تتعلق أنظار وقلوب الفلسطينيين المغتربين في المغرب بالأخبار القادمة من قطاع غزة، يحاصرهم القلق والخوف على مصير أهلهم، وزادت المأساة بعد انقطاع الاتصالات، لتتحول حياتهم اليومية إلى عذاب متواصل.
يعيش الشاعر الفلسطيني مهند ذويب منذ سنوات في مدينة طنجة (شمال)، وهو يتابع، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، ما يتعرض له إخوة الدم في قطاع غزة من جرائم إبادة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
يقول ذويب لـ"العربي الجديد": "يكاد الفلسطيني، وكل من لديه ضمير وإنسانية في العالم، أن يفقدَ عقله واتزانه من جراء استمرار هذا العدوان الوحشي، وقد انهارت كل شعارات حقوق الإنسان، واختفى القانون الدولي وقوانين حقوق الأطفال ليصبح العدوان حق دفاع عن النفس، وباتت المقاومة الباسلة تصنف إرهاباً. رغم أننا كما يقول مريد البرغوثي: لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق، لكننا وجدنا أنفسنا مضطرون للمشاركة في نقاشات لتوضيح أن ما جرى في (طوفان الأقصى) هو نتيجة طبيعية لاستمرار الاحتلال وانتهاكاته وحصاره. انفجر الفلسطينيون في وجه الاحتلال عشرات المرات، لكن العالم لم يصل بعد إلى قناعة بأن عليه إنهاء الاحتلال. الأسهل أن يسأل: هل تدين ما تفعله المقاومة؟".
يضيف: "شهدنا في هذا العدوان كل شيء حرفياً، شاهدنا الآباء يحملون أطفالهم المتفحمين، وشاهدنا الضحايا مضطرين لإثبات عدد شهدائهم لأن العالم لا يصدق، وشاهدنا قصف المستشفيات، وكذب الاحتلال المتكرر وبطريقة غير متقنة. شاهدنا كل الجرائم التي يمكن أن تبقي الإنسانيّة في عارٍ إلى الأبد. لم يعد الإنسان يعرف ما هو التصرف الأكثر وحشية من بين كل ما يجري. بكينا آلاف المرات على مقاطع لأطفال أو نساء أو شيوخ، وعلى مشاهد وأصوات يستحيل أن تزول من ذاكرتنا. من المشاهد التي وقفت طويلًا أمامها، مشهد أم فلسطينية جالسة أمام أكثر من 35 جثماناً. لا يفارق بالي أيضا الطفلة التي بُترت أطرافها من دون تخدير. هذه المشاهد التي تهز عرش الرحمن لم تحرك ساكناً في العالم الذي يكتفي بإدانة خجولة".
بدورها، تقول الفلسطينية براءة الشيخ، التي وصلت من قطاع غزة إلى العاصمة المغربية الرباط قبل ست سنوات، لـ"العربي الجديد": "شعور صعب أن تجد نفسك غير قادر على التواصل مع الأهل لمعرفة مصيرهم في حمأة القصف الإسرائيلي والمجازر التي ترتكب بحق المدنيين من جراء انقطاع التواصل مع القطاع. لا تمر الأيام بسهولة في ظل القلق الدائم. الحل الوحيد هو متابعة القنوات الفضائية، وقنوات الصحافيين والناشطين في قطاع غزة عبر تطبيق تليغرام".
من جهته، يقول طبيب الأسنان الغزاوي أمير قديح، المقيم في مدينة وجدة (شرق)، لـ"العربي الجديد": "أتابع ما يجري من جرائم حرب في قطاع غزة بقلب ممزق، وبخوف كبير على أهلي وشعبي. قلوبنا مليئة بالحزن والخوف، وفي نفس الوقت، نفخر بصمود شعبنا ومقاومته، ويحق لكل فلسطيني أن يفتخر بالمقاومة. نتابع الإعلام، ونصدم من هول الأكاذيب حول قضيتنا وصمود شعبنا، لكننا على يقين بأن عدالة قضيتنا وصمود أهلها يغلبان كل محاولات طمسها والالتفاف عليها. أهلنا ليسوا عالقين في القطاع، بل صامدين فوق أرضهم، ويرفضون النزوح أو التهجير".
لكن أصعب اللحظات التي يعيشها الطبيب الفلسطيني المغترب خلال العدوان الإسرائيلي على غزة هي أوقات انقطاع الاتصالات. يقول: "أنا على يقين بأنهم في رعاية خالقهم الذي هو أحن عليهم منا ويحفهم برعايته، وأدرك أنهم في أوقات القصف الهمجي والعشوائي يرددون الشهادة وتصبير أنفسهم بآيات القرآن".
يضيف قديح: "إخوتنا المغاربة يقاسموننا همومنا، ويشاركوننا مشاعرنا، وقد خرجوا إلى الشوارع أفواجاً مثل كل أحرار العالم للتنديد بما يجري من جرائم في حق الإنسانية، لأنهم تربوا على حب فلسطين، والقضية الفلسطينية متربعة في قلوبهم".
وتقول براءة الشيخ إنها لامست حجم الدعم من أصدقائها المغاربة، مضيفة: "رأينا دعمهم للقضية، ورفضهم من خلال التظاهرات والوقفات الاحتجاجية لكل ما يقع في فلسطين".
ويؤكد ذويب: "مثل غالبيّة الشعوب الحرّة، كان موقف الشّارع المغربي واضحاً، ونظمت تظاهرات في مدن مغربيّة عدة دعماً للحق الفلسطيني، ورفضاً للعدوان على غزة، والتنديد بما يتعرض له الشعب الفلسطينيّ من إبادة، ومحاولات تهجير. لا يمكن للشعوب العربيّة أن تتجاهل دماء الفلسطينيين، فالقضية الفلسطينيّة قضيتهم أيضاً، وإحدى القضايا الوطنية الأساسية التي تربّوا عليها. رأينا الكثير من مظاهر التضامن، ولعل أبرزها حملات المقاطعة لمنتجات الشركات الداعمة للاحتلال، وكلّ إنسانٍ مسؤول بقدرِ استطاعته على نُصرة فلسطين حتى يحصل أطفالنا على حريتهم أسوة بكل أطفال الدنيا".