الارتباك سيد المشهد في مواجهة الأردن لجائحة كورونا خلال الفترة الحالية، فأعداد الوفيات والإصابات تواصل الارتفاع يوماً بعد يوم، والخطر أصبح يهدد "الجيش الأبيض"؛ خط الدفاع الأول في الأزمة، والذي يعوّل عليه لحماية المواطنين.
خطر الإصابة والموت أصبح يداهم الكوادر الطبية بشكل مقلق، وأصحاب البذلات البيضاء يغادرون من دون وداع، فقد قدّر القائم بأعمال نقيب الأطباء الأردنيين الدكتور محمد رسول الطراونة الإصابات بفيروس كورونا بين الأطباء بالمئات، مشيراً إلى أنّ 15 طبيباً في العناية الحثيثة 3 منهم على أجهزة التنفس الاصطناعي. أما نقيب الممرضين خالد الربابعة فيشير إلى إصابة أكثر من 500 ممرض بالفيروس خلال الفترة السابقة.
المركز الوطنيّ الأردني لحقوق الإنسان استشعر الخطر، وطالب الحكومة بتحسين الإجراءات لمُواجهة تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا والتّعامل معها، مؤكداً بهذا الصّدد على ما نصّت عليه المعايير الدوليّة لحقوق الإنسان وتحديداً العهد الدوليّ الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة الذي كفل حقّ الأفراد في التّمتع بأعلى مستوى من الصّحة، وألزم الدول باتّخاذ التّدابير اللّازمة لتأمين المُمارسة الكاملة لهذا الحقّ.
وطالب بالإفصاح بصورةٍ مُستمرةٍ واستباقيّةٍ عن المعلومات المُتعلّقة بخُطط مواجهة المُستجدات المُتعلّقة بفيروس كورونا، خاصةً في حال الاستمرار بتسجيل حالات ستؤدي بالضرورة إلى إرهاق كاهل القطاع الطبي، وخطط الاستمرار في تقديم الرعاية الطبيّة، والإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالوفيات الناتجة عن فيروس كورونا وأسباب زيادتها الكبيرة في الآونة الأخيرة، ومدى كفاية الكوادر القادرة على التعامل مع الحالات الحرجة، داعياً إلى البحث عن وسائل احترازيّة تكفل عدم انتقال عدوى الإصابة بالفيروس في المرافق الصحيّة، وتوفير المعدات والتجهيزات الوقائيّة اللّازمة للكوادر الطبيّة والتمريضيّة لمنع انتقال الفيروس إليهم وبما يضمن حمايتهم.
ويقول وزير الصحة السابق زيد حمزة لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، إنّ موضوع إصابة الكوادر الصحية "مقلق وينبغي الانتباه إلى المشكلة ودراستها بسرعة اعتماداً على إحصاءات وأرقام دقيقة، وبالمقارنة مع الإصابات بين المواطنين والدول الأخرى القريبة من مستوى الأردن، من حيث الخدمات الصحية والوضع الاقتصادي، للخروج بنتيجة ووضع خطة سريعة لتجاوز المشكلة".
ويضيف "إذا كشفت المقارنة ارتفاع الإصابات فذلك مؤشر على خطأ في تعامل الجهاز الطبي مع الوباء، وهذا الخطأ قد يكون ناتجاً عن سوء الإدارة، أو إهمال من قبل الكوادر"، مشدداً على أنّ "الجيش الأبيض هو خط الدفاع الأساسي في مواجهة الجائحة. وهم محط تقدير الجميع".
ويتابع"لا شك أنّ هناك أخطاء إدارية، فلا يجوز إنهاك الكوادر واستمرارهم بالعمل لساعات طويلة"، لافتاً إلى "أنهم الآن كالجندي في المعركة، معرضون أكثر من غيرهم للإصابة، وهذا لا يعني الإهمال أو التغاضي عن الأخطاء الإدارية"، مضيفاً أنّ "مرض كوفيد 19 ينهك المنظومة الصحية، لكن ما يطمئن أنّ الأساس القائم على الرعاية الصحية الأولية ما زال قائماً وراسخاً، وقادراً على التعامل مع الجائحة شرط تعاون الجميع ولا سيما المواطنين".
ويرى أنّ "الانتخابات النيابية ستساهم في ازدياد الحالات خاصة عبر مقرات المرشحين، وعمليات التواصل مع الناخبين"، مضيفاً أنه "كان من الممكن تأجيل هذا الاستحقاق الدستوري، لحين فراغ الأردن من معركته مع الجائحة".
وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني قد وجه الهيئة المستقلة للانتخابات، في اجتماع في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالإشراف على العمليّة الانتخابيّة بمُنتهى الدقّة والحرص على سلامة وصحة الأردنيين، معبراً عن قناعته بأنّ الانتخابات استحقاق دستوري سيجرى في ظل ظرف صعب. وأشار إلى أنه في كل مرة، وبرغم الظروف، فإنّ الأردن يتجه نحو إجراء الانتخابات، و"هو ما يؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح".
وهذا الاجتماع خلق تبايناً في الآراء بين المراقبين السياسيين. فقد اعتبره البعض رسالة من الملك، صاحب السلطة، لإجراء الانتخابات في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فيما اعتبر البعض أنّ عدم تأكيده بشكل صريح لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر يجعل الباب مفتوحاً على جميع الخيارات.
بدوره، يقول مستشار الطب الشرعي الخبير في حقوق الإنسان وحقوق المرضى الدكتور هاني جهشان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة تتحمل المسؤولية المباشرة عن حماية المواطنين من عدوى فيروس كورونا، من خلال خدماتها الوقائية والعلاجية، والمركب الرئيسي من هذه الحماية هو ضمان وجود كوادر صحية متخصصة ومدربة ومؤهلة، وبصحة جسدية ونفسية جيدة"، محذراً من أنّه "إذا تراخت الحكومة بحماية الكوادر الصحية وتفشى الوباء بينهم فإنها تعرض الشعب لمزيد من الخطر وتغامر بالصحة العامة للوطن".
ويضيف "لا توجد حكومة تستطيع أن تحافظ على صحة المواطنين من دون أن تحافظ بدايةً على صحة وسلامة الكوادر الصحية، فقد شمل ميثاق منظمة الصحة العالمية أنه على الحكومات أن تضمن معايير سلامة جيدة للعاملين الصحيين، فالحفاظ على الكوادر الصحية هو ركن أساسي لنظام صحي فعال وبالتالