في عيد السودانيين هناك اختلاف حال بين الهموم الأسوأ والأكثر سوءاً، وبين ما يمكن التعامل معه بأي وسيلة متاحة، والمستحيل بالنسبة إلى تنفيذ العادات. وتجعل جملة أسباب احتفال السودانيين بعيد الفطر يختلف عن بقية الأعوام. وهي تبدأ بغلاء احتياجات العيد، ولا تنتهي بحوادث القتل الجماعي في غرب البلاد.
يقول نادر الطيب (45 عاماً)، وهو أب لستة أطفال، لـ"العربي الجديد": "لم أستطع حتى اليوم الأخير من رمضان شراء ولو مجرد ملابس جديدة لأطفالي كي يفرحوا مثل غيرهم، لأن الأسعار غالية جداً، وقد ذهبت إلى أسواق شعبية مثل سوق الخرطوم بحري شمالي العاصمة الذي يقال إن أسعاره أرخص، لكنني وجدت أن المال المتوفر بين يديّ يقل عن سعر الملابس والأحذية المطلوبة".
يضيف الطيب: "اضطررت لطلب المساعدة من أحد أقربائي خارج السودان فأرسل لي مبلغ 10 آلاف جنيه (20 دولاراً) الذي لم يكفِ مع ما أملكه لتأمين ملابس ثلاثة من أطفالي، فقررت عدم التمييز بينهم، والتخلي عن فكرة الشراء نهائياً، وسأبقى مع أطفالي في المنزل، وأصنع لهم الفرح بطريقتي الخاصة".
وفي جولة لـ"العربي الجديد" وسط أسواق الخرطوم الشعبية، اشتكى غالبية المواطنين من غلاء الأسعار. تشرح سوسن عثمان، وهي ربة منزل، في حديثها لـ "العربي الجديد" أن أكثر ما أزعجها هو أسعار ملابس الأطفال، لأنها وجدت أن القطعة الواحدة تتراوح بين 12 و20 ألف جنيه (22 و40 دولاراً) في سوق سعد قشرة الذي اعتادت أن تشتري منه احتياجاتها، و"هذه أسعار خرافية وجنونية، علماً أنني اضطرت كذلك إلى تقليل كمية المعجنات من 10 كيلوغرامات في السنوات السابقة الى 4 كيلوغرامات هذا العام نتيجة الزيادة المرعبة في أسعار الزيت والدقيق وبقية محتويات المعجنات. وتبقى المشكلة الكبرى في المعايدات أن كلفة سيارة أجرة لا تقل عن 4 آلاف جنيه (9 دولارات)، من هنا سيكون الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي أساليب ضرورية للمعايدة".
أما هاجر قسم السيد (38 عاماً) التي اعتادت قضاء إجازة العيد في السنوات السابقة برفقة والدتها بمنطقة كوستي في ولاية النيل الأبيض، حيث تجتمع مع أسرتها الكبيرة وتلتقي صديقات الطفولة، فذكرت لـ"العربي الجديد" أنها قررت عدم الذهاب إلى مدينتها الأم لأن أسعار تذاكر السفر لجميع أفراد أسرتها لا تحتمل، وزاد سعر التذكرة الواحدة من 4 آلاف جنيه (9 دولارات) إلى 7 آلاف (13 دولاراً)، "لذا سيكون الهاتف وسيلتي الوحيدة لمعايدة والدتي وأسرتي الكبيرة، وسأحاول ترتيب قضاء عطلة عيد الأضحى في منطقتي".
واللافت أن هذه الهموم قد لا تساوي شيئاً لمواطني ولاية غرب دارفور (غرب) التي شهدت في الأيام الماضية صراعاً قبلياً دموياً تسبب في مقتل أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من 220 لم يجد بعضهم مستشفيات لتلقي العلاج. ولا يزال الخوف من تجدد أعمال العنف يسيطر على كثير من أرجاء الولاية خاصة مدينة الجنينة ومنطقة كرينك.
