تكافح فرق الإنقاذ المحلية في مدينة درنة الليبية بإمكانياتها المحدودة، وبمساعدة متطوعين من الأهالي، من أجل البحث عن ناجين تحت ركام المباني المنهارة في حي البلاد، وسط المدينة، جراء الفيضانات والسيول التي ضربت المدينة في الساعات الأولى من صباح أمس الاثنين، لكن "الإنهاك وتراجع الإمكانيات قد يحول دون استمرارنا"، كما يتحدث وليد الأخطل، أحد المتطوعين من منطقة أم الرزم المجاورة لدرنة.
ومنذ منتصف اليوم أعطت النيابة العامة بالمدينة الإذن للمتطوعين بدفن الجثث دون أي تصاريح للدفن أو الانتظار للتعرف على هوية أصحابها، بسبب تراكمها في مقر مستوصف شيحا ومقر كلية التقنية الطبية المحاذي له وتحلل أكثرها بسبب غياب الكهرباء اللازمة لتشغيل ثلاجات التبريد أو تشغيل مكيفات غرف الكلية على الأقل، وفقاً لشهادة الأخطل، الذي يوضح لـ "العربي الجديد "الإجراء الوحيد الذي يقوم به المتطوعون هو التقاط صورة بواسطة كاميرا الهاتف لوجه صاحب الجثة لعرضها فيما بعد بشكل جماعي على أهل المدينة ليتعرفوا على ذويهم المفقودين، والسبب هو بدء تحلل الجثث"، مستدركاً "لكن هذا الإجراء أيضاً لم يعد يمكن التقيد به بسبب تشوه أغلب الجثث وغياب معالمها لحد عجز الكثير ممن يزورون مراكز تجميع الجثث عن التعرف على ذويهم المفقودين".
وبمرارة كبيرة يتابع الأخطل "لم يعد بالإمكان نقل الجثث إلى مقابر المناطق المجاورة، منذ ظهر اليوم بدأ الدفن في الفضاءات المجاورة للأحياء السكنية وفي شكل قبور جماعية لكل عشرة جثث قبر واحد"، مشيرا إلى استناد المتطوعين على أراء دينية ترى أن الغرقى هم "شهداء، وعليه يمكن دفنهم في ثيابهم، خصوصاً مع نفاذ أكياس الموتى وأيضاً الأكفان تماماً".
وفيما يعزو الأخطل الإسراع في دفن جثث الضحايا إلى بدء تحلل بعضها، أضاف "هناك سبب آخر يتعلق بنفاذ وقود السيارات التي كانت تقل الموتى إلى مقابر المناطق المجاورة عبر مسارب ترابية، كما أن هذه المسارب باتت الآن مهددة بالانجرافات".
وفيما تمكنت شركة الاتصالات من إرجاع تغطية الاتصالات الهاتفية بشكل نسبي إلى بعض أطراف المدينة، لا تزال الكهرباء مقطوعة عن كامل المدينة حتى مساء اليوم الثلاثاء.
وبالإضافة إلى نفاذ الوقود الذي حال دون "تشغيل مولدات الكهرباء في مستوصف شيحا لتبريد الجثث المتراكمة داخل غرفه قبل تحللها"، بحسب تصريح سابق أدلى به عضو غرفة الطوارئ التابع لبلدية مدينة درنة، عبد القادر أبو ملاسة، لـ "العربي الجديد"، يلفت حافظ العوكلي، أحد شباب المدينة المتطوعين ضمن فرق الإنقاذ وانتشال الجثث بالمدينة، إلى أن أزمة نفاذ الوقود طاولت جهود فرق انتشال الجثث "بسبب توقف أغلب السيارات الخاصة التي يقل بها المتطوعون الجثث إلى مراكز تجميعها، وقريبا جدا ستتوقف الجرافات التي تساعد فرق الانتشال والإنقاذ في إزاحة ركام المباني للبحث تحتها، وعندها ستتوقف عمليات نقل الجثث وستبقى إلى أن يصل دعم السلطات ووعود الدول التي لا نعلم متى تصل"، محذرا من أن بقاء الجثث وتحللها وانتشار روائحها قد يدفع إلى عمليات إجلاء كاملة للسكان من المدينة.
وفي الوقت الذي يشير فيه العوكلي إلى حالة الإنهاك والتعب الكبيرين الباديين على أغلب المتطوعين، قال "استبشرنا بوصول ثلاث طائرات مروحية من الجيش (قوات خليفة حفتر) اليوم للمساعدة في إخراج الجثث العالقة في خلجان وتعرجات شاطئ البحر"، لكنه انتقد في الوقت ذاته طريقة تعاطي سلطات البلاد مع أزمة المدينة، وتابع "في الواقع فإن هذه الطائرات استهلكت منا الوقت والأمل، فتأخذ وقتا أكثر من وقتنا لنقل جثة واحدة، وكان من الممكن ان تنصب جهود السلطات على إعادة ردم طرقات المنافذ الرئيسية للمدينة حتى تدخل فرق انتشال الجثث، وفرق صيانة الكهرباء وإصلاح شبكة مياه الشرب".
وتابع: "الأسر التي تضررت أو فقدت منازلها تفترش الأرض في العراء على مسطح واسع أمام كلية التقنية الطبية في حي شيحة، منذ ليل البارحة، وهم يحاولون استهلاك ماء الشرب المتوفر لديهم بأقل كميات للحيلولة دون نفاذها، لكن لكم أن تتصوروا كيف ينامون ويعيشون يومهم وروائح الجثث بدأت تصلهم وسيارات نقل الموتى تمر من أمامهم كل لحظة". وأضاف "ما اضطر هذه الأسر للبقاء واقتراش الأرض هو نفاذ الوقود تماماً من سياراتهم الخاصة ما جعلهم عاجزين عن النزوح".