استطاع كريم فايد، البالغ من العمر 35 عاماً، تحقيق الحلم البسيط لزوجته في إجراء رحلة سياحية خارج قطاع غزة بعد زواجهما منذ أكثر من عامين، والذي ترافق مع عيشهما تفاصيل صعبة، خصوصاً انهما تزوجا وحرما من قضاء بداية حياتهما معاً بهناء إثر اندلاع العدوان الإسرائيلي في مايو/ أيار 2021، قبل أن تتتالى الظروف السيئة إثر تضرر منزل والده جزئياً خلال العدوان.
انتظر فايد أكثر من عام خلال فترة الخطوبة لإقامة مراسم زفاف في 11 إبريل/ نيسان 2021، وذلك بسبب تداعيات أزمة كوفيد 19 الصحية، وفقدانه عمه وأفراد في أسرة زوجته. وبعدها كانت والدته مريضة فأرجأ تنفيذ رحلة شهر العسل في مصر حتى أغسطس/ آب الماضي حين زار مع زوجته مدينتي شرم الشيخ ودهب المصريتين، وشاهد البحر النقي كما تريد زوجته، لكنه شعر في الوقت نفسه بحزن شديد لما يعانيه قطاع غزة، فهو يذكر أن القطاع كان يستقبل خلال تسعينيات القرن الماضي، تحديداً بين عامي 1994 و2000، وفوداً أجنبية وسياحاً كانوا يأتون للمرة الأولى. حينها كان والده يعمل في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، أما اليوم فينظر العالم إلى غزة باعتبارها "لا تصلح للعيش".
يقول فايد لـ"العربي الجديد": "أريد مثل غزيين كثيرين اكتشاف مدن العالم والسياحة الخارجية. ولأنني أعمل في البرمجيات استطعت تأمين بعض المال للرحلة، في حين لا يستطيع غزيون آخرون فعل ذلك. والحقيقة أن طعم الحرية جميل خارج قطاع غزة حيث لا نسمع أصوات طائرات الاستطلاع، ولا القصف الإسرائيلي، ونرى الكهرباء والماء حاضرة على مدار الساعة، أما غزة فغير قادرة على تأمين الاحتياجات الأساسية".
وساهم فتح معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بمصر في العامين الماضيين في تخفيف الأزمة التي يعيشها سكان قطاع غزة منذ بدء الحصار الإسرائيلي لها عام 2007، وحدوث الانقسام الفلسطيني الذي شكل حكومتين في الضفة والقطاع الذي انعزل عن المجتمع الدولي. وجعل ذلك الغزيين ينفتحون على تناول أكلات جديدة ولقاء أقارب بعد سنوات طويلة من الانقطاع.
وينقل غزيون تفاصيل جميلة عن تجاربهم الأولى في السياحة الخارجية في مصر وتركيا تحديداً، بعدما باتوا يعيشون تفاصيل رحلاتهم الأولى بعد 15 عاماً من الحرمان بسبب الحصار الإسرائيلي، وذلك رغم عقبات الفقر وتدني المستوى المعيشي. وحرص البعض، خصوصاً أولئك الذين يعملون عن بعد، على اصطحاب زوجاتهم وأبنائهم لعيش أيام جميلة في الخارج قبل العودة إلى غزة.
يقول محمد المصري (32 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إن "استمرار فتح معبر رفح إلى مصر يشجع كثيرين على خوض تجربة السياحة التي شاهدوها كثيراً على التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، وخضت شخصياً تجربة السياحة في يوليو/ تموز الماضي، برفقة زوجتي وأبنائي ووالدتي، وتمتعت بالغوص في المياه، ورؤية كائنات بحرية مختلفة لا أستطيع مشاهدتها في بحر غزة بسبب تقييد مساحة الصيد عموماً".
يُضيف: "قبل عامين فتح معبر رفح لحالات السفر الملحة للمرضى والطلاب، أما اليوم فيستطيع الغزيون السياحة في الخارج وزيارة أسرهم، وقد استطعت مقابلة خالاتي في مصر للمرة الأولى منذ 17 عاماً".
أيضاً ساهم تسهيل حصول الغزيين على فيزا تركية فرصهم في زيارة البلد، خصوصاً في إسطنبول حيث يوجد غزيون كثيرون، لكن في الفترة الأخيرة تعمد كثيرون منهم الحصول على فيزا لتركيا من أجل الإقامة والعمل فيها، أو لاستخدامها كمحطة للهجرة إلى أوروبا.
وبالنسبة إلى آيات الأشقر (28 عاماً)، فهي نفذت رحلة إلى تركيا في يوليو/ تموز الماضي لعلاج والدتها سامية (60 عاماً)، من مرض جلدي، واستغلت هذه الفرصة للتنفيس عنها وعن والدتها عبر زيارة أماكن تاريخية وطبيعية، علماً أنها تعمل طبيبة أسنان في عيادة كبيرة بغزة، وحصلت على إجازة ثلاثة أسابيع للقيام بالرحلة السياحية الخارجية.
وتقول آيات لـ"العربي الجديد": "تنفست مع والدتي طعم الحرية قليلاً، ورأينا جبالاً وحيوانات وطيوراً لا نشاهدها في غزة. كلما استمتعت بمشهد فكرت بعدد الناس في غزة الذين يرغبون في رؤية هذه المناظر لكنهم لا يستطيعون فعل ذلك. ويبقى أكثر شيء جميل هو أنني التقيت مع والدتي فلسطينيين من الداخل والضفة الغربية".
إلى ذلك، خلق معبر فرح فرصاً لعمل شبان غزيين في الترويج للسياحة في مصر وتركيا خصوصاً، من خلال توفير خدمات أساسية، مثل حجز تذاكر طيران ومساعدة سياح في غزة في الوصول والانتقال إلى مطارات تركية عبر مطار القاهرة، وحجز فنادق ووضع برامج سياحية لهم، وهذا ما تتولاه حالياً عدة شركات سياحية، وبعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.