- أحمد الجمالي، الذي فقد منزله ومحله بغزة، وصل إلى القاهرة بعد بيع مصوغات عائلته، يواجه تحديات في إعادة بناء حياته بمصر. عائلة أحمد عابد، بفضل الجنسية المصرية للأم، تعيش بالزقازيق وتواجه تحديات مماثلة.
- حوالي 70 ألف غزي غادروا إلى مصر بحثاً عن الأمان وفرص جديدة خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، يواجهون تحديات في العثور على عمل والتكيف، معتمدين على مساعدات من جمعيات خيرية والسفارة الفلسطينية.
يجتمع أفراد عدد من العائلات الفلسطينية التي تنتمي إلى قطاع غزة في عدد من المقاهي الشعبية بالعاصمة المصرية القاهرة، غالبيتهم من الشبان، وهم يتقابلون بصورة شبه يومية لأهداف متعددة من بينها اطمئنان بعضهم على بعض، وربما مواساة بعضهم، فضلاً عن تبادل أخبار من تبقى من أسرهم في القطاع.
استطاع عدد من هؤلاء مغادرة غزة أثناء العدوان الإسرائيلي المتواصل، وذلك من خلال معبر رفح البري، بعد تأمين الأموال اللازمة لما يطلق عليه "التنسيق الأمني"، حين كان بعضهم موجودين في مصر قبل بدء العدوان لأغراض متباينة منها الدراسة او العلاج أو العمل، ومنهم من كان ينتظر دوره للعودة إلى غزة، لكن لم يتمكن من ذلك بسبب الحرب، وآخرون يعيشون في مصر منذ فترة، أو لديهم أقارب مصريون.
دمر جيش الاحتلال منزل عائلة أحمد الجمالي (36 سنة) في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، كما خسر محله التجاري الذي كان يتكسب منه عبر صيانة وبيع قطع غيار أجهزة الحاسب كونه خريج تكنولوجيا معلومات، ولم يجد مثل كثيرين فرصة عمل في ظل ظروف قطاع غزة المتردية بسبب سنوات الحصار الطويلة.
نزح الجمالي خمس مرات أثناء العدوان، واضطرت والدته وزوجته إلى بيع مصوغاتهم الخاصة من أجل تأمين أموال السفر، ودفع مبالغ التنسيق الأمني، وقد استطاعوا السفر في نهاية فبراير/شباط الماضي، ووصل إلى حي مدينة نصر بالقاهرة، وهو يقيم حالياً في شقة بالإيجار في منطقة يوجد فيها كثير من الفلسطينيين، لكنه لا يزال يبحث عن وسيلة لبداية حياته من جديد في مصر.
استشهد عدد من أفراد عائلة الجمالي، من بينهم شقيقه مؤمن (30 سنة)، ونجا هو وزوجته وابنتاه ووالدته عدة مرات من القصف الإسرائيلي، ويقول لـ"العربي الجديد": "ما زلت أحاول الاستفاقة من الصدمة التي واجهتها خلال العدوان، وقد كان الخيار الوحيد للنجاة هو المغادرة إلى مصر، ورغم أن ذلك تطلب الكثير من التكلفة، إلا أننا قررنا المغادرة، وحالياً بدأت صعوبات التكيف مع البقاء في مصر، فالمصريون أنفسهم يواجهون صعوبات في الحصول على فرصة عمل".
يتوجه غالبية من يغادرون قطاع غزة إلى القاهرة أو الجيزة أو الشرقية
يضيف: "قررنا أن نستقر في مصر حالياً لأننا نحمل جواز سفر لا يمنحنا حق السفر إلى أي مكان، حتى لو أردنا السفر إلى الأردن التي يعيش فيها أخوالي، فإننا سنحتاج إلى موافقة أمنية تسمى (عدم ممانعة)، وقد خسرت منزلي، ومشروعي التجاري، وكنت أشعر بأن الموت قريب مني بعد استشهاد شقيقي وعدد من أفراد عائلتي، لذا قررت المغادرة. الشعب المصري ودود، ويتعامل معنا بترحاب، ولدينا بعض الأقارب هنا، لكن الظروف الاقتصادية صعبة، رغم ذلك لا نفكر في العودة إلى غزة حالياً، فكل شيء مدمر، والحياة شبه متوقفة، وقد التقيت عدداً كبيراً من الغزيين الذين يعيشون حالتي نفسها، وكلنا هربنا من الحرب ولا نملك إلا القليل من المال الذي قد يكفينا لبضعة أشهر، وقد قررت مثل كثيرين أن نبدأ البحث عن عمل".
وبدأ عدد كبير من الغزيين أصحاب التخصصات المختلفة البحث عن فرص عمل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينهم متخصصون في التكنولوجيا وفي التعليم وممرضون ومحاسبون، وتمكن عدد منهم من إجراء مقابلات عمل مع مؤسسات وشركات مصرية عبرت عن تضامنها الشديد معهم.
ولا يملك العدد الأكبر من فلسطينيي غزة الذين يوجدون في مصر مصدر دخل ثابتاً، والموظفون منهم لا يملكون طريقة لضمان رواتبهم بعد انهيار الاقتصاد المحلي في قطاع غزة، وإغلاق البنوك ومكاتب تحويل الأموال، وقررت نسبة كبيرة منهم البدء من الصفر في مصر، رغم أن بعضهم كانت لديه أعماله المستقرة.
تحمل والدة الفلسطيني أحمد عابد (34 سنة) الجنسية المصرية، وبعد استشهاد زوجها وابنتها، قررت المغادرة إلى مصر مع أسرتها، وبعد مناشدات عديدة للسلطات المصرية، استطاعت العائلة المكونة من 5 أفراد السفر، وتوجهوا إلى أقاربهم في مدينة الزقازيق شرقي مصر، وهم يبقون هناك في الوقت الحالي.
ما يحزن عابد أن من استطاعوا مغادرة قطاع غزة هم المقتدرون فقط، الذين تمكنوا من دفع مبالغ التنسيقات، وعائلته تمكنت من السفر بعد دفع مبلغ مخفض نظراً إلى أن والدته مصرية الأصل، لكنه رغم ذلك اضطر إلى بيع مصوغات زوجته وبعض ممتلكاتهم لتوفير هذا المال. يقول لـ"العربي الجديد": "كنا نريد الاستراحة من الحرب، وسافرنا إلى مصر لأن خياراتنا محدودة، ولا نستطيع السفر إلى بلاد أخرى، وما يحزنني أنني تمكنت من المغادرة بينما بقية أصدقائي وجيراني لم يتمكنوا من ذلك لأنهم لا يملكون المال. بدأنا نتعافى بمرور الوقت، والشعب المصري متضامن معنا، وكثيرون يأتون لزيارتنا من دون أن تكون لهم سابق معرفة بنا. مصر بلدنا الثاني، لكن مصيرنا مجهول، ولا نعرف ما الذي يخبئه لنا المستقبل".
يضيف: "الغزيون مرتبطون بمصر كثيراً، وكثير من أفراد عائلتي تزوجوا مصريات بحكم التقارب الجغرافي، لكننا لا نعرف كيف سنعيش هنا، وكيف نبدأ. غزة مدمرة، وتحتاج إلى سنوات حتى تعود إلى ما كانت قبل العدوان، وغالبية من خرجوا مصيرهم غامض. نحاول أن نبدأ حياتنا من جديد، وسأحاول البحث عن عمل كي نعيش".
ويشير مصدر من وزارة الداخلية في غزة يعمل في إدارة معبر رفح إلى أن نحو 70 ألف مواطن غادروا قطاع غزة خلال الشهور الخمسة الأخيرة، والتي شهد المعبر فيها حركة مرور شبه منتظمة، بحيث كان يعمل لخمسة أيام في الأسبوع، وغادرت فئات مختلفة من بينهم حاملو الجنسية المصرية والجنسيات الأخرى، بينما يتراوح متوسط عدد أصحاب التنسيقات الأمنية ما بين 100 و250 مسافراً يومياً.
ويشدد المصدر على أنه يتم التدقيق الأمني من الجانب المصري على سجل المرضى الذي يضم يومياً أرقاماً تتراوح بين 30 إلى 50 جريحاً، وأنه بناءً على أغراض السفر المسجلة لدى معبر رفح، فإن نسبة 80 في المائة من المغادرين لديهم أقارب في مصر، أو سينتقلون منها إلى بلاد أخرى لديهم فيها أقارب، لكن تقديراً، فإن قرابة 50 ألف مواطن غادروا قطاع غزة للبقاء في مصر منذ بداية العدوان.
يتراوح عدد حاملي التنسيق الأمني ما بين 100 و250 مسافراً يومياً
ويسكن الغزيون في مناطق ومحافظات مصرية مختلفة بناءً على إمكانياتهم المادية، أو وجود أقارب أو أصدقاء لهم فيها، لكن الغالبية توجهوا إلى القاهرة والجيزة، وإلى محافظة الشرقية، علماً أن مصر تضم نحو مليون فلسطيني بحسب أرقام غير رسمية، وبعضهم يعيشون فيها منذ عشرات السنين، ومنهم من يحمل وثائق سفر مخصصة للاجئين الفلسطينيين.
في حي فيصل بمحافظة الجيزة، يعيش عدد كبير من سكان مدينة غزة الذين تمكنوا من مغادرة القطاع إلى مصر، وتعتبر المنطقة من أكثر مناطق العاصمة المصرية ازدحاماً وحيوية، وتتوفر في شوارعها الفرعية منازل للإيجار بقيمة تتوافق مع الأموال التي يملكها الغزّيون.
كانت أسماء أبو زكي (40 سنة) تملك متجراً لبيع ملابس الأطفال في سوق الشجاعية، وكانت تعمل فيه مع زوجها المقعد بسبب إصابة في عدوان عام 2014، وقد توجها إلى مصر بعد الحرب، وبدأت رحلة علاج زوجها الذي أصيب مجدداً في مكان الإصابة السابقة نفسها.
تقول أبو زكي لـ"العربي الجديد": "جواز السفر الفلسطيني لا يمنحنا حرية التنقل، ولا يتيح لنا دخول بعض البلدان. سبق أن سافرت إلى عدد من الدول العربية، وهناك تعرضت لأسئلة أمنية لكوني فلسطينية من غزة، وفي بعض الدول تم تقييد حركتي، ولم يكن أمامي سوى مصر التي تقبل دخول الغزيين وفق إقامة لمدة 45 يوماً، وفي وقت الحرب يسمح لنا بالبقاء لمدة مفتوحة".
تتابع: "سافرت عدة مرات إلى دول عربية خلال رحلة علاج زوجي، وكذلك مع والدتي، ومصر هي البلد الوحيد الذي يمكن أن نبقى فيه لفترة طويلة، لكن البلد يعاني صعوبات اقتصادية، والاستقرار فيها يعني أننا سنكون فقراء مثل بقية المصريين الفقراء، لذا أفكر في مشروع تجاري يتلاءم مع طبيعة السوق المصرية، فنحن نحتاج إلى المال كي نعيش، ونسكن في منزل بالإيجار، ولا أستطيع تأمين المال اللازم للبقاء هنا إلا بالعمل".
ويتلقى الغزيون في مصر مساعدات عينية وطروداً غذائية عبر مبادرات اجتماعية وجمعيات خيرية، كما منحت السفارة الفلسطينية في القاهرة بعض العائلات مساعدات مالية تقدر بنحو 70 دولاراً لكل عائلة.