مع استمرار جائحة كورونا، جاء انتشار فيروس جدري القرود ليؤكد أن العالم يواجه تحديات صحية بلا نهاية، خاصة بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن المرض يعد "حالة طوارئ صحية عالمية".
تخطى عدد الإصابات المسجلة بجدري القرود 31 ألف إصابة توزعت على أكثر من 89 دولة، وتكاد طريقة انتشار فيروس جدري القرود تكون مشابهة لطرق انتشار غالبية الأوبئة المعروفة، إذ يشمل ذلك الاتصال الجسدي المباشر، ولمس الأشياء الملوثة، كما يمكن أن ينتقل الفيروس من الأم الحامل إلى الجنين، حسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة.
وطرح أطباء وخبراء أوبئة العديد من الأسئلة حول إمكانية أن يتحول هذا الوضع الصحي العالمي إلى جائحة جديدة، وإمكانية أن تساعد آليات قائمة في مواجهة الفيروس، في ظل الحديث عن لقاحات متوفرة، كما ظهرت العديد من علامات الاستفهام حول مدى فعالية تلك اللقاحات القائمة.
حسب مجلة Science Direct الطبية الأميركية، تتوفر حالياً 3 لقاحات ضد فيروس جدري القرود، ووافقت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على استخدام اثنين منها بالفعل، والثالث لا يزال قيد التجارب، وهو مرخص فقط في اليابان.
أول اللقاحات التي نالت موافقة أميركية كان لقاح Jynneos الذي تصنعه الشركة الدنماركية Bavarian Nordic، واللقاح الثاني يعرف باسم ACAM2000، وتصنعه شركة Sanofi Pastuer Biologics، ويعتقد أن اللقاحين فعالان في الوقاية من جدري القرود.
تقول إدارة الغذاء والدواء الأميركية إنه تمت الموافقة على Jynneos لاستخدام الأفراد الذين تتجاوز أعمارهم 18 سنة والمعرضين لخطر كبير للإصابة بعدوى جدري القرود.
يستخدم هذا اللقاح فيروساً معدلاً يطلق عليه اسم (MVA)، وتم تطويره في الأصل للاستخدام في حال وقوع هجوم إرهابي بيولوجي باستخدام الجدري، ويعتبر اللقاح جيداً في حماية الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة، ويمكنه أيضاً تقليل شدة المرض بعد الإصابة، ويعطى في المقام الأول للعاملين في مجال الرعاية الصحية، أو الأشخاص الذين يشتبه في تعرضهم للفيروس.
أما لقاح ACAM2000 فهو مصنع من فيروس حي، ورغم أنه مرخص من إدارة الغذاء والدواء للوقاية من الجدري، إلا أنه يتطلب عناية مشددة، إذ إنه يعطى بتقنية الثقوب المتعددة في الجلد عبر إبرة متشعبة.
مع زيادة الإصابات، تدافعت كثير من الدول لتأمين ما يلزمها من لقاحات جدري القرود، ونقلت شبكة "سي أن أن"، عن أخصائي الأمراض المعدية في جامعة كولومبيا دانيال غريفين، أن إدارة الدواء والغذاء الأميركية تسعى حالياً إلى تغيير طريقة إعطاء اللقاح ACAM2000، وذلك لتسهيل التعامل معه.
يتطلب لقاح Jynneos جرعتين، وحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن الاستجابة المناعية له تستغرق 14 يوماً بعد الجرعة الثانية. في حين يقدم ACAM2000 عبر جرعة واحدة، ويستغرق الأمر 4 أسابيع حتى تصل الاستجابة المناعية إلى الحد الأقصى.
وفق منظمة الصحة العالمية، يوجد ما يقارب 16 مليون جرعة متوفرة عالمياً من تلك اللقاحات، ويتم الاحتفاظ بتركيبة الجرعات المتعددة في حاويات تحت درجات حرارة منخفضة، ما يسمح بتخزينها لفترات طويلة.
وبالنظر إلى أن تلك الكميات العالمية محدودة، أثار البعض مخاوف بشأن التدافع على امتلاكها، وإمكانية احتكارها من الدول الغنية، على غرار ما حدث مع لقاحات فيروس كورونا.
لا توجد حتى الآن أي بيانات مثبتة حول فعالية أي من اللقاحين السابقين في مكافحة التفشي الحالي لفيروس جدري القرود، لكن دراسات عدة أجريت على الحيوانات، وهناك تجارب سريرية أجريت في دول أفريقية.
وأظهر عدد من التجارب السريرية التي أجريت أثناء عملية الموافقة على استخدام لقاح Jynneos، أنه عند إعطائه لشخص ما، فإنه يؤدي إلى استجابة قوية للأجسام المضادة، مثلما هو الحال عند استخدام لقاح ACAM2000، وأظهرت دراسات أجريت على حيوانات مصابة بجدري القرود نجاح اللقاح في مقاومة الفيروس بنسبة تراوح بين 80 و100 في المائة.
في المقابل، حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من الاستخدام واسع النطاق لهذين اللقاحين، وأفاد بأنهما لا ينبغي أن يستخدما على نطاق واسع لعلاج جدري القرود بسبب التجارب السريرية المحدودة، وكذلك محدودية توافرهما.
حتى الآن، لا توجد إجابة واضحة أو محددة عن سؤال: هل تحمي هذه اللقاحات من الإصابة بالمرض؟ لكن يتوقع خبراء أوبئة، حسب تقرير نشره موقع مجلة MIT Technology Review التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن تساعد في الوقاية من الإصابة، مشيرين إلى أن جميع الدراسات أثبتت أن اللقاحات عموماً تساهم في منع تفشي الأمراض، وأن اللقاحات الخاصة بالجدري وفرت حماية طويلة الأمد.
ويتوقع نائب رئيس الاستراتيجية السريرية في شركة Bavarian Nordic المصنعة للقاح Jynneos هانز يودنثير أن جرعة واحدة كافية لتوفير حماية جيدة تدوم لمدة عامين على الأقل، وذلك بناء على الاستجابة المناعية للقاح التي لوحظت في دراسات السلامة.
ووفق بيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، لا توجد أضرار جانبية للقاح Jynneos، وقد تشمل التأثيرات التورم، والألم في مكان الحقن، ويمكن أن يتسبب في صداع، أو تعب، أسوة بأي لقاح آخر. أما لقاح ACAM2000، فقد تكون أعراضه أوسع، إذ أظهرت إحدى الدراسات إصابة شخص بالتهاب في عضلة القلب.