استمع إلى الملخص
- الاحتلال يتجاهل الإعلانات الأممية ويستمر في استهداف المدنيين والمناطق المعلنة كآمنة، مما يؤدي لدمار وخسائر في الأرواح والممتلكات.
- العائلات الناجية من القصف، مثل عائلة محمد أبو جزر، تواجه تحديات إعادة بناء حياتها وسط الدمار، الحر، العطش، والجوع، بالإضافة إلى خطر القصف المستمر.
تتزايد مخاوف عشرات الآلاف من سكان قطاع غزة، وخصوصاً المهجرين، منذ قصف الاحتلال منطقة المواصي التي طلب النزوح إليها باعتبارها "منطقة آمنة"، وذلك بعد قرار محكمة العدل الدولية بساعات.
رغم مزاعم الاحتلال المتكررة حول كونها منطقة آمنة، أغارت طائراته مساء الجمعة، على تجمع لخيام المهجرين في منطقة المواصي غربي مدينة خانيونس الممتدة حتى غربي مدينة دير البلح، بقذيفة كبيرة سببت حفرة عميقة في مكان القصف، ما خلف نحو 10 إصابات بين المهجرين، كما غمرت الرمال العديد من الخيام بسبب قوة الانفجار الذي هز المنطقة التي تعد حالياً من بين الأكثر اكتظاظاً في قطاع غزة.
وحدثت الغارة المفاجئة بعد ساعات من صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي يأمر الاحتلال الإسرائيلي بإيقاف عملياته العسكرية في مدينة رفح، والذي زرع بعض الآمال في قلوب عشرات الآلاف من سكان غزة بانتهاء المأساة التي يعيشونها في خيام النزوح.
نجا محمد أبو جزر (34 سنة) وأفراد أسرته من الانفجار، وهم مهجرون من مدينة رفح إلى المواصي، لكن غمرت الرمال الخيمة التي تؤويهم، وكادت تغمر طفلته الصغرى لبنى، والتي لم يتم تسجيلها ضمن المصابين كونها لم تصب بجروح، لكنها عاشت صدمة نفسية كبيرة مثل كثيرين ممن غمرتهم الرمال، وقد استطاع إخراج بقايا الخيمة التي تمزقت من بين الرمال، ويحاول حالياً إصلاحها، وإعادة نصبها في منطقة قريبة من شاطئ البحر.
تحاول عائلة أبو جزر منذ نزوحها من رفح الابتعاد عن المناطق التي يحذر الاحتلال المدنيين من الوجود فيها حتى لا يكون ذلك مبرراً لقتلهم، إذ يروج جيش الاحتلال عبر منصاته أن المدنيين يتحملون نتيجة بقائهم في المناطق "غير الآمنة"، ويدعي خلق مناطق إنسانية يمكنهم البقاء فيها، لكن الجميع في غزة يعلمون تماماً أن ما يطلق عليه الاحتلال "مناطق إنسانية" مجرد خدعة كبيرة، وأنه لا مكان آمناً من القصف أو الاجتياح في أنحاء القطاع.
يتجاهل الاحتلال كل القرارات الأممية بالتوقف عن استهداف المدنيين في غزة
يقول أبو جزر لـ"العربي الجديد": "ينتقل الناس إلى المناطق التي يسميها الاحتلال إنسانية، فيتعرضون للقصف والقنص والموت، وسمعت عن الكثير من الوقائع المماثلة، ولي صديق استشهد في مدينة خانيونس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وكان مهجراً من مدينة غزة إلى ما كان يطلق عليه الاحتلال منطقة آمنة. هذه المرة كنت على مقربة من الموت في منطقة المواصي التي يفترض أنها آمنة. أحاول دائماً الابتعاد عن أماكن التكدس حتى لا يحصل أي مكروه لعائلتي، ورغم ذلك طاولنا القصف".
يضيف: "منطقة المواصي مكتظة للغاية، ويحاول الجميع وضع الخيام بالقرب من الشوارع، أو من خيام توزيع المساعدات أو النقاط الطبية القليلة التي تم إنشاؤها مؤخراً، لكن تحصل شجارات كثيرة على الأماكن. أصبحنا جميعاً فقراء، ونحتاج إلى المساعدات، وأشعر بالخوف من أن يخلق الاحتلال حجة جديدة لقصف منطقة الخيام مجدداً".
ويكثف جيش الاحتلال قصف مدينة رفح، والمناطق الشمالية في مدينة غزة ومخيم جباليا مع استمرار العمليات العسكرية في كل تلك المناطق للأسبوع الثالث على التوالي، ما جعل الكثير من المهجرين يفرون إلى مناطق غربي خانيونس (جنوب) ودير البلح (وسط)، لكنهم باتوا يشعرون بأن القصف الإسرائيلي قد يطاولهم في أي وقت.
وتشير تقديرات محلية إلى أن قصف منطقة الخيام دمر 15 خيمة، كانت أكبرها تؤوي 20 فرداً وأصغرها تؤوي ثمانية أفراد، وقد خسر أصحاب تلك الخيام الكثير من متعلقاتهم وفرشهم وأغطيتهم، ومن بينها أغراض نقلوها معهم خلال رحلات النزوح المتكررة، قبل إجبارهم على التوجه إلى منطقة المواصي.
كان عبد الوهاب ديب (50 سنة) أحد الذين دمر القصف خيمتهم، وهو مهجر من مدينة غزة، وتكرر نزوحه لـ13 مرة حتى الآن، وقد حصل على الخيمة بصعوبة من إحدى الجمعيات الخيرية أثناء التهديد الإسرائيلي بإخلاء مدينة رفح في بدايات الشهر الحالي، لكنها دمرت تماماً، بينما كان لحسن الحظ هو وعائلته بالقرب من جامعة الأقصى داخل خيمة ثانية توجد فيها والدته السبعينية.
يشعر الفلسطينيون المهجرون إلى "المناطق الآمنة" بأن القصف قد يطاولهم في أي وقت
يقول ديب لـ"العربي الجديد": "عندما سمعت نبأ الاستهداف، عدت مسرعاً إلى المنطقة للاطمئنان على ابني الذي تركناه في الخيمة، وقد وجدته بين المصابين، وإصابته متوسطة، وكانت نتيجة تهدم الخيمة فوقه، إذ أصيب في الرأس والظهر، لكن القصف دمر الخيمة، بما فيها من فرش ومعدات مطبخ، وحتى حقيبة المساعدات التي كان فيها أطعمة مخزنة. الآن لا نعرف إلى أين نذهب، وصباح السبت، توجهت إلى وكالة (أونروا) لتسجيل اسمي للحصول على خيمة ومساعدات، فقد خسرت خيمتي كما خسرت منزلي في مدينة غزة قبل أشهر".
يضيف: "نعيش في منطقة بلا أية خدمات، حتى إنه لا توجد فيها حمامات، ونقوم بعمل حفر حتى نقضي فيها حاجتنا، ونبحث يومياً عن المياه، والمساعدات دائماً شحيحة، وفي الأيام الأخيرة أصبح الحصول عليها نوع من المذلة. نقدر أن المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة قليلة، لكننا نعيش في خطر شديد بسبب الحر والعطش والجوع، وبات خطر القصف أيضاً يلاحقنا".
ودمر الاحتلال الإسرائيلي غالبية مناطق مدينة خانيونس أثناء العملية العسكرية على المدينة بين أواخر يناير/ كانون الثاني وبداية إبريل/ نيسان الماضي، وكان من ضمنها منطقة المواصي، ورغم تأكيده أنها ضمن "المناطق الإنسانية" التي ينبغي على الناس النزوح إليها منذ شهر إبريل الماضي، إلا أنه قصفها عدة مرات منذ 20 إبريل، رغم وجود المهجرين فيها، كما نفذ عدة غارات على تجمعات للمهجرين وسيارات مدنية.
وكرر جيش الاحتلال منذ بداية العدوان على قطاع غزة، مطالبة السكان بالتوجه إلى منطقة المواصي باعتبارها "منطقة آمنة"، ولا يزال يصنفها باعتبارها آمنة رغم تكرار عملياته العسكرية فيها.
والأربعاء الماضي، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عبر منصاته الناطقة بالعربية والإنكليزية والعبرية توسيع "المنطقة الإنسانية" في المواصي إلى وسط مدينة خانيونس وبعض مناطق شمال مدينة دير البلح، والتي كانت قبل هذا الإعلان ضمن المناطق التي يصنفها الاحتلال "منطقة قتال"، وذلك في مسعى لتجميل صورته أمام المجتمع الدولي، رغم تجاهله كل القرارات والطلبات الأممية والدولية بالتوقف عن استهداف المدنيين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
وتضمن الإعلان بلوكات سكنية تعرضت سابقاً للقصف والتدمير، ومناطق تعرضت لمجازر قتلت فيها عائلات بالكامل، كما ادعى الاحتلال أن تلك المناطق توجد فيها الخدمات الأساسية اللازمة للحياة، من الغذاء والمياه والخدمات الطبية.
لكن بعد هذا الإعلان، نفذ الاحتلال قصفاً جوياً على منطقة المواصي مساء الجمعة الماضي، وفي مساء يوم الخميس، قصفت المدفعية الإسرائيلية مقر مبنى وزارة التنمية الاجتماعية في وسط مدينة دير البلح، مما أسفر عن استشهاد 15 فلسطينياً من بينهم أطفال ونساء، وعشرات المصابين، رغم أنه من بين المباني التي تتضمنها خريطة المنطقة الآمنة.
ومن بين ضحايا استهداف مبنى وزارة التنمية الاجتماعية عائلة صيام المكونة من الأب علاء صيام وزوجته سوسن وأطفالهما صهيب وهنادي ومحمود، وقد عادت العائلة إلى المنطقة لجلب أغراضهم قبل النزوح، بعد أن شعروا بشيء من الأمان مع إعلان أنها ضمن المنطقة الإنسانية الموسعة، لكن القصف باغتهم، وقتلهم في المبنى المكون من خمسة طوابق، والذي كان يؤوي مئات العائلات.
كانت عائلة محمد أبو وردة ضمن العائلات التي هُجّرت إلى مبنى وزارة التنمية الاجتماعية، كونه بالأساس مخصص للعائلات الكبيرة التي تضم الكثير من الأطفال أو المرضى والجرحى، وكانت تتوفر فيه نقاط رعاية طبية وإنسانية.
يقول أبو وردة لـ"العربي الجديد": "استشهد علاء صيام وزوجته وأطفاله، وقد كانوا يتنقلون من مكان إلى مكان منذ نزوحهم من حي النصر في مدينة غزة، بعد أن دمر الاحتلال منزلهم. كان علاء يخرج كل يوم للبحث عن طعام لأطفاله، وكان يعتقد مثل كثيرين أن المنطقة آمنة، وقد تفاءل كثيراً بعد إعلان توسيع تلك المنطقة الآمنة الكاذبة، لكنه استشهد مع جميع أفراد عائلته بعد يوم واحد من هذا الإعلان، بينما الأسر التي نجت من قصف المبنى مثلنا باتت بلا مأوى، وتنام في العراء".