منذ تفشي فيروس كورونا الجديد، تزداد نسبة العنف ضد النساء في قطاع غزة، من جانب أزواجهن وأشقائهن، في ظل الإغلاق والأزمة الاقتصادية
واجهت فاطمة (25 عاماً) عنفاً أسرياً في منزل عائلتها حيث تعيش في قطاع غزة، خلال منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، من شقيقها الأكبر. لكنها لا تستطيع تقديم شكوى في مركز الشرطة نتيجة حالة الطوارئ التي تشمل غالبية الدوائر الرسمية وحظر التجول. فاطمة مثلها مثل كثيرات واجهن عنفاً في القطاع في ظل أزمة كورونا.
تُقيم فاطمة مع عائلتها الممتدة والمؤلفة من 15 فرداً في بيت واحد، وتعيش وبقية أفراد العائلة حالة من الفقر. خلال تفشي جائحة كورونا، زادت معاناتها مع إغلاق الكثير من مراكز التدخل في قضايا العنف الأسري المبني على النوع الاجتماعي داخل القطاع، والتي عادة ما تعين متخصصين واستشاريين للتدخل السريع.
حصلت فاطمة على دعم نفسي من خلال الخط الساخن الذي خصصته إحدى المؤسسات المحلية، علماً أنها كانت تفضل زيارة متخصصة نفسية أو اجتماعية. وتقول لـ "العربي الجديد": "شقيقي عاطل عن العمل ونعيش جواً كئيباً. تعرضت لضرب مبرح لأنني رفضت تنفيذ ما يطلبه مني. للأسف، لا أشعر بتحسن في الوقت الحالي، وأحاول تفادي النقاشات تفادياً لحدوث أية مشاكل".
أما خولة (38 عاماً)، فلم تستطع التوجه إلى مؤسسة بيت الأمان لرعاية النساء في مدينة غزة، وهي مؤسسة حكومية إيوائية استشارية، تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية تعمل على تقديم المساعدة للمرأة المعنفة لنيل حقوقها وحفظ كرامتها. لطالما عانت من ضرب زوجها المتكرر. وقبل شهر، توجهت إلى منزل والدها مع أبنائها بعدما فقدت الأمان في منزلها مع زوجها، علماً أنه كان قد تعهد سابقاً لدى بيت الأمان بعدم التعرض لها بالضرب.
ولم يكن أمامها غير القبول بجلسات الدعم النفسي عبر الهاتف مع متخصصة نفسية لدى إحدى المؤسسات المعنية بشؤون المرأة في غزة. في الوقت الحالي، تفضل أن تبقى في منزل والدها إلى أن تنقضي أزمة كورونا وتتحسن ظروف الإغلاق لتعود إلى منزلها، على أن يتعهد زوجها من جديد بعدم التعرض لها.
وتقول خولة إنها ليست الوحيدة التي تتعرض للعنف منذ بدء تفشي كورونا. بل تعرضت كثيرات للعنف من قبل أزواجهن وأشقائهن. وفي وقت ترفض نساء الصمت، تفضل أخريات التحمل في ظل الظروف الحالية. تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد": "لا أحبّذ صمت النساء. نعيش ظروفاً استثنائية في غزة وخصوصاً أن المجتمع منغلق. لكن ما تعرضت له وتتعرض له أخريات، سيجعلنا نعاني ظروفاً نفسية قاسية". تضيف: "لن أقدم رعاية جيدة لأبنائي في حال لم أقف في وجه هذا العنف".
وفاقم فيروس كورونا من معاناة الغزيين على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. في بعض الأحيان، كانت النساء ضحية التغيّرات التي فرضها الوباء على الرجال، والتي انعكست سلباً داخل البيوت، بحسب العاملة في وزارة شؤون المرأة الفلسطينية في غزة، إلهام بركة. وتشير إلى ارتفاع نسبة العنف 40 في المائة بالمقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة. وتوضح أن العنف الأسري انتشر بشكل كبير خلال السنوات الماضية، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانعدام الأمان الوظيفي الذي شكل ضغطاً كبيراً على الرجال، بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي وكثيرة متطلبات الحياة في ظل عدم وجود أي أفق لتحسين الظروف في القطاع، الأمر الذي انعكس سلباً على الفتيات والنساء. وتقول بركة لـ "العربي الجديد": "زاد العنف ضد المرأة نتيجة ظروف الإغلاق، وخصوصاً اللواتي كن يتعرضن سابقاً لعنف أسري"، مشيرة إلى أن غالبية أزواج هؤلاء خسروا أعمالهم. وتكمن المشكلة في ثقافة لدى النساء، بالإضافة إلى صعوبة تدخل الجهات المعنية للحد من العنف بسبب الظروف الراهنة".
وذكر تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين "أوتشا"، تحت عنوان "محاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال أزمة فيروس كورونا"، أنه بسبب القيود المفروضة على التنقل وتدابير الإغلاق منذ بداية أزمة كورونا، تقلصت الرعاية المنقذة للحياة والدعم المخصص للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وجرى تقليص التواصل المباشر وإمكانية الوصول إلى الخدمات المرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في أماكن مأمونة، كما أُغلق "بيت الأمان". كذلك، وُجهت تعليمات إلى مراكز الإيواء في الضفة الغربية بعدم إدخال أي حالات جديدة ما لم تكن قد خضعت للحجر مدة 14 يوماً، ما فرض تحدياً على مراكز الإيواء التي لم تكن مجهزة.
كذلك، أجبرت الظروف 24 منظمة على تقديم دعم للنساء المعنفات عبر الخطوط الساخنة ومجموعات الدردشة عبر الإنترنت. وذكر التقرير أن المنظمات تواصلت مع 3130 امرأة وفتاة في قطاع غزة، و3162 امرأة وفتاة في الضفة الغربية لتقديم الدعم لهن. ومنذ 22 مارس/ آذار، قدمت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية، 1417 استشارة عن بعد و1168 جلسة إرشادية عبر الهاتف مع 597 حالة في قطاع غزة والضفة الغربية، من بينها 988 حالة لها صلة مباشرة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.