لم تجد والدة الطفل الفلسطيني محمود فتوح (شهران) سبيلاً لإطعام رضيعها، إذ لم تعد قادرة على ضخ الحليب بسبب سوء التغذية نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على محافظتي شمال القطاع ومدينة غزة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وبينما كانت تعاني أم الرضيع فتوح هي الأخرى من الجوع حيث لم تتناول الطعام منذ عدة أيام، حملت طفلها على يدها وسارت في شوارع غزة أملاً في أن تجد حليبا ينقذ طفلها أو شيئاً يسد جوعها.
وإثر تراجع وضع فتوح الصحي، فقد الطفل الحركة وتدهورت وظائف جسمه، في تلك اللحظات الصعبة، لم تكن الأم تدري إلى أين تتجه سوى إلى داخل قلبها المليء بالأمل والدعاء وسط الظلام الذي أحاط بها.
وفجأة وهي لا تعرف مصيرها صادفت مرور سيارة إسعاف تابعة للدفاع المدني الفلسطيني، سرعان ما توقفت وقدموا لها الإسعافات الأولية، ثم نقلوها إلى مستشفى الشفاء بغزة، حيث استمرت جهود الأطباء في إنقاذ حياة ابنها.
غزة.. حرب وجوع ومعاناة لا تنتهي
وداخل المستشفى، كانت الأم الفلسطينية تمسك بيد رضيعها بلطف، وكلما شعرت بنبض خافت أو حركة طفيفة، تكررت دعواتها لله بأن يحفظه ويشفيه.
وتارة كانت تلمس يده الصغيرة، وتمرر أصابعها على وجهه الرقيق تارة أخرى، كل ذلك في محاولة منها للتأكد من أن رضيعها ما زال يتنفس، وذلك في ظل مواصلة الطواقم الطبية جهودها في تقديم الإسعافات الأولية له.
وتمكن الأطباء من إنقاذ حياة الرضيع بعد تقديم الرعاية اللازمة له، ووضعه تحت المراقبة في وحدة العناية المكثفة داخل المستشفى.
وقال متحدث مديرية الدفاع المدني، الرائد محمود بصل، لـ"الأناضول": "خلال عودتنا من إحدى المهمات، فوجئنا بامرأة تحمل طفلها وتسير في الشارع وتبكي وتناشد المساعدة"، مضيفاً: "عندما رأينا المشهد، توقفنا بسيارة الإسعاف ووجدنا المرأة تحمل الطفل الرضيع الذي بدت عليه علامات الضعف الشديد".
وتابع: "تمكنا من نقله إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وتم تقديم الرعاية الطبية الفورية له، وخلال الفحص تبين أنه يعاني نقصا حادا في الغذاء، لينقل بعدها إلى قسم العناية المركزة"، موضحاً أن "الطفل لم يتناول الحليب منذ أيام بسبب نقصه في قطاع غزة".
وناشد منظمة الصحة العالمية "ضرورة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أطفال غزة الذين يعانون ظروفًا صعبة جراء الحرب".
وبحسب نتائج فحوص لسوء التغذية أجرتها أخيرا منظمات شريكة في مجموعة التغذية (تابعة للأمم المتحدة)، توجد في غزة زيادة كبيرة في نسبة سوء التغذية الحاد العام لدى الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهراً.
ووصل سوء التغذية الحاد العام إلى 16.2%، وهي نسبة تتخطى العتبة الحرجة التي تحددها منظمة الصحة العالمية عند 15%.
وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أن السكان في شمال قطاع غزة أصبحوا "على حافة المجاعة ولا ملاذ يأوون إليه" في ظل الحرب المستمرة.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرباً مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات آلاف الضحايا معظمهم أطفال ونساء، وفق بيانات فلسطينية وأممية، الأمر الذي أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".
(الأناضول، العربي الجديد)