تشهد مدن الدنمارك التي يعيش فيها نحو 30 ألفاً من الفلسطينيين، هذه الأيام، نشاطات وفعاليات فلسطينية متعددة تمتد طيلة الأسبوع، إحياءً للذكرى الـ74 للنكبة، وبمشاركة متضامنين دنماركيين، بالإضافة إلى مهرجان السينما الفلسطينية الذي تحتضنه مدينة آرهوس (وسط غرب)، الخميس المقبل.
وتتواصل في العاصمة كوبنهاغن وآرهوس، منذ أمس الأحد واليوم، مسيرات لإحياء ذكرى النكبة وتنديداً بممارسات الاحتلال في حق الفلسطينيين، وذلك بمشاركة أبناء الجالية الفلسطينية والمغتربين العرب والمتضامنين الدنماركيين.
وهتف المشاركون في المسيرات لحرية فلسطين ونددوا باغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة، مشددين على وجوب مقاطعة دولة الاحتلال، وهو أيضا ما ذهبت إليه معظم الكلمات التي ألقيت في الفعاليات بما فيها الدنماركية من مختلف الاتجاهات السياسية والفعاليات التضامنية، وخصوصا بتسليط الضوء على بروز ممارسات الأبرتهايد (الفصل العنصري)، ومقارنتها بتلك التي سادت في جنوب أفريقيا سابقا.
غياب العدالة وتمسك بالهوية
أهمية كبيرة يوليها فلسطينيو الدنمارك لعودة أنشطتهم بعد جائحة كورونا، وخصوصا "مشاركة الصغار واليافعين في ذكرى النكبة الفلسطينية"، كما يذكر أكرم الأشوح، الذي حضر رفقة صغاره الذين اتشحوا بالكوفية الفلسطينية. وأكد الأشوح أن ذكرى النكبة تعتبر "أهم مناسبة لتذكير الأجيال الفلسطينية المتعاقبة بأساس القضية الفلسطينية وغياب العدالة في فلسطين والمنطقة العربية".
ويعتبر الشاب الذي ولد لاجئا فلسطينيا ويتحدر من الكابري، قضاء عكا، أن "إصرار الفلسطينيين بعد عقود على حقهم هو الذي جعل الأجيال الجديدة تتمسك بهويتها، وإن ولدوا في المهاجر الغربية".
وتوافدت إلى فعاليات إحياء ذكرى النكبة أسر بأكملها، بمن فيها الجيل الثاني الذي ولد في البلد، وولد أطفاله فيه، للمشاركة في الأنشطة التي هيمن عليها العلم الفلسطيني، وصور شيرين أبو عاقلة.
وتؤكد مرشحة البرلمان الدنماركي فيبكا غينيفكا أن مشاركتها مع غيرها من الدنماركيين في إحياء ذكرى النكبة، ورفعها صورة أبو عاقلة، تأتي بالأساس على خلفية "الإحساس بالعدالة ولرفع الاضطهاد عن الشعب الفسطيني، ولتذكير السياسيين بأن ازدواجية المعايير يجب أن تتوقف، فنحن أمام استفحال لنظام الأربتهايد، وقتل شيرين أبو عاقلة والاعتداء على جنازتها مثّلا ربما تذكيرا إضافيا بتعمق الفصل العنصري".
ويوضح الناشط الفلسطيني وليد ظاهر أنّ ذكرى النكبة تعتبر مهمة في الذاكرة الجماعية للمجتمع الفلسطيني أينما كان، ويتابع "أنا من بلدة السموعي، قضاء صفد، وهذا ما ورثه أبنائي الذين ولدوا هنا، مثلما ورثناه نحن عن أهالينا، فلا يهم أين هو الشتات، المهم أن تبقى الهوية حاضرة".
غير بعيد عن ذلك، تذكر الشابة أميرة، المولودة لأب فلسطيني وأم دنماركية، أن "تعرُّف الفلسطيني المولود في أوروبا على هويته الأصلية مهمّ جدا لتعريف الآخرين بنظام أبرتهايد وبالقضية الفلسطينية". وبالنسبة لهذه الشابة فلا تجد، كغيرها من أبناء جيلها، تعارضا بين الهويتين الدنماركية والفلسطينية، فالقصة "تدور حول مغزى الحق والعدالة، فقد كبرت مع جيلي وفي الخلفية صورة وصوت شيرين أبو عاقلة وجيفارا البديري، وبالتالي يسهل علينا مخاطبة الجيل الذي يشبهنا من الدنماركيين لفهم ما نعنيه بدول الأبرتهايد وإبقاء اضطهاد الفلسطينيين ومنعهم من حقوقهم التاريخية".
بالنسبة لأحمد جلال كعوش، وهو ابن ميرون، قضاء صفد، فإن مشاركته مع أطفاله في إحياء ذكرى النكبة "تذكير آخر للمحتلين وللعالم: لن ينسى الفلسطينيون، جيلا وراء جيل، حقهم، مهما بدا الأفق سوداوياً، سنبقى نورث حقنا للأبناء والأحفاد". أحمد هو ابن شهيد وولد في مخيم عين الحلوة، قرب صيدا اللبنانية، يرى أنه رغم مرور عقود على الاحتلال والاضطهاد والقتل والتهجير "فقد خاب هؤلاء الذين ظنوا أن أهالينا سيبكون النكبة ونحن سننسى، فلينظروا جيدا في وجوه الصغار والشباب الذين ولدوا في الغرب، يؤكدون على ما ورثوه من حق في فلسطين، ليدركوا أن آمال الصهاينة الأوائل تنتهي حتى بفعاليات بعيدة آلاف الكيلومترات عن أرض الوطن التاريخي لشعبنا".
وشددت مرشحة البرلمان الدنماركي عن حزب "الخضر الحر" كارينا دامبمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن "عنف واضطهاد الاحتلال الإسرائيلي واستمرار احتلال فلسطين يجب أن يقابل في الغرب بمستوى مواقفه نفسها من الغزو الروسي لأوكرانيا". وأكدت دامبمان على أن "ذكرى النكبة وقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة تذكير آخر للسياسيين في الدنمارك لاتخاذ موقف حاسم حيال تشكل دولة الأبرتهايد في فلسطين".
وعي متزايد
وفي الاتجاه ذاته، أوضح عضو المجلس البلدي لمدينة آرهوس المنتخب، مفوض الشؤون الثقافية فيها ربيع الزحمد (من أصول فلسطينية)، أنّ "وعيا متزايدا بات ينتشر عن حقيقة وعمق دولة الأبرتهايد في فلسطين، ليس فقط على مستوى السياسيين، بل هذا ما يمكن ملاحظته في المجتمع الدنماركي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام والصحافة".
يذكر أن الدنمارك شهدت تفاعلا كبيراً إثر اغتيال شيرين أبو عاقلة بمواقف سياسية وعلى وسائل التواصل، وذهبت في معظمها إلى التعبير عن "الصدمة" والإدانة لعنف الاحتلال.
وعزّز مشهد الاعتداء على الجنازة من دعوات يسارية للاعتراف بدولة فلسطين. وأكدت الدنمارك في نهاية الأسبوع الماضي على موقف رسمي يرفض سياسة الاستيطان الجديدة التي أقرتها حكومة الاحتلال، وتغلب على معظم المواقف المتعلقة بفلسطين، مع توالي انتشار أخبارها والفعاليات الفلسطينية، بعض المقاربات التي تعج بها الصحف ووسائل التواصل عن ازدواجية الموقف من قضية فلسطين والقضية الأوكرانية.