كلاب غزة... نهش الجثامين ومهاجمة الأحياء يُرعبان الأهالي

28 ابريل 2024
أهالي القطاع وأطفاله يحبون الكلاب (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انتشار فيديو في غزة يُظهر قناص إسرائيلي يُعدم مواطناً غزياً، مما أثار صدمة بسبب الإعدام ومشاهد الكلاب تنهش الجثمان، مسلطاً الضوء على الوضع المأساوي في غزة حيث أصبحت مشاهد الكلاب تنهش جثامين الشهداء مألوفة.
- محمد عصفور من بيت لاهيا يشارك تجربته مع الكلاب التي تكاثرت وبدأت تهاجم النازحين، معكساً الوضع الخطير الذي يواجهه السكان في ظل الاقتحامات الإسرائيلية والظروف الحالية.
- الطبيب البيطري عمر الدلو يشير إلى تحول الكلاب في غزة إلى حيوانات مفترسة بسبب الجوع والحرب، معتمدة في غذائها على جثامين الشهداء، مما يعكس الأثر العميق للحصار والعدوان على البيئة والحيوانات، ويضيف طبقة من المعاناة للسكان.

تداول فلسطينيون في غزة فيديو لقناص إسرائيلي يُعدِم مواطناً غزياً يوم الجمعة في الخامس من مارس/ آذار الماضي. وكان الفيديو يظهر المواطن وهو يحمل مساعدات ويحاول الاستمرار في السير. وبعد الإعدام، سارعت الكلاب نحوه. وتفيد شهادات غزيين، خصوصاً من المنطقة الشمالية، بأن الكلاب كانت تنهش في جثامين الشهداء منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، في ظل المجازر الإسرائيلية المستمرة والاقتحامات لتلك المناطق والإعدامات الميدانية، لتبقى جثامين الشهداء لأيام بل لأسابيع في الشوارع من دون أن تُدفن، فتنهشها الكلاب. 
كما هاجمت كلاب النازحين في مناطق شمال القطاع، وخصوصاً تلك التي انسحب منها جنود الاحتلال مؤخراً مخلفاً دماراً كبيراً للمنازل والشوارع في بلدة بيت لاهيا ومنطقة مشروع بيت لاهيا والمناطق الغربية من البلدة، حيث توجد كلاب، كما يقول محمد عصفور (26 عاماً)، وهو من سكان البلدة.

عصفور كان أحد الذين دمّرت منازلهم في البلدة، وسقط عدد من الشهداء في بيته، واضطر إلى النزوح مرات عدة، لكنه رفض النزوح من الشمال حتى لا يضيع حقه في العودة. عاد إلى منطقته بعد انسحاب قوات الاحتلال منها، لكنه وآخرين يعيشون حذراً شديداً جراء انتشار الكلاب.
يشير عصفور إلى أن الكلاب تكاثرت خلال العدوان، وراحت تنهش جثامين الشهداء. كان يراها أمام المدرسة في قلب البلدة التي لجأ إليها وآخرين نازحين. يقول إن المشاهد كانت صادمة، حتى إنّ الكلاب بدأت تهاجم الغزيين أثناء سيرهم في بعض الشوارع بشكل منفرد، موضحاً أن عدداً كبيراً من أبناء المنطقة كانوا يصرخون جراء هجوم الكلاب، فيسارعون لإغاثتهم.
يقول عصفور لـ "العربي الجديد" إنّه "في 26 رمضان الماضي، عضّ أحد الكلاب مراهقاً يبلغ من العمر 15 عاماً. ولحسن الحظ أن لقاح الكلب كان موجوداً في مستشفى الشهيد كمال عدوان الحكومي في مشروع بيت لاهيا. والآن، هناك خوف كبير جداً من الكلاب التي تنهش جثامين الشهداء، وهناك محاولات بشكل مستمر لمنعها من الاقتراب، وخصوصاً في الصباح، من خلال وضع شوادر قماشية وحجارة من الركام وتثبيتها في بعض المناطق، حتى لا تدخل المدارس وبعض الخيام".
وعندما نزح غزيون إلى منطقة مجمع الشفاء الطبي، أشاروا إلى وجود كلاب في مناطق غرب المجمع. وبعدما أجبر الاحتلال عدداً من النازحين، وخصوصاً الأطفال والنساء، على النزوح والمشي باتجاه الجنوب، صدموا بمشهد الكلاب التي تكاثرت على مقربة من الجثامين. تقول ريهام عايش (28 عاماً) إنها رأت الكلاب تنهش جثماناً بدا أنه استشهد قبل حوالي يومين، وأصيبت بالصدمة في وقت كان الاحتلال يطلق النار في السماء ليجبرهم على المضي قدماً.
عايش هي من بين الذين وصلوا مدينة رفح بعد اقتحام مجمع الشفاء الطبي. لم تكن تصدق ما تسمعه عن نهش كلاب جثامين الشهداء. لكنها رأت المشهد بعينيها وظلت في حالة صدمة على مدار خمسة أيام متواصلة، حتى أن إحدى شقيقاتها اللواتي رافقنها كانت تبكي وتقول إنها لا تريد للكلاب أن تنهشها وهي حية أو ميتة.
تقول عايش لـ "العربي الجديد": "كان هناك وجود لبعض الكلاب في مجمع الشفاء الطبي. وكنا نضع لها بعضاً من الطعام الذي نأكله، وكانت أليفة. لم أكن أصدق شيئاً مما أسمعه عن كلاب تنهش جثامين. في منزلنا في حي الرمال، كنا نربي كلاباً أليفة، وكان والدي يتحدث عن مدى إخلاصها. لكن في الوقت نفسه، كان يحذرنا من الصرع الذي قد يصيب بعضها". تضيف: "حين رأينا الكلاب تنهش الجثامين، أخبرني والدي أن أمراً كهذا كان يحدث في الدول التي شهدت حروباً ونزاعات متواصلة ومجاعات. لكن الأمر كان جديداً في غزة، وخصوصاً أن أهلها محبون لتربية الحيوانات الأليفة رغم كل الظروف". وتقول: "لا أريد أن أكره الكلاب أو ألومها. في النهاية، تريد تناول الطعام بأي شكل من الأشكال".
نجح محمد جرادة في نقل جثمان شقيقه عبد الكريم جرادة (18 عاماً) الذي كان ملقىً على الأرض مع جثامين أخرى قبل أن تنهشه الكلاب، وذلك عندما نزح من حي الزيتون. كانت طائرات استطلاع إسرائيلية قد استهدفت شقيقه وآخرين في فبراير/ شباط الماضي، أثناء تجمعهم لإحضار المياه. عرف بوجود الجثث نتيجة تجمع كلاب حولهم، فاضطر وآخرين إلى رميها بالحجارة في محاولة لإبعادها.  
دفن جرادة وعدداً من سكان حي الزيتون الشهداء، بمن فيهم شقيقه، في إحدى المقابر التي أنشئت عقب العدوان، وهي قريبة من شارع صلاح الدين من الجهة الجنوبية للحي. ويقول لـ "العربي الجديد": "عندما خرجنا من مدينة غزة وحي الزيتون، كنا نرى الكلاب تنهش الشهداء في الشارع، وخصوصاً قرب النقطة التي يوجد فيها حاجز الاحتلال الإسرائيلي. لم نكن نستطيع العودة لحمل الشهداء وإنقاذ أرواحنا. يصعب نسيان هذه المشاهد لشدة قساوتها. لا نلوم الكلاب فهذه طبيعتها وتريد أن تأكل. لكن الاحتلال هو من جعلها هكذا، عدا عن قنصه العديد منها".  

أنقذ كلباً من القصف (مجدي فتحي/ Getty)
أنقذ كلباً من القصف (مجدي فتحي/ Getty)

الغذاء المتوفر


يتحدث الطبيب البيطري عمر الدلو، الذي يعمل في وزارة الزراعة في قطاع غزة، والذي كان قد نشط على مدى سنوات في الكثير من الحملات المحلية لتلقيح الحيوانات وحمايتها من الأمراض والأوبئة بالتعاون مع جمعيات دولية لرعاية الحيوانات وخصوصاً أن قطاع غزة هو البيئة الأسوأ لعيش الحيوانات، عن نفوق حيوانات في الحدائق القليلة في القطاع بسبب الحصار الإسرائيلي. 
ويشير إلى أن الكلاب في قطاع غزة زادت خلال السنوات الأخيرة في ظل الزيادة السكانية وارتفاع نسبة القمامة، وخصوصاً في مناطق مكبات النفايات الكبيرة، في وقت تعد مآوي الحيوانات واللقاحات قليلة. يضيف أنه في دول كثيرة وبيئات معينة، تحولت الكلاب بسبب الظروف والحروب الى حيوانات مفترسة. 
يقول الدلو لـ "العربي الجديد": "الكلاب في غزة أليفة جداً، وهناك انفتاح من قبل الغزيين على تربية الكلاب منذ سنوات. أما بالنسبة لتلك الضالة، فتعتمد في غذائها على الطيور واللحوم أو ما يرمى في القمامة. لكن في ظل بيئة الحرب الحالية ووجود الجثامين على الأرض، اختلفت نوعية الأطعمة المتوفرة. تبحث الكلاب عما هو متوفر لتأمين غذاء يومها. بالتالي، قد تعمد إلى الهجوم والافتراس من دون تمييز". 
يضيف: "في عدد من الشوارع المؤدية إلى المناطق الشرقية، تنتشر الكلاب بشكلٍ مخيف. وتنطلق من هناك إلى مناطق الدمار. وبسبب الجوع وعدم رمي القمامة التي كانت تعتمد عليها كمصدر غذاء أساسي، أو حتى وجود الجرذان وغيرها، أصبحت تهاجم أو تبحث عن رائحة الدماء. رأيت الكلاب مرات عدة تبحث بين الأنقاض".

الكلاب هاجمت الاحتلال والمستوطنات


ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن كلاب غزة دخلت الخط الأخضر وهو الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967، وهاجمت جنود الاحتلال الإسرائيلي بمدينة غزة في فبراير/ شباط الماضي، وتسللت إلى الأراضي والمستوطنات المحاذية لغلاف قطاع غزة. وأشارت إلى أن أكثر من ألف كلب ضال تسلل من قطاع غزة إلى الداخل وحاول مهاجمة جنود ومسؤولين في جيش الاحتلال الإسرائيلي على حدود القطاع.
وأورد بيان هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن مئات الكلاب تقترب من المقاتلين الموجودين في مناطق في منطقة شمال غزة وتكشر عن أنيابها وتحاول عض الجنود، وقد تمكنوا من صدها. لكن بحسب شهادات لمواطنين غزيين، فإن عدداً من جنود الاحتلال أعدموا كلاباً اعتقدوا أنها هاجمتهم. وبحسب تصريح للعالم الرئيسي في سلطة الطبيعة والحدائق يهوشاع شاكيدي، فإن أكثر من ألف من الكلاب الضالة تسللت من قطاع غزة إلى الداخل وتفترس الحيوانات في حظائر التجمعات السكانية الاستيطانية "كيبوتسات" - غلاف غزة، محذراً من "وجوب الاهتمام بظاهرة الكلاب الضالة، ولا يوجد مفر إلا بقتلها بالرصاص".