كوارث غزة... مخاطر من أمراض المياه الملوّثة والاكتظاظ

30 أكتوبر 2023
غياب معايير النظافة ينذر بأمراض في غزة (أحمد زاكوت/ Getty)
+ الخط -

دقت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ناقوس الخطر من إمكان انتشار الأمراض في قطاع غزة، جراء نقص المياه واستخدام مياه غير صالحة للشرب.
تزامن ذلك مع إعلان وزارة الصحة الفلسطينية أن "غياب المياه عن قطاع غزة سيؤدي إلى ظهور أوبئة خطيرة تتسبب في حالات إسهال لدى الأطفال في مراكز الإيواء، وأمراض جلدية مختلفة تنتج عن غياب معايير النظافة الشخصية".
يعلّق أخصائي الصحة العامة والطب العائلي الدكتور محمود السارجي على إمكان انتشار أمراض ترتبط بنقص المياه مع استمرار قصف الاحتلال الإسرائيلي للقطاع وحصاره بالقول لـ"العربي الجديد": "يستخدم مواطنو غزة مياه الآبار ومياهاً ملوّثة أخرى للبقاء على قيد الحياة، ما يعرّضهم لأمراض قد تصيب بعضها جهازي التنفس والهضم، وأيضاً قد تؤدي لأمراض جلدية".
يضيف: "قد تنتشر الأوبئة المرتبطة بنقص المياه خلال فترة تراوح بين 10 أيام و15 يوماً بعد نفاد كميات المياه النظيفة التي وفرها الغزيون لمحاولة البقاء على قيد الحياة، إذ سيضطرون إلى استخدام مياه الصنابير ثم الآبار وأيضاً مياه الصرف الصحي لتوفير كميات الاحتياجات الشخصية، أو لتحضير الأطعمة وليس للشرب تحديداً. وقد يستخدم بعضهم مياه البحر المالحة، علماً أن كل هذه الموارد المائية تضرّ بالصحة العامة، خاصة إذا استخدمت لفترة زمنية طويلة".

ويشرح السارجي أن "الأمراض التي يمكن أن تنتشر بعد نفاد المياه الصالحة للشرب هي التهاب الكبد من فئة ب الذي ينتقل من شخص إلى آخر، ويمكن أن يتفاقم بسبب غياب معايير النظافة والمياه الصالحة للاستخدام، ويصبح من الفئة أ. أيضاً يُعّد اليرقان أو الصفيرة في قائمة الأمراض التي تصيب الأشخاص في مناطق النزاعات، وتحديداً في المناطق التي تعاني من ظروف حصار على غرار قطاع غزة. ويحتاج هذا المرض إلى الكثير من العناية والنظافة، وتوفير المياه والمعدات الطبية والأدوية، وإلا قد ينتشر ويتحوّل إلى وباء".
يُضيف: "لا يُستبعد أيضاً أن يؤدي نقص المياه والأدوية وغياب الرعاية الصحية خلال فترة بين 15 و20 يوماً إلى ظهور الجرب، وهو أحد أكثر الأمراض التي تنتشر في الأماكن التي تشهد نزاعات وحروب تحتم تكدس أشخاص كثيرين في مكان واحد، وتترافق مع فقدان المعايير المناسبة للنظافة، علماً أن بعض أنواع الجرب لا تتعلق بالحروب أو النظافة، بل بضعف مناعة بعض الأشخاص".
وتعرّف مجلة الطب الأميركية الجرب بأنه حالة جلدية تظهر عبر نتوءات حمراء صغيرة وتترافق مع حكة شديدة. وهو ينتشر بسهولة من شخص إلى آخر، خاصة بين الأشخاص الذين يعيشون متقاربين، أو في الأماكن المكتظة. وقد يصاب الرضع والأطفال وكبار السن بهذا المرض.

يستخدم الغزيون خلال الحرب أي مياه للبقاء أحياء (محمود الهمص/ فرانس برس)
يستخدم الغزيون أي مياه للبقاء أحياء (محمود الهمص/ فرانس برس)

أمراض جلدية


وقد يُصاب الأشخاص في مناطق النزاعات بأمراض جلدية، مثل الحكة والتقرحات والالتهاب، كما يمكن أن يتعرضوا لانتشار القمل.
يقول أخصائي الأمراض الجلدية الدكتور نزار الحلو لـ"العربي الجديد": "ينتشر القمل بشكل رئيسي في الأماكن المكتظة التي تنعدم فيها معايير النظافة. وتحاول المنظمات الدولية الاهتمام بهذه المشاكل الصحية خشية انتشارها وإصابتها أشخاصاً كثيرين يعيشون في مخيمات لجوء". 
يُضيف: "نتيجة الحصار المفروض على غزة والحرب الحالية التي تشنها القوات الإسرائيلية عليها، نزح مواطنون كثيرون إلى المدارس والمستشفيات وأماكن أخرى من أجل الاحتماء من القصف، لكن نفاد المياه والوقود كلياً في هذه الأماكن قد ينشر أمراضاً تنتقل بسرعة من شخص إلى آخر، بينها القمل الشائع في مجتمعات كثيرة، لكنه يُنذر بحصول أزمة صحية في ظل غياب الأدوية والرعاية الصحية".
ويعرّف المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها القمل بأنه حشرة طفيلية يمكن العثور عليها على الرأس والحواجب والرموش، وتتغذى من دم الإنسان مرات يومياً، وتتحرك عن طريق الزحف. وأي شخص يتعامل وجهاً لوجه مع شخص مصاب بقمل الرأس يواجه خطر الإصابة به لأنه ينتشر عن طريق ملامسة الملابس مثل القبعات والأوشحة والمعاطف، أو الأدوات الشخصية الأخرى، مثل الأمشاط أو الفرش أو المناشف التي يستخدمها شخص مصاب.
ويتحدث حلو أيضاً عن احتمال ظهور مرض جدري الماء السريع الانتشار والذي ينتقل في الهواء، وإصابة مئات الآلاف به في مراكز اللجوء المكتظة.

مخاطر صحية كبيرة في أماكن الإيواء المكتظة (محمد عبيد/ فرانس برس)
مخاطر صحية كبيرة في أماكن الإيواء المكتظة (محمد عبيد/ فرانس برس)

الكوليرا

إلى ذلك، قد ينضم الكوليرا إلى قائمة الأمراض في غزة، وسط انقطاع المياه وغياب الرعاية الصحية، وانتشار القمامة والدمار الذي تحدثه الهجمات الإسرائيلية. ويعرّف أخصائي الأمراض الفيروسية يوسف رحال الكوليرا بأنه "مرض معدٍ يتسبب في إسهال حاد قد يؤدي إلى الجفاف وحتى الموت في حال لم يُعالج، وهو ينجم عن تناول الطعام أو شرب مياه ملوّثة ببكتيريا"، علماً أن منظمة الصحة العالمية تحصي بين 1.3 مليون و4 ملايين إصابة سنوية به.
يُضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "ينتشر المرض بشكل رئيسي في أماكن ذات صرف صحي سيئ وتشهد ازدحاماً وحروباً ومجاعة. وهو ظهر في مناطق عدة في الشرق الأوسط عاشت حروباً في السنوات الماضية إثر تناول طعام ملوّث بسبب انقطاع التيار الكهربائي أو المياه أو الاحتكاك بأشخاص مصابين"، ويوضح أنه "عندما يستهلك شخص الطعام أو المياه الملوّثة تطلق البكتيريا نوعاً من السموم في الأمعاء التي تتسبب في إسهال حاد قد يؤدي إلى الوفاة في حال لم يعالج".
ويشير رحال إلى أن ظهور الكوليرا في مناطق تشهد نزاعات قد يؤدي إلى انعكاسات صحية خاصة إذا لم توجد معايير طبية، مثل أماكن عزل وأدوية وعلاجات.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت في وقت سابق أنّ مراكز الرعاية الأولية في قطاع غزة سجّلت إصابات بأمراض وبائية، معظمها بين الأطفال. وحذّرت الوزارة، في بيان، من موجة وبائية كبيرة قد تجتاح غزة ولا يمكن السيطرة عليها، بسبب البيئة غير الصحية التي يعيشها النازحون من جرّاء الحرب".
ومنذ بداية العدوان، يقطع الاحتلال عن سكان قطاع غزة إمدادات المياه والغذاء والأدوية والوقود، الأمر الذي تعدّه منظمات عديدة، من بينها منظمة العفو الدولية، ممارسةً "قد ترقى إلى مستوى جريمة حرب".
وفي الأساس يعاني القطاع الذي يخضع لحصار إسرائيلي خانق منذ نحو 17 عاماً، من نقص كبير في الأدوية، بينها تلك المنقذة للحياة، وفي المستلزمات الطبية الضرورية لحالات مختلفة، لا سيّما العمليات الجراحية وعمليات غسل الكلى وغيرها.
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قد حذّر من أنّ وضع قطاع الصحة في غزة "يخرج عن السيطرة".

الحمى النزفية

وإضافة إلى إمكان انتشار الكوليرا والأمراض المعدية، قد يتسبب عدم امتلاك السلطات القدرة على التخلص من كميات الدمار الهائل وإزالة الجثث ودفنها في انتشار أمراض تنقلها حشرات صغيرة وبعوض، على غرار الحمى النزفية وغيرها التي تصيب جميع الأشخاص، وكبار السن والصغار تحديداً الذين لا يتمتعون بمناعة جسدية قوية.
ويفيد تقرير أصدرته مجلة "نيوز ميديكال" الطبية بأن "الحرب تدفع المدنيين إلى مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان، ما يعرضهم بشكل أكبر لمخاطر الإصابة بأمراض، خصوصاً تلك المعدية".

وأشارت أبحاث حديثة إلى انتشار أمراض معدية مختلفة بين اللاجئين وطالبي اللجوء، على غرار السل الكامن بنسبة تراوح بين 9 و45 في المائة، والسل النشط بنسبة وصلت إلى 11 في المائة، والتهاب الكبد "ب" (12 في المائة).
كما استنتجت دراسات أخرى أن خطر إصابة المهاجرين بأمراض أعلى مرتين من خطر إصابة السكان الأصليين، وكذلك بسوء التغذية.
على صعيد آخر، يُصاب الأطفال الذين يولدون خلال النزاعات المسلحة بأمراض عدة، بينها انخفاض الوزن عند الولادة الذي يرتبط بزيادة خطر وفيات الرضع، وتدهور الحالة الصحية في وقت لاحق من الحياة، ومشاكل النمو في مرحلة الطفولة. أيضاً يواجه هؤلاء الأطفال مشاكل محدودية برامج التطعيم خلال النزاعات، ما يؤثر على صحة الأطفال، وينشر الأمراض المعدية.

المساهمون