ويؤكد المواطن عبد الرحمن محمد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الحزن يسيطر على قلوب كثر في المناطق التي سقط فيها الضحايا، خاصة كرينك التي شكلت بؤرة النزاع الأخير". ويعتبر أن "الإحساس بعدم الأمان يفاقم غياب الفرح، والجميع يتوقع انفجار الأوضاع من جديد في أي لحظة بسبب الحساسيات القبلية وغياب دولة القانون". ويخبر محمد أن الإقبال على احتياجات العيد في مدينة الجنينة ضعيف جداً لأسباب أمنية واقتصادية ومعيشية، خاصة أن الأسعار زادت بنسبة 100 في المائة، وهذا سبب آخر يجعل عيد العام الحالي مختلفاً". ولن يكون الإحساس بالحزن بعيداً أيضاً عن أسر وأقارب وأصدقاء 94 شهيداً سقطوا خلال التظاهرات المناهضة للانقلاب العسكري التي شهدتها الأشهر الستة الماضية. وما يزيد غضب أسر هؤلاء الشهداء أن أي محاكمة لم تحصل، ولم يعتقل أي متهم حتى الآن.
إلى ذلك لا تبدو الأسر السودانية منشغلة كثيراً بالعيد وتفاصيله، بل بأوضاع أبنائها وبناتها الذين سيخضعون للامتحانات بعد العيد مباشرة، وتشمل كل المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية، وبينها أسرة التلميذ أحمد محمود التي قررت اختصار برامج العيد ومعايدة الأسر، لأنها تخشى كما تقول والدته سهير أن يفقد تركيزه أثناء عطلة العيد التي تمتد أسبوعين بالنسبة إليهم. وتقول لـ"العربي الجديد": "غيّرت أسر كثيرة برامجها كلياً خلال العيد بسبب الامتحانات، وأنا أدعو إلى مراجعة التقويم السنوي الحالي الذي عدّل مواعيدها المحددة سابقاً والتي كانت تنتهي قبل شهر رمضان".
ويعدد الباحث الاجتماعي عبد الوهاب بشير التراكمات المعيشية التي يرى أنها ستغير واقع العيد في السودان، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "بعد الانقلاب العسكري الأخير في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصبحت الأوضاع أكثر صعوبة، وارتفعت كل الأسعار في شكل خرافي، وتوقف برنامج ثمرات الذي كان يساعد بعض الأسر على مواجهة مصاعب الحياة، كما تضاعفت أسعار الكهرباء بنسبة 500 في المائة، والوقود الذي صعّب تنقل المواطنين في الداخل".
يتابع بشير: "ظهر تأثير هذه التغيّرات جلياً في معدل استهلاك الأسر خلال شهر رمضان، والذي تقلص بنسبة لا تقل عن 50 في المائة، ومن الطبيعي بالتالي أن يمتد ذلك إلى مستلزمات العيد، علماً أن الكبار امتنعوا عن شراء احتياجات خاصة بهم للاهتمام بالأطفال في شكل كامل. وشخصياً كنت أشتري 3 قطع لباس للكل من أطفالي، أما هذا العام فسأكتفي بقطعة واحدة لكل منهم. ونطبق إجراء الاقتصاد في الإنفاق ذاته على المعجنات التي سنكتفي بصنف واحد منها بدلاً من ثلاثة، وسنمتنع تماماً عن الحلوى لأننا وجدنا أن أقل شيء يمكن شراءه يحتاج إلى 4 آلاف جنيه (9 دولارات) على الأقل. ويحذّر بشير من تفاقم الأوضاع المعيشية بعد العيد مباشرة لأن الأسر ستجد نفسها صرفت كل ما لديها لشراء احتياجات العيد، وستدخل بعده في دوامة إيجارات المنازل وفواتير الدواء التي ترهق الميزانيات.