارع الإسرائيلي، أثارت مواقف غريتا تونبرغ جدالاً، وفقاً لصحيفة "لو موند". فقد وجّه إليها إسرائيليون رسائل عدّة يندّدون فيها بمواقفها الداعمة للفلسطينيين ولأهل غزة. وبالنسبة إلى نائبة رئيس "الجمعية الإسرائيلية للإيكولوجيا وعلوم البيئة" شاكد شيفي كوهن، فإنّ مواقف تونبرغ "تسبّب أذى كبيراً لدولة إسرائيل عموماً، وللجهود الرامية إلى حماية البيئة خصوصاً"، بحسب ما جاء في رسالة كوهن التي تُرجمت إلى اللغة السويدية ونشرتها صحيفة "إكسبريسن".

وفي مقابلة مع صحيفة "بوليتيكو" في 20 أكتوبر الماضي، خرج المتحدّث السابق باسم الجيش الإسرائيلي آريي شاروز شاليكار عن طوره. وقال بانفعال شديد إنّ "كلّ من يتماهى مع غريتا بأيّ طريقة كانت، في المستقبل، هو داعم للإرهاب، من وجهة نظري". بدورها، أعلنت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، في 22 أكتوبر الماضي، إزالة كلّ إشارة إلى الشابة السويدية من الكتب المدرسية التي كانت تتضمّن إضاءات على نشاط تونبرغ في إطار أزمة المناخ.

وحركة "أيام الجمعة من أجل المناخ" التي تأتي بأفرع مستقلة، من دون هيكلية مركزية، تبدو أنّها تهتك نفسها على منصات التواصل الاجتماعي، أخيراً. ونقلت "لو موند" الفرنسية عن المتخصّص في علم الاجتماع في "جامعة غوتنبرغ" السويدية، ماتياس والستروم، أنّ اتّخاذ الناشطين في الحركة مواقف تتعلّق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ليس أمراً مفاجئاً. وشرح أنّ مسألة العدالة الاجتماعية بالنسبة إلى هؤلاء مهمّة بقدر أهميّة قضيّة المناخ. وأشار إلى أنّ الناشطين الشباب نشأوا وتدرّبوا في بلدان مختلفة، مع خلفيات متمايزة، وبالتالي فإنّ التحليلات الخاصة بالصراع تأتي متبايناً بعضها عن بعض.

وفي ظلّ العدوان الإسرائيلي المستمرّ على قطاع غزة، تنشر مجموعة "مابا"، أحد أفرع الحركة، التي يأتي ناشطوها من الشعوب والمناطق الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ، تدوينات تتّهم فيها إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" وبأنّها "فاشية".

وبالنسبة إلى الفرع السويدي من حركة "أيام الجمعة من أجل المناخ"، فإنّ "إسرائيل ترتكب تطهيراً عرقياً بحقّ فلسطين"، وفقاً لما أشار في 26 أكتوبر الماضي، متّهماً إياها بأنّها تتّبع سياسة "الأبارتهايد" أو الفصل العنصري. ويُعَدّ هذا موقفاً إشكاليّاً في السويد، حيث الحكومة اليمينية المدعومة من اليمين المتطرّف قدّمت نفسها منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أنّها "حليفة إسرائيل الثابتة".

وأكد تقرير "لو موند" نفسه أنّ مواقف غريتا تونبرغ لم تمرّ مرور الكرام في النمسا وألمانيا، وقد أعلن فرعا حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل" في هذَين البلدَين القطيعة مع الشابة السويدية.

وأفاد الفرع الألماني من الحملة، في تدوينة على موقع "إكس" في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بأن "لا لبس في أنّنا ضدّ كلّ شكل من أشكال معاداة السامية. ونحن لا نساوم في هذا الإطار. نحن ملتزمون حماية حياة اليهود، هنا (في ألمانيا) وفي أيّ مكان آخر". أضاف: "من خلال تموضعها (الداعم للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين في غزة)، تسبّب غريتا تونبرغ إلحاق الأذى بأشخاص كثيرين. وبالنسبة إلينا، الأمر محسوم"، معلناً أن لا علاقة للفرع الألماني بالشابة السويدية.

لكنّ تلك القطيعة لم تكن كافية بالنسبة إلى "المجلس المركزي لليهود في ألمانيا"، فقد رأى رئيسه يوسيف شوستر أنّ الفرع الألماني يضرّ بنفسه من خلال البقاء تحت مظلة حركة تونبرغ نفسها، مع الاحتفاظ بالاسم نفسه، أي حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل". وقد طالب شوستر، في نهاية أكتوبر الماضي، الفرع الألماني بفكّ الارتباط كلياً بحركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل" العالمية، واعتماد اسم جديد.

بالنسبة إلى المتحدّثة باسم حركة "أيام الجمعة من أجل المناخ" في ألمانيا لويزا نويباور، فإنّ إيجاد اسم بديل "أمر ثانوي"، بحسب ما صرّحت لأسبوعية "دي تسايت".

أمّا النائب عن حزب الخضر في ألمانيا، فولكر بيك، وهو كذلك رئيس "الجمعية الألمانية-الإسرائيلية"، فرأى أن مواقف غريتا تونبرغ تدفع إلى التشكيك في "التصنيف البيئي" لحركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل".

وإذ أشارت نويباور إلى أنّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لطالما كان موضوع سجال في حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل"، حتى قبل السابع من أكتوبر الماضي، رأت أنّ "الوقت قد حان للتأكد من توافر قيم مشتركة أساسية نستطيع استكمال العمل استناداً إليها". وأكدت أنّ أزمة المناخ قضية ذات بعد عالمي، بالتالي فإنّ عمليّة "توطين" مكافحة تغيّر المناخ ستؤدّي إلى طريق مسدود، "لذا نحن في حاجة إلى حركة معيّنة. وتعود إلينا كيفيّة جعل ذلك ممكناً".