لا شكّ في أنّ القوانين تردع كثيرين من الصيادين الذين يخافون من العقوبات ويتجنّبونها. لكنّ المشكلة تنتج في الغالب عن قلّة تواظب على انتهاك القوانين، وهي عادة ترتكب مجازر بالجملة ولا تميّز ما بين نوع على وشك الانقراض، وآخر يخدم المُزارع من خلال التهامه الآفات الزراعية التي تفتك بالمحاصيل. وكثيرة هي الدول العربية التي ما زالت تتقيّد بقوانين قديمة، لكنّها قد تكون ذات فعالية بارزة حتى يومنا هذا، فيما دول أخرى ما زالت تتقيّد بقوانين لم تعد تتماشى مع العلم الحديث ولم تعد تفي بالغرض الذي وُجدت من أجله. ولعلّ أصعب الأمور هي التي تنتج عن قوانين حديثة ظاهرياً، فيما لم يصلها بعد الجواب على سؤال "لماذا هذا الطائر مسموح صيده والآخر ممنوع صيده".
وكان لبنان في هذا الإطار قد وضع معايير تساعد على تحديد الطيور الطرائد المسموح صيدها وتلك الواجبة حمايتها. فكانت المعايير تمنع صيد الأنواع التي تأكل الحشرات، وتلك الجارحة، وتلك المفيدة للزراعة والفلاحين، والأنواع صغيرة الحجم التي لا يمكن لحجمها الصغير أن يبرّر قتلها. وبما أنّ الأنواع الصغيرة النافعة أو غير النافعة تتحرّك بين الأغصان، فيما يطلق الصياد النار عليها قبل أن يشاهدها بوضوح ويتأكّد من أنّ صيدها مسموح أم لا، أو أنّه يشاهدها وهي تطير الأمر الذي يصعّب تحديد نوعها، فإنّه يتوجّب منع صيد تلك الأنواع مثلما يحصل في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
يُذكر أنّ ثمّة طيوراً من نوع الدخلة تتشابه في ما بينها، منها ما هو معرّض إلى خطر الانقراض ومنها ما هو متوفّر بكثرة، لكنّه يستحيل على الصياد التمييز بين طير وآخر مهما بلغت قدراته ومهاراته. لذا فإنّ القوانين الصحيحة توجب منع صيد كلّ تلك الأنواع كإجراء احترازي بهدف عدم تعريض الأنواع المهدّدة بالانقراض إلى القتل. ومن القوانين ما يسمح لصيد أنواع مهاجرة، فيما تدرج على لوائحها طيوراً مقيمة ومتوطّنة يُسمح بصيدها، وهذا يدلّ على تخبّط في عملية حماية الطيور. بالتالي لا بدّ على القوانين من حماية الطيور المهدّدة بالانقراض سواء أكانت مقيمة أو مهاجرة.
ومن أبرز المعايير التي تفتقدها القوانين في بعض الدول العربية معيار الاستدامة، الأمر الذي يرتّب على الصياد ألّا يحصد الطيور حصداً وبأعداد كبيرة غير مبرّرة، ويوجب عليه التقيّد بالحصص المسموحة من كلّ نوع يُسمح صيده، وكذلك التقيّد بالفترة الزمنية التي يُسمح فيها الصيد، وألا يقترب من الأعشاش ويخرّبها أو ينتزع منها البيض أو العشّ بحدّ ذاته. ولا بدّ للصياد أن يدرك أنّ الاستدامة تمنع الصيد في فصل التفريخ في الربيع، وتحمي الطيور العابرة في طريقها إلى أماكن تفريخها شمالاً، وتمنع الصيد في أثناء رعاية الطائر لصغاره وذلك حتى الأوّل من سبتمبر/ أيلول على أقلّ تقدير.
كذلك على القوانين أن تمنع صيد الطيور بالحيلة أو الشرك أو باستخدام الذكور الصائحة لجلب الإناث أو استخدام الدخان لجلب الطيور التي تأكل الحشرات الهاربة من النار، فالطيور ترى في الدخان دليلاً على وجود نار. ويتوجّب على القوانين كذلك ألّا تسمح بصيد الطيور إلا بميزان بعد أن تحدّد في دراسات علمية عدد المجموعات التابعة لكلّ نوع. فإن كانت المجموعات تحتوي على عدد قليل يُمنع صيدها، وإن كانت تضم أعداداً وفيرة فيُسمَح بذلك بأعداد معيّنة في كلّ رحلة للشخص الواحد، تحدّدها الدراسات العلمية.
وحبّذا لو أضاف رجال القانون بالاتفاق مع أصحاب الاختصاص العلمي نصاً يمنع الصيد بالرصاص لأنّه مضرّ للبيئة وسام، وكذلك الصيد ببنادق أوتوماتيكية بثلاث طلقات، الأمر الذي يمنح الطائر حظاً للنجاة بجلده. في سياق متصل، يجب سحب رخصة مرتكب المخالفة مع إلوامه التقدّم من جديد للخضوع إلى امتحان يخوّله الحصول على رخصة جديدة. أمّا إذا تكرّرت المخالفات لأكثر من مرّتَين، فتُسحب منه الرخصة لسنة واحدة، وإذا تكرّرت لأكثر من ثلاث مرات تُسحب منه لخمس سنوات متتالية. ويُضاف إلى ذلك رسوم وأحكام يصدرها القضاء.
وإذا توصّلنا يوماً ما في عالمنا العربي إلى الاكتفاء باصطياد الطيور المكتنزة لحماً كطيور السمّن وطيور الفرّي (السمان) وطيور الصفرد وطيور الفزان أو الدراج، وطيور متوسطة الاكتناز مثل المطوق، نكون قد أعطينا الطيور حقّها وأخذنا منها حقّنا. وفي النهاية، لا بدّ من القول إنّه مهما كان قانون الصيد، فهو يبقى حبراً على ورق إن لم تكن ثمّة نية لدى السلطات لتطبيق القوانين والسهر على تنفيذ مضامينها.
(متخصص في علم الطيور البرية)