ينتظر آلاف الغزيّين إعادة فتح السلطات المصرية معبر رفح الحدودي البري (يقع عند مدينة رفح بين قطاع غزة في فلسطين وشبه جزيرة سيناء في مصر)، ليتمكنوا من العودة إلى قطاع غزة مجدداً، في وقت يعيش جزء من العالقين معاناة إنسانية في محافظة شمال سيناء منذ يوم الأحد الماضي، بعدما حال القرار المفاجئ لإغلاق المعبر دون عودتهم إلى بيوتهم، على الرغم من أن قوات الجيش المصري سمحت لهم بالوصول إلى مدينتي العريش والشيخ زويد، وهما أقرب مدينتين إلى معبر رفح، بحسب منظومة السفر التي تستدعي قضاء ليلتين على الطريق، إحداهما في "معدية الفردان" المخصصة لعبور قناة السويس في اتجاه سيناء، والأخرى في العريش، وسط غياب تام للمعلومات من قبل السلطات المصرية حول أسباب إغلاق المعبر، أو حتى موعد إعادة فتحه.
ويقول أحد مديري مكاتب السياحة والنقل عبر معبر رفح لـ "العربي الجديد"، إن مئات المسافرين الفلسطينيين يمكثون في مدينتي العريش والشيخ زويد، وأطراف مدينة رفح، في انتظار قرار فتح المعبر كي يصلوا إلى بيوتهم، حيث لا يفصلهم عن المعبر سوى بضعة كيلومترات، ولم يكن قرار الإغلاق في حسبانهم، وقد جاء بشكل مفاجئ للجميع. يضيف أن هؤلاء المسافرين يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة، وخصوصاً المرضى وكبار السن والأطفال والنساء، في ظل عدم توفر مأوى يجمعهم بعدما نفدت المبالغ المالية التي كانت في حوزتهم، وعدم وضع إغلاق المعبر في الحسبان، ما يستدعي تحركاً مصرياً لإنهاء معاناتهم من خلال السماح لهم بالمرور عبر المعبر في اتجاه غزة في أقرب وقت ممكن، أو توفير مساكن مؤقتة لهم إلى حين انتهاء الأزمة القائمة.
يضيف: "لولا شهامة وكرم أهالي شمال سيناء، لبات العالقون الفلسطينيون على الطرقات، بسبب عدم قدرة غالبيتهم على السكن في فنادق العريش. وفتحت عشرات الأسر المصرية منازلها للفلسطينيين، ووفرت لهم كل الاحتياجات الأساسية من مسكن ومشرب ومأكل. وفي بعض المناطق،، فتحت العائلات الكبيرة دواوينها للرجال الفلسطينيين كي يجلسوا فيها إلى حين انتهاء المحنة، فيما استقبلت عائلات أخرى أسراً بكاملها، وأعدت الطعام بشكل جماعي للعالقين، وطمأنتهم بالوقوف إلى جانبهم حتى انتهاء الأزمة". في المقابل، غابت المؤسسات المصرية الرسمية وتلك الخيرية عن رعاية العالقين المتواجدين في سيناء، واقتصر الأمر على المواطنين بجهود ذاتية، وسط ترحيب بالغ من الفلسطينيين".
ويقول الحاج أبو أحمد لـ "العربي الجديد"، والذي يمكث في منزل عائلة الحمايدة، إحدى أكبر العائلات في مدينة الشيخ زويد، لـ "العربي الجديد": "نحن ممتنون لأشقائنا المصريين على حفاوة الاستقبال والضيافة والاحترام الذي أظهروه لنا في هذه المحنة التي لم تكن في الحسبان. سافرت وزوجتي في رحلة علاج إلى مصر. وبعد وصولنا إلى الشيخ زويد مساء الأحد الماضي على أن نتوجه إلى المعبر صباح اليوم الذي يليه، نشر نبأ إغلاق المعبر من قبل السلطات المصرية، وتوقعنا أن يكون الإغلاق المفاجئ ليوم أو اثنين على أبعد تقدير، لأنها سابقة لم تحدث منذ سنوات، أن يغلق المعبر من دون إعلان مسبق. لكن ما خفّف وطأة القرار أننا وجدنا هذين الود والاحترام من عائلات سيناء، ونتمنى ألا تطول الأزمة كي لا نثقل عليهم".
ويكشف مصدر مسؤول في معبر رفح لـ "العربي الجديد"، عن "قرار سيادي مصري بإغلاق المعبر بدءاً من يوم الإثنين الماضي وحتى إشعار آخر"، مشيراً إلى أنه جرى إبلاغ الجانب الفلسطيني بالقرار الصادر. يضيف أن حركة السفر والوصول عبر المعبر ستتوقف بشكل كامل، من دون وجود موعد لإعادة العمل مجدداً. وفي وقت لاحق، تبين أن القرار يشمل البوابة التجارية في المعبر والتي تمد قطاع غزة بالمواد الغذائية والأدوية والمواشي والمحروقات.
ويأتي القرار المصري على خلفيّة قرار الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة التصعيد الميداني ضد الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود الفاصلة بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، مع الإشارة إلى أن السلطات المصرية فتحت المنفذ بشكل كامل منذ عام 2017 في ضوء توافق وتفاهمات بين حركة "حماس" وجهاز المخابرات العامة.
في هذا الوقت، تقول مصادر مصرية خاصة لـ "العربي الجديد" إنّ المسؤولين في جهاز المخابرات العامة وجهوا تحذيرات شديدة اللهجة لقيادة حركة حماس في قطاع غزة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها السياج الحدودي مع الأراضي المحتلة، السبت الماضي، خلال إحياء ذكرى إحراق المسجد الأقصى.
تضيف أن الرسالة جاءت مصحوبة بقرار تعليق العمل بمعبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة حتى إشعار آخر، وذلك بعد إخلال حماس باتفاق سابق مع المسؤولين في الجهاز بالسيطرة الكاملة على الفعالية التي دعت لتنفيذها مطلع الأسبوع بالتنسيق مع باقي الفصائل في القطاع. وتقول: "كان هناك اتفاق بين المسؤولين في جهاز المخابرات العامة المصرية، وقيادة حماس بشأن السيطرة الكاملة على المتظاهرين، وعدم الاقتراب من الجدار الفاصل أو الاحتكاك بقوات الاحتلال، والالتزام بالتظاهر السلمي فقط، وذلك قبل أن تخرج الأحداث عن السيطرة، ما أدى إلى سقوط عشرات الإصابات في صفوف الفلسطينيين، في وقت أصيب جندي إسرائيلي بجروح خطيرة من جراء إطلاق النار عليه، الأمر الذي تسبب بحرج للقاهرة أمام الجانب الإسرائيلي، بعدما كانت القاهرة قدمت له ضمانات بمرور تلك الفعاليات بسلام".