تتّجه أنظار اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى فلسطين المنتفضة والجريحة، وكذلك إلى الحدود اللبنانية-الفلسطينية التي تفصلهم عن الوطن. وهم، أينما وُجدوا في المخيّمات وخارجها، ينشدون العودة القريبة إلى أرضهم الأصلية، فيما يأملون فتح الحدود أمامهم للالتحاق بالمقاومة المدنية الشعبية ومساندة أهلهم في وجه الاحتلال الإسرائيلي وما يقترفه في حقّ المدنيين من إجرام وتعدّيات سافرة.
في مخيّم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، تسترجع اللاجئة الفلسطينية الخمسينية خلود الحسين قصص الأجداد والآباء وتحكي عن تاريخ عابق برائحة الوطن عندما يسأل حفيدها ابن الأعوام الأربعة عن العَلم الفلسطيني المرفوع على شرفة منزلها. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "سؤال حفيدي الصغير أتى عفوياً، لكنّه استحضر معاني كثيرة ومعاناة وآلاماً. فردّت عمّته، ساردة له بشكل مبسّط يتناسب مع براءته، قصة عَلم وطننا واستباحة الإسرائيليّين لأرضنا وتهجيرنا من مدننا وقرانا". وعن موقفها من المعارك الدائرة في فلسطين، تقول: "هذه أرضنا وقدسنا وأقصانا. إنّها مُلكنا ومُلك كل العرب والمسلمين والمسيحيين. حبّذا لو يفتحوا لنا الحدود في الجنوب اللبناني لنتوجّه فوراً إلى فلسطين، فلا يقتصر دعمنا على التظاهرات والتحركات الشعبية". وتصرّ على توجيه "رسالة إلى شعبنا الأبي" تدعو فيها إلى "الصبر والاتحاد والثبات على موقفنا الموحّد والمقاومة حتى استرجاع الأرض".
من جهته، يدعو حسن بكري، وهو لاجئ فلسطيني في المخيّم ذاته، "الشعوب العربية والإسلامية إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني. فنحن أصحاب قضية ووطن ومقدّسات وأصحاب أرض محتلة... نحن أبناء ثورة. وهذه القضية وعدالتها السماوية والأخلاقية والإنسانية تتطلّب من كل الدول والأحرار والشرفاء حول العالم أن يهبّوا لنصرة أقصانا وأقصى المسلمين". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "أهل غزة اليوم يتعرّضون إلى حرب بكل ما للكلمة من معنى، وهذه الحرب أعددنا لها العدّة منذ سنواتٍ طويلة. فأراضينا محتلة، ومن حقّ أيّ شعب أرضه محتلة أن يثور ويحرّرها. كذلك فإنّ ما حصل في حي الشيخ جرّاح اعتداء، تماماً كما الاعتداء على القدس وعلى غزة، وعلى التين والزيتون والهواء والمياه وكلّ مواردنا الطبيعية. وهذا ليس بجديدٍ على الكيان الصهيوني المحتل. إنّها معركة طويلة حتى العودة واستعادة الحقوق".
بفخر، تتحدّث اللاجئة الفلسطينية دلال شحرور، من مخيّم البداوي في شمال لبنان، عن "المقاومة الفلسطينية الشعبية التي أعادت لنا عزّتنا وكرامتنا وأعادت قضيّتنا إلى الواجهة، فأعادت بالتالي تصويب البوصلة". تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "شعورنا اليوم ممزوجٌ ما بين فرح بالانتصارات التي تتحقّق على أرض فلسطين من جهة، وحزن، إذ إنّنا مكبّلون في المخيّمات وغير قادرين على الانضمام إلى أهلنا وشعبنا والالتحام معهم في هذه المعركة التاريخية. هم يسطّرون ملاحم بطولية".
دلال هي ابنة شهيد وناشطة اجتماعية وحقوقية. تطالب بفتح الحدود اللبنانية-الفلسطينية للالتحاق بأهلها وناسها ومساندتهم "ففلسطين قضيتنا جميعاً، وهي بوصلة الشعوب العربية كلها"، مشيرةً إلى أنّ "أكثر ما يمكننا فعله حالياً كلاجئين هو التظاهر والاعتصام وإطلاق هاشتاغات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونشر صور وتسجيلات فيديو لمواجهة التعتيم الإعلامي". وتشدّد دلال على أنّه "على الرغم من كلّ معاناتنا، فإنّ عيوننا هي صوب فلسطين وحدودها. وكم نتمنى أن يتكرّر مشهد عام 2011 عندما خرجنا بمسيرات العودة وأربكنا العالم بأسره، وأعدنا حقّ العودة إلى الواجهة... تلك العودة التي يرونها بعيدة فيما هي قريبة بالنسبة إلينا".
من مخيّم عين الحلوة في مدينة صيدا في جنوب لبنان، يشدّد اللاجئ عاصف موسى على أنّ "المخيّم جزءٌ لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني أينما كان، سواء في الداخل الفلسطيني أم في الشتات حول العالم. نحن نقف إلى جانب أبناء شعبنا وأهلنا، وقد أعلنّا تضامننا معهم من خلال مسيرات متواصلة بالآلاف، رفعنا في خلالها أعلام فلسطين وهتافات تحيّي المقاومة المسلّحة والشعبية. كذلك نطالب دول العالم بوضع حدّ للعدوان الإسرائيلي المستمر ونطالب الأمّتَين العربية والإسلامية بالوقوف إلى جانب شعبنا ونصرته". يضيف عاصف لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة مطالبات بفتح الحدود أمام أبناء الشعب الفلسطيني كما حصل في سنواتٍ سابقة، ليتمكّنوا من التعبير عن حقّهم في العودة إلى قراهم ومدنهم التي هُجّروا منها في عام 1948. وقد شهدنا أخيراً محاولات لمجموعة شباب في الجنوب اللبناني لاجتياز السياج الحدودي، فيما التحركات الشعبية مستمرة على مدار الساعة في المخيّمات من اعتصاماتٍ ومسيراتٍ وأشكال مختلفة من التضامن".
في الإطار نفسه، يشير اللاجئ الثلاثيني وائل فتح الله إلى أنّ أصوله تعود إلى بلدة ترشيحا في قضاء عكا. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "اللاجئ الفلسطيني جزءٌ لا يتجزأ من القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني. على مدى أكثر من 70 عاماً، كان اللاجئون الفلسطينيون حول العالم هم العنصر الأهم. نحن قدّمنا ونقدّم دماءنا وأرواحنا من أجل فلسطين. وهذا ما يؤكّد أنّ اللاجئين الفلسطينيين لم ينسوا فلسطين يوماً وما زالوا ينتمون إليها، خصوصاً بعد موجة التطبيع وتزايد المطبّعين ومحاولات بثّ الأخبار الكاذبة بأنّ الشعب الفلسطيني باع أرضه. هذا كلّه يحصل بالتزامن مع خطط صفقة القرن". ويتابع وائل أنّ "اللاجئين في لبنان على العهد بأنّ لا وطن لهم إلا فلسطين ولا أرض لهم إلا أرض فلسطين، في قراهم ومدنهم الأصلية التي خرج منها الأجداد تحت تهديد عصابات الإجرام والإرهاب الصهيوني"، لافتاً إلى أنّ "شعبنا في مخيّمات لبنان عموماً، ومخيّمات بيروت خصوصاً، تحرّك منذ بدء الأحداث الأخيرة ليوصل الرسالة ويعيد الهوية والقضية الفلسطينيتَين إلى الواجهة".