لم تكن عودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة في شمال غربي سورية سهلة بعد كارثة الزلزال، إذ وجدوا فراغات داخل الصفوف تركها أصدقاء لهم توفوا، وكانوا يتشاركون معهم المقاعد ذاتها والأحلام والطعام، ويدرسون ويتنافسون معاً. وهم لن يتذكروا إلا بعض الصور والأطياف عن الراحلين.
في مدرسة العبقري بريف إدلب، تشاركت سهى المندو مع صديقتها الراحلة يمانة الدرويش مكان الجلوس في الصف. واليوم، تكتفي سهى بوضع صورة لصديقتها على الطاولة، وتقول لـ"العربي الجديد": "كنا نجلس على المقعد ذاته، وفراقها أثر علي، وجعل اليوم الأول للعودة خصوصاً صعباً جداً لي ولباقي زميلاتي لأننا لم نجدها معنا، وبدا المكان فارغاً من دونها. كانت يمانة مميزة دائماً، وتتكلم حتى قبل أن يطرح المدرّس الأسئلة. بقيت ذكريات حلمنا بأن ندخل كلية الطب معاً ونتخصص في الجراحة. كنا نتنافس في الصف للحصول على المجموع الأفضل، وكانت تحلم بدخول كلية الطب، وأنا سأواصل هذا الحلم وأهدي نجاحي لها".
وفي تأكيد للخسائر الكبيرة في الكوادر التعليمية والتلاميذ، تشير حكومة "الإنقاذ" المنبثقة عن "هيئة تحرير الشام" إلى أن 421 طالباً و39 من المدرسين والإداريين قتلوا في الزلزال، علماً أن هذا الإحصاء يشمل مناطق نفوذ "هيئة تحرير الشام" فقط شمال غربي سورية، في حين أعلنت "الحكومة السورية المؤقتة" مقتل 44 مدرساً و626 طالباً، وجرح 60 مدرساً و1041 طالباً.
ولم يؤثر فقدان تلاميذ فقط في زملائهم، بل أيضاً في المدرّسين، فالنّظر إلى المقاعد الفارغة يظهر حجم الخسارة والفقدان. ويتحدث مدرّس مادة العلوم العامة في مؤسسة الحكمة التعليمية، حسام الدين الحرّاق، لـ"العربي الجديد"، عن فقدان أحد تلاميذه، ويقول: "ترك رحيل عدنان أثراً كبيراً في نفوس التلاميذ لأنه كان ملتزماً ويشارك ويؤدي واجباته على أكمل وجه".
وتقول المدرّسة رغداء بريس لـ"العربي الجديد": "بدأنا بتنظيم ألعاب ونشاطات ودروس بسيطة للتلاميذ كي يعتادوا على العودة إلى المدرسة في ظل خوفهم الكبير من الدوام، وقد فقدت اثنين من تلاميذي، هما محمد حلاق ومريم حلاق اللذان كانا عزيزين عليّ وحساسين، ولم يضايقاني أبداً. صعُب علي دخول الصف ومواصلة التعليم من دونهما، لكن الإرادة الإلهية اختارت ذلك. نترحم عليهما، ونرجو من الله أن يمنح أهلهما الصبر على غرار كل الأهالي الذين فقدوا أولادهم بسبب الزلزال".
بدورها، تبدي الطفلة لانا عبد القادر ياسين حزنها على رحيل رفيقات في المدرسة، وتقول لـ"العربي الجديد": "عندما عدنا إلى المدرسة في اليوم الأول، افتقدنا رفيقاتنا ريان الأسود وآسيا وشادن أحمد، وكان حزننا كبيراً، رحمة الله عليهن، كنا نحفظ الدروس ونرسم معاً في حصص الفراغ. بكينا كثيراً عليهن، وتذكرنا عندما كنا نلعب ونضحك معاً، والأماكن التي كنا نوجد فيها".
أما الطفل ريان بزاز فيقول لـ"العربي الجديد": "في اليوم الأول لعودتنا في المدرسة، افتقدنا رفاقاً أعزاء كانوا طلاباً مثابرين ومميزين، وبدت المدرسة شبه فارغة برحيل 60 طالباً. كنا أصدقاء أعزاء نأكل ونتشارك السندويشات معاً. رحمهم الله".
كذلك يقول محمد نور إبراهيم من مدينة سلقين لـ"العربي الجديد": "فقدت صديقين كنت أريد أن ألتقي بهما صباح يوم الزلزال كي ندرس ونلعب معاً، والأمر أحزنني جداً، فصورهما لا تفارق عقلي. كنا نلعب كرة القدم ونأكل ونشرب معاً".
ولدى عودة الطفل زكريا أحمد حفار إلى المدرسة، وجد رفاقاً له ماتوا بسبب الزلزال، ولم يبق له إلا ذكريات سيحملها في الأيام القادمة. ويقول لـ"العربي الجديد": "كنا نلعب كرة القدم ونتسابق في الركض، ونتنافس على مقاعد الدراسة في الصف".
أيضاً، يشعر المدرس عمر الحمصي بحزن على فقدان زملاء له. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يكن بعض الراحلين مجرد زملاء في العمل أو أصدقاء عاديين، فقبل أن آتي إلى ريف إدلب مهجّراً من ريف حمص، كان أحمد أخاً لي وليس فقط زميلاً وصديقاً لأننا تخرجنا معاً من الجامعة وواصلنا التدريس معاً لسنوات. واليوم أحتفظ بصور جمعتنا في مناسبات كثيرة، وتبقى ذكراه".
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" وصفت تأثير الزلزال على الأطفال والأسر بأنه "كارثي، لأنه ترك مئات الآلاف من الناس في أوضاع بائسة". وتحدثت عن تضرر أكثر من 7 ملايين طفل من الزلزال، وخسارة عائلات منازلها، ما يجعلها تعيش الآن في مراكز إيواء مؤقتة تشهد ظروفاً صعبة بينها البرد الشديد. وأكدت المنظمة أنها تعمل لضمان تمكين الأطفال من العودة إلى التعليم في أسرع وقت، وستقيّم الأضرار التي لحقت بالمدارس وتجهّز لإجراء تصليحات فورية وإقامة أماكن مؤقتة للتعلّم.