سلّطت الحرب في أوكرانيا الضوء على انبعاثات غازات الدفيئة الهائلة للجيوش التي لم يسبق التطرّق إليها بشكل كبير، إذ يصعب تقديرها بحسب ما أفاد خبراء في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ (كوب 27) المنعقد في شرم الشيخ شرقي مصر.
في جلسة على هامش مؤتمر "كوب 27"، قال مدير مجموعة الأبحاث عن السياسة المناخية الدولية في جامعة زيوريخ السويسرية أكسيل ميخايلوفا إنّ "هذا مجال انبعاثات كبير ولم يسبق لأحد أن اهتمّ بهذه المشكلة عن كثب".
ويقدّر العلماء انبعاثات هذه الغازات المسؤولة عن الاحترار المناخي والمرتبطة بالنشاطات العسكرية في زمن الحرب والسلم من واحد إلى خمسة في المائة من إجمالي الانبعاثات العالمية، بحسب ما جاء في وثيقة أعدّها خبراء عدّة ونُشرت مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في مجلة "نيتشر" العلمية. يُذكر أنّ انبعاثات كلّ من الطيران والنقل البحري المدني تشكّل 2%.
يُذكر أنّه لو كانت القوات المسلحة الأميركية التي تحظى بأعلى النفقات على مستوى العالم بلداً، لسجّلت انبعاثات للفرد الواحد هي الأعلى في العالم، أي 42 طناً مكافئاً ثاني أكسيد الكربون لكلّ عنصر من عناصرها، بحسب ما جاء في وثيقة الخبراء في "نيتشر". فكلّ 100 ميل بحري تقطعها طائرة مطاردة أميركية من نوع "إف-35" في سلاح الجو، توازي الانبعاثات السنوية من ثاني أكسيد الكربون لسيارة فردية واحدة في المملكة المتحدة.
This global estimate highlights the scale of underreported #militaryemissions. The source of 5.5% of global emissions cannot be ignored while countries fighting for #LossAndDamage are already seeing the physical repercussions of the lack of climate action. #COP27
— The Military Emissions Gap (@milemissionsgap) November 10, 2022
"سياسة وقلة خبرة"
في سياق متصل، باشرت أوكرانيا عملية احتساب الانبعاثات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالغزو الروسي لأراضيها الذي بدأ في 24 فبراير/ شباط الماضي، وذلك في سابقة لبلد يشهد حرباً. وساهم نزوح الأهالي أيضاً بـ1.4 مليون طنّ مكافئ ثاني أكسيد الكربون، إلى جانب حرائق الغابات والحقول الزراعية وأعمال البناء 23.8 مليون طنّ، والمعارك 8.9 ملايين طنّ، وإعادة بناء المنشآت المدمّرة 48.7 مليون طنّ في الأشهر السبعة الأولى من الحرب وفق مشروع أنشئ بعد شهرَين من اجتياح أوكرانيا. ويصل المجموع إلى 83 مليون طنّ.
وبالمقارنة، تصل انبعاثات بلد مثل هولندا في الفترة ذاتها إلى نحو 100 مليون طنّ، بحسب ما أفادت المجموعة التي شارك فيها خبراء جامعيون ومن القطاع الخاص مع وزارة البيئة الأوكرانية.
وفي الجلسة نفسها المنعقدة على هامش "كوب 27"، قالت ديبورا بورتون، من منظمة "تيبينغ بوينت نورث ساوث"، إنّ "هذا يظهر كلّ ما ينقصنا بشأن نزاعات أخرى ماضية وحاضرة، فنحن لم نحصل قطّ على تفاصيل كهذه حول (الحرب في) العراق أو سورية أو حروب أخرى".
وتساءل معدّو الوثيقة في مجلة "نيتشر": "لِمَ تبقى تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ ومؤتمرات الأمم المتحدة حول المناخ صامتة على صعيد الانبعاثات العسكرية؟ ببساطة، الأسباب سياسية بالإضافة إلى قلّة خبرة".
معالجة النقص
والمبادرة بشأن أوكرانيا تهدف إلى معالجة هذا النقص في الحسابات لمجمل الانبعاثات العالمية، وهو أمر ضروري لتخفيضها، بحسب ما أوضح الخبير في انبعاثات الكربون الصادرة عن القطاع الخاص والمشارك في الدراسة لينارد دي كليرك لوكالة فرانس برس.
بالنسبة إلى معدّي الوثيقة في مجلة "نيتشر"، فإنّه "لا بدّ من الاعتراف رسمياً بالانبعاثات العسكرية، وأن تُحتسَب بدقّة في الجردات الوطنية، مع وجوب نزع الكربون من النشاطات العسكرية"، وهؤلاء يرون في مؤتمر "كوب 27" المنعقد حالياً في مصر ومؤتمر "كوب 28" الذي يُعقَد في عام 2023 في دبي (الإمارات) "فرصة لإضفاء طابع رسمي على هذا التغيير".
وعلّق ميكالوفا في تصريح لوكالة فرانس برس قائلاً "من الأفضل أن ندرج هذا الموضوع مباشرة في إطار عمل الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ"، وأوضح أنّ "التحدي القائم يتمثّل في أنّ البيانات العسكرية سرية عموماً، لكنّه من الممكن الحصول على المعلومات بشكل غير مباشر، فنعرف أيّ طائرات تعمل في أيّ منطقة في حين نملك فكرة عن كثافة الانبعاثات في بعض أنواع الآليات"، مقدّراً هامش الخطأ بحدود 10 إلى 20%.
(فرانس برس)