لم تسفر جائحة فيروس كورونا عن أول فترة عصيبة بالنسبة لإيلينا سيمون، فيما يتعلق بالميزانية، فقد وجدت الأم العزباء البالغة من العمر 49 عاماً نفسها عاطلة عن العمل، عندما ضربت الأزمة المالية العالمية عام 2008 إيطاليا. ومنذ ذلك الوقت، لم تعد إلى سوق العمل على نحو كامل مطلقاً، لكنها خلقت خليطاً من الأعمال الصغيرة التي وفّرتها لنفسها ولأصغر أبنائها الثلاثة.
تغيّر كل ذلك مع أول إغلاق فُرض بسبب فيروس كوفيد-19 في إيطاليا، خلال فصل الربيع.
فمع إغلاق المدارس، توقّف عمل سيمون في مقصف مدرسي. وتلاشى عملها في تنظيف المنازل أيضاً. وعندما عاد الآخرون إلى العمل بعد انتهاء الإغلاق، ظلّت سيمون على حالها بدون عمل.
تتذكّر سيمون نفسها وهي داخل مطبخها المزيّن بشخصيات منسوجة ملوّنة على شكل خضروات، وتقول: "مررت بفترة كنت أتناول فيها الجزر فقط".
لأول مرة في حياتها، احتاجت سيمون إلى المساعدة لتجد الطعام على طاولتها. وبعد إلحاح من أحد أصدقائها، قامت بتسجيل اسمها للوصول إلى متاجر المواد الغذائية التي تديرها جمعية كاريتاس الخيرية الكاثوليكية.
أحقيّتها تغطيها حتى يناير/ كانون الثاني، وتأمل أن تكون خارج قوائم الأعمال الخيرية بحلول ذلك الوقت، "لإفساح المجال للأشخاص الذين يحتاجون المساعدة أكثر".
تقول المنظمة الخيرية، كاريتاس أمبروسيانا، التي تخدم أكثر من 5 ملايين شخص في أبرشية ميلانو، إنّ الوباء يكشف لأول مرة عن مدى عمق انعدام الأمن الاقتصادي في إقليم لومبارديا، شمال إيطاليا، والذي ينتج 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
تُعدّ سيمون، التي لديها طفلان بالغان وابن يبلغ 10 أعوام في المنزل، نموذجاً للفقراء الجدد في إيطاليا.
هؤلاء هم الأشخاص الذين تمكّنوا من تدبير أمورهم بعد الأزمة المالية لعام 2008، وابتعدوا عن رادار نظام الرعاية الاجتماعية الإيطالي، من خلال الاعتماد على وظائف غير رسمية في السوق الرمادية وعلى مساعدة الأصدقاء والعائلة.
لكن مع الإغلاق شبه الكامل في فصل الربيع في إيطاليا، وإقرار الإغلاق الجزئي، عندما زادت حدة الفيروس مرة أخرى في الخريف، واستمرار الخسائر التي يلحقها الوباء بالاقتصاد الإيطالي، انقطعت الخيوط الرفيعة التي سمحت للمواطنين بنسج الأعمال معاً.
لا يتجلّى هذا الأمر في أيّ مكان في إيطاليا أكثر من لومبارديا، حيث انتشر كوفيد – 19 لأول مرة في أوروبا.
فبناءً على استطلاعات لعشرات المجموعات الخيرية العاملة في الإقليم، تشير تقديرات جماعة الضغط الزراعية "كولديريتي"، إلى أنّ الفيروس أوجد 300 ألف فقير جديد.
قدمت كاريتاس أمبروسيانا، المساعدة إلى تسعة آلاف شخص خلال فترة الإغلاق في فصل الربيع، أفاد 20 في المائة منهم أنّ وضعهم المالي قد ساء "بشكل كبير" خلال فترة الإغلاق التي استمرّت 10 أسابيع. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، طلب ما يقرب من 700 أسرة معونة غذائية لأول مرة.
على الصعيد الوطني، فإنّ ثلث الأشخاص الذين يطلبون المساعدة من كاريتاس أثناء الوباء هم من المتلقين للمساعدات لأول مرة، وعلى عكس الاتجاهات المعتادة، فإنّ معظمهم من المواطنين الإيطاليين وليسوا من الأجانب.
وتقدم أكثر من 40 منظمة الطعام بشكل يومي في ميلانو، العاصمة المالية لإيطاليا. وتقدم واحدة من أكبر هذه المنظمات، وهي بان كوتيديانو، حوالي 3500 وجبة في اليوم.
الكثير من المحتاجين كانوا يعملون في السابق في المطاعم والفنادق، التي تضرّرت على نحو خاص بسبب قيود فيروس كورونا، أو كانوا يعملون في المساعدة المنزلية.
قال المتحدث باسم كاريتاس أمبروسيانا، فرانشيسكو شيافاريني: "إنه أكثر انتشاراً ممّا كنا نعرف، خاصة بالنسبة لمدينة غنية مثل ميلان. فُقدت هذه الوظائف المحفوفة بالمخاطر. ولا نعرف متى أو ما إذا كان سيتم استعادتها أم لا".
قال باحثون في جامعة بوكوني في ميلانو، في ورقة عمل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إنّ العمّال ذوي الياقات الزرقاء دون شهادات جامعية، دفعوا أغلى ثمن لقيود الفيروس في إيطاليا. وقد أبلغ نصفهم عن انخفاض في رواتبهم، مقارنة بعشرين بالمائة فقط من أصحاب الدخل الأعلى، ولم يكن لدى الكثير منهم رفاهية العمل عن بُعد.
قال الباحث في جامعة بوكوني، فينتشنزو غالاسو، إنّ "ما نشهده هو زيادة كبيرة في عدم المساواة".
أولئك الذين ليس لديهم عقود عمل ثابتة، هم الأكثر تأثراً بالوباء الذي قتل بالفعل أكثر من 68 ألف شخص في إيطاليا، وهي أعلى حصيلة للضحايا في أوروبا.
اكتشفت سيمون في وقت متأخر للغاية أنّ عقد المقصف الخاص بها وصفها بأنها عاملة عرضية، ما يعني أنّه ليس لديها أساس لطلب دعم حكومي لتعويض الدخل المفقود. كما كان عملها في التنظيف غير مدرج بالمرة، وما عوضها فقط، عملان احتفظت بهما من بين عشرات الأعمال التي كانت لديها قبل الوباء.
قال شيافاريني إنه حتى عندما تأهّل العمّال لخطة تسريح العمّال قصيرة الأجل في إيطاليا للقطاعين العام والخاص، فإنّ الأموال وصلت متأخرة وغير كافية بشكل عام لتغطية النفقات الأساسية للأسرة.
تبلغ التغطية الأساسية 400 يورو (490 دولاراً) شهرياً، لكن الإيجارات الشهرية في مدينة مثل ميلان تبدأ من حوالي 600 يورو (735 دولاراً).
يظهر الأمن الغذائي كقضية رئيسية مع دخول الوباء فصل الشتاء.
بدأت مؤسسة "بروجيتو آركا"، التي تدير الملاجئ وتقدم خدمات اجتماعية أخرى في ميلانو، في تشغيل شاحنة لتقديم الطعام الشهر الماضي، بعد أن رأت المشرّدين، الذين ملأوا بطونهم بالصدقات التي تقدّمها المطاعم والحانات، يعانون من الجوع خلال فترة الإغلاق الجزئي في الخريف عندما أغلقت العديد من هذه المؤسسات.
لم يكن المشرّدون فقط هم من يقتربون من شاحنة الطعام. ففي إحدى الليالي، انتظر رجل يرتدي سترة مبطّنة وسروالاً أنيقاً إلى جانب الشاحنة، حتى تلاشى طابور من يتلقون المساعدة. عرّف بنفسه على أنه محامٍ، لكنه رفض التعليق وطلب عدم تصويره حيث أخذ وجبتين ساخنتين وكيسين من الطعام لليوم التالي، واحداً كان لرفيقته التي تنتظر في المنزل.
حتى الآن، ساعد التعليق الحكومي لعمليات الإخلاء وفصل العمّال المتعاقدين على إبقاء سقف لما يعتبره عمّال المؤسسات الخيرية أزمة فقر ناشئة.
قال شيافاريني: "عندما يتم رفع هذا الأمر، سنرى الثمن الحقيقي الذي نحتاجه لدفع ثمن هذا الوباء". وأضاف: "نحتفل بميلانو كعاصمة للابتكار، لكن تحت ناطحات السحاب هذه التي نفخر بها، هناك عالم خفي يعيش فيه الناس في ظروف غير مستقرة حقاً".
(أسوشييتد برس)