وسط ارتفاع كبير في أسعار حليب الأطفال بالشمال السوري، راحت أمهات كثيرات يبحثنَ عن بدائل ممكنة، تُعَدّ بمعظمها من دون قيمة غذائية تُذكر بالنسبة إلى الرضّع الذين يحتاجون إلى ما يضمن نموّهم.
سليمة شهابي واحدة من هؤلاء الأمهات، وهي نازحة في أحد مخيّمات الشمال السوري. تشكو من أنّها لم تعد قادرة على توفير الحليب الصناعي لطفلها الذي لم يتجاوز الأشهر الأربعة، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار أخيراً، ولا سيّما أنّ زوجها توقّف عن العمل أخيراً مع حلول فصل الشتاء.
وتلجأ سليمة إلى بدائل مختلفة، من بينها النشاء المطبوخ مع المياه والسكّر من أجل إشباع ابنها. لكن ما تقدّمه الأم لصغيرها لا يعوّض بأيّ شكل من الأشكال نقص الغذاء. تقول سليمة لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمن عبوة حليب الأطفال الصناعي تخطّى 130 ليرة تركية (نحو 4.48 دولارات أميركية) جعلنا نعتمد خيارات"، وتشرح أنّ طفلها "يحتاج إلى أكثر من 10 عبوات شهرياً"، الأمر الذي يرهق العائلة في ظلّ الوضع المعيشي المتردّي أصلاً.
تضيف سليمة أنّ "الأسعار ترتفع بطريقة جنونية بمجرّد ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة التركية"، مشيرة إلى أنّ ذلك يأتي في حين أنّ "أجرة العامل ما زالت قليلة وهو يتقاضاها بالليرة التركية، هذا في حال وجد فرصة عمل فعلية".
وتؤثّر بدائل حليب الأطفال الصناعي التي تلجأ إليها الأمهات السوريات، خصوصاً النازحات وسط الأزمة المعيشية، سلباً على صحة الصغار، ولا سيّما الرضّع، إذ إنّها تؤدّي في النهاية إلى إصابتهم بسوء تغذية وكذلك بأمراض في الجهاز الهضمي.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأنّ نقص التغذية يقف وراء 1.3 مليون وفاة بين الأطفال سنوياً، أو ما نسبته 45 في المائة من كلّ وفيات الأطفال في العالم، الأمر الذي يبيّن أن كثيرين هم الرضّع الذين لا يتلقون التغذية المثلى.
بدورها، لجأت ريم البكور مرغمةً إلى بدائل لتعويض غياب حليب الأطفال غالي الثمن، بعد عجز عن توفيره نتيجة تردّي الوضع المعيشي وانعدام القدرة الشرائية. وتخبر ريم "العربي الجديد" أنّها تطحن الأرزّ وتطهوه لطفلها البالغ من العمر خمسة أشهر، لافتة إلى أنّ عبوة الحليب التي كانت تبلغ 80 ليرة تركية (2.76 دولار) قبل شهرَين صارت تُباع بـ150 ليرة (5.17 دولارات)، أي ضعف سعرها تقريباً.
بدائل حليب الأطفال تضرّ بهم
أمّا رولا الحسين، فقد اضطرت إلى نقل طفلتها إلى أحد مستشفيات إدلب بعد إصابتها بسوء تغذية ونقص في الوزن، نتيجة إطعامها بدائل الحليب الصناعي. وتقول رولا لـ"العربي الجديد" إنّها حاولت تعويض صغيرتها عن نقص حليب الأطفال من خلال طحن الذرة والأرزّ وطبخهما. وعلى الرغم من أنّ رولا تعي أنّ ذلك لا يمكن أن يحلّ محلّ الحليب وفوائده، فإنّها تراه أفضل من جعل الطفلة تشعر بالجوع. وتؤكد أنّ "ليس أمامي خيار آخر" بسبب الفقر وسوء الأحوال في مخيّمات النازحين.
في سياق متصل، يقول الطبيب محمد بدران المتخصص في أمراض الأطفال والرضّع لـ"العربي الجديد" إنّه يعاين حالات كثيرة لأطفال رضّع يعانون من نقص الوزن والتجفاف والإسهال، بسبب لجوء الأهل إلى حليب الأبقار والأرزّ والنشاء وغيرها كبدائل عن حليب الأطفال الصناعي المخصّص لتلك الفئة.
ويحذّر بدران من أنّ "مخاطر صحية قد تنجم عن ذلك، بسبب عدم توفّر المكوّنات الغذائية الأساسية في تلك البدائل"، مؤكداً أنّها تتوفّر حصراً في حليب الأطفال الصناعي. ويشرح أنّ عدم حصول الرضيع على تلك المغذيات يجعله "عرضة لأمراض عدّة، لعلّ أبرزها فقر الدم وسوء التغذية والكساح وضمور الدماغ وضعف النموّ وهشاشة العظام".