تنتشر عادة قطع الخوفة (علاج شعبي للخلاص من حالة الرعب) في قطاع غزة كثيراً، وهي من العادات والتقاليد الفلسطينية القديمة، وخصوصاً بالنسبة إلى الأطفال والشباب. يضع المعالج زيت الزيتون على يديه ويبدأ بتدليك المنطقة ما بين إصبعي السبابة والإبهام، ثم مفاصل اليد والقدم، والعضلة الخلفية للساق، بالإضافة إلى الظهر ومنطقة بين الكتفين. ثمّ تكون المرحلة الأصعب عند تدليك ما بين الفخذين، وغالباً ما تتركّز الخوفة فيها، وتُصبح متحجرة.
وعادة ما يتقن المسنون التدليك جيداً. وتشتهر مخيمات قطاع غزة بنساء يتقنّ هذه العادة، وخصوصاً مع الأطفال الذين كثيراً ما يصابون بالهلع وتظهر عليهم أعراض الخوف الشديد. ولاحظت الأمهات تحسن الأطفال بعد قطع الخوفة، وخصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.
أحد المعالجين، ويدعى محمد سبيتان الرواغ (أبو رمضان، 68 عاماً)، يعتبر محلّ ثقة بين الأهالي لدى ممارسته قطع الخوفة، وكأن في يده بركة. ويقول الرواغ الذي كان يعمل موظفاً في مجموعة الاتصالات الفلسطينية، وتقاعد عام 2010، إنه متمرّس في قطع الخوفة وقد ورثها عن عائلته منذ عشرات السنوات. ويرى أن قطع الخوفة هبة من عند الله. ويذكر ما كان يقوله أجداده عن الأشخاص الذين يجيدون قطع الخوفة أو يقومون بتدليك القدمين والظهر جيداً: "في أيديهم بركة".
وكان الرواغ يمارس قطع الخوفة لأحفاد وأبناء عمومته وبعض أفراد العائلة فقط. لكن ذاع صيته قبل سنتين، وبدأ العمل من أجل قطع الخوفة للغزيين متنقلاً بين البيوت. ويقول لـ "العربي الجديد": "التدليك بين الكتفين ومنطقة الرقبة والقدمين يركز على العضلات والأعصاب فوق الصدر، ما يؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية. وهناك اختلاف بين الإصابة بالمرض والخوف". يضيف: "تبدأ العملية بعدما أضع زيت الزيتون الدافئ على يدي ثم على جسد الشخص حتى يسهل تدليك الأعصاب والعضلات في الجسم. البعض يقول إن مثل هذه العادات لا علاقة لها بالعلم، إلا أنها عادات عملية وسريعة وتحقق نتيجة. وإنني أحب القراءة والبحث والاطلاع على المعلومات العلمية".
ويلفت الرواغ إلى أنه يتلقى في الوقت الحالي الكثير من الطلبات لجلسات قطع الخوفة ومن جميع الأعمار. يضيف أنه يفرّق بين الأطفال والكبار في قطع الخوف، إذ إن أجساد الأطفال ضعيفة ولا قدرة لها على التحمل. يجب تدليك الأطفال بروية ومن خلال الأصابع وما بين الفخذين. إلا أن تدليك الكبار يتطلب يدين قويتين.
وبعد إعلان وقف إطلاق النار في 21 مايو/ أيار الماضي، استعانت فداء أبو سبع (36 عاماً) بسيدة تبلغ من العمر 77 عاماً، لقطع الخوفة لأطفالها الثلاثة، حيث تقطن في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وقد شعر أطفالها بخوف شديد بعدما دمر الاحتلال الإسرائيلي أحد المنازل وقتل 10 أفراد. تقول أبو سبع لـ "العربي الجديد": "اعتدت هذه العادة. خلال فترة مراهقتي، كنت أخاف من الكلاب في المنطقة. لكنني شعرت بتحسن عند قطع الخوفة. ولد طفلاي خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014. وفي الوقت نفسه، تم قطع الخوفة لهم".
وفي منطقة الشيخ رضوان، توجه منذر المدهون (30 عاماً) برفقة أشقائه الثلاثة الأصغر، لقطع الخوف عند جارهم المعروف بالمنطقة سمير المصري (60 عاماً)، الذي يمارس قطع الخوفة منذ سنوات. كذلك لجأ الكثير من أطفال الحي والشباب إليه بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع. ويقول المدهون لـ "العربي الجديد": "كلنا كنا خائفين على أرواحنا ونحتاج لقطع خوفة، والكثير من التغيير في ظل الصدمات النفسية. خلال العدوان الأخير، كان القصف عنيفاً جداً خصوصاً في الليل. والدتي وأشقائي كانوا يشعرون بالخوف طوال الوقت. ولأوّل مرة، شعرت بأنني سأموت في هذه الحرب، خصوصاً بعد قصف منازل بالقرب منا".
من جهته، يقول الطبيب المتخصّص في العلاج الطبيعي أيمن أبو جاد، إنه خلال طفولته، جرى قطع خوفه، وتحديداً مع بداية الانتفاضة الأولى عام 1987، نتيجة إطلاق قوات الاحتلال النار في مخيم جباليا، حيث قضى طفولته. في هذا الإطار، يوضح أن معظم أهالي قطاع غزة يلجأون إلى هذه العادات. ويرى أن "قطع الخوفة يشبه إلى حد كبير العلاج الطبيعي والتدليك. ولبعض المرضى الذين يعانون من آلام في الظهر تدليك خاص. وينسحب الأمر على المصابين بتشنج العضلات وبعض المسنين". ويوضح أنّ التدليك يريح الجسد مع الابتعاد عن حمل أثقال والأخبار والمشاهد العنيفة.
ويقول أبو جاد لـ "العربي الجديد: "لا يمكن التخلي عن الطب الشعبي، وخصوصاً في غزة" مضيفاً أنّ "هناك معتقدات لن تزول لأنّ الناس تميل إليها مثل قطعة الخوفة، ما دام هناك حصار وانغلاق ثقافي. لكنّ الحذر من أنّ البعض يحدث ضرراً للجسد فيها. على سبيل المثال، تعتقد بعض الأمهات أنّ باستطاعتهن التدليك، إلّا أنّ ذلك قد يضرّ بالأطفال".