غياب الحوافز وبقاء القديم على قدمه

30 سبتمبر 2022
القطاع التربوي العربي في تخلف (Getty)
+ الخط -

المؤكد حتى اللحظة هو غياب خطة نهوض تربوي وتعليمي على صعيد عربي، أو على مستوى الدول منفردة. وغياب الخطة مرده موقع هذا القطاع في قائمة الأولويات التي تضعها الحكومات. وهو موقع سبق وذكرنا أنه ثانوي أو هامشي بالقياس إلى المعضلات التي آلت إليها أوضاعه على صعد: التقدير المادي والاجتماعي - المعنوي، حوافز هيئات التعليم والتدريس، المناهج، التجهيزات والأبنية، والبحوث والدراسات اللازمة قبل الشروع في العمل على تدارك ما فات. والحصيلة هي بقاء القديم على قدمه وسط حال الانحدار المتواصل. 
كان مثل هذا الوضع الذي نحن فيه يفرض إحداث انقلاب جذري في الأوضاع المدرسية والأكاديمية، بما يفتح على محاولة سد الثغرات التي تفاقمت مع الجائحة والأوضاع السياسية والأمنية الهشة، وهو ما لم يحدث. فالموضوع التربوي والتعليمي نادراً ما يحضر على طاولات مجالس الوزراء، واذا حضر ففي نهاية جدول الأعمال. وموازنات وزارة التربية دوماً متواضعة بالقياس إلى باقي موازنات الوزارات (الدفاع، الأشغال، الصحة، وغيرها). الأكثر غرابة أن هذه الموازنات تتراجع بالقياس إلى نسب التضخم التي تشهدها الدول، ما يفاقم المشكلات ويجعلها مستعصية على الحلول، إذ إن الحفاظ على موقع التعليم يتطلب بالحد الأدنى رفعها بما يتلاءم مع التطور، أو تدهور الأوضاع المالية والنقدية في البلاد. وهو ما لا يحصل على أي حال. بالطبع يدخل في هذا الإطار الإنفاق على البحث العلمي، حيث المبالغ المرصودة في مجملها لا تذهب إلى الأبحاث والدراسات الجادة، بقدر ما تتوجه نحو الرواتب والنفقات الإدارية على الأغلب. وما يتوجه منها إلى الأبحاث يخضع للمحسوبيات والزبائنية التي تربط الباحث بالجهاز البيروقراطي المشرف. أي أن الاعتبارات الوازنة بما هي العمل على بحث مشكلات وإيجاد العلاجات لها لا تدخل في المقام الرئيسي للتمويل. 

موقف
التحديثات الحية

وفي مثل هذه التوجهات، تغيب الحوافز التي يمكن تقديمها للباحثين والهيئات التعليمية. وهي حوافز بعضها معنوي، ويتعلق بالموقع الاجتماعي للأستاذ والمعلم والباحث، ومادي أيضاً. تلحظ تقارير البنك الدولي واليونسكو واليونيسف ضآلة حجم الحوافز المادية التي تم تخصيصها للتعليم خلال الجائحة في الدول العربية. ووفق التقرير نفسه، وبحسب الإسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا)، فإن الوباء كلف اقتصاديات الدول العربية ما يقدر بـ 227 مليار دولار العام الماضي، في حين قدرت توقعات الأمم المتحدة خسائر الوظائف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ1.7 ملايين وظيفة في عام 2020. وخسارة هذه الوظائف تعني أن خريجي الجامعات والشباب هم أول الضحايا لهذا الوضع، باعتبارهم الفئات الأكثر طلباً وتعرضاً للبطالة. وما خصصته الدول العربية، منذ بداية جائحة كوفيد-19 كما يقول التقرير، كان مجرد حزمة حوافز اقتصادية "هزيلة في ما يخص التعليم قدرت بحوالي 664 مليون دولار، أي بنسبة 1.25 % من إجمالي الميزانيات التي تم تخصيصها للخروج من الأزمة، والتي تم الدفع بمعظمها للاستثمار في التعليم العالي".
ولم تكن الدول العربية بمفردها في هذا التوجه، فعلى المستوى العالمي، كما يقول التقرير، "أقل من 3% من الحوافز الاقتصادية التي وفرتها الحكومات خُصِّصت للتعليم حتى الآن. وسيتطلب الأمر تمويلاً أكثر بكثير لتحقيق التعافي الفوري للتعلّم".
باختصار يمكن القول إن التقتير على القطاع وغياب الحوافز والتقدير الاجتماعي للجهاز التعليمي والطلاب ولدور العلم في المجتمع بالأساس، يقودان إلى استمرار الدوران في حلقة التخلف المفرغة التي لا مجال للخروج من أحكامها القاهرة. 
(باحث وأكاديمي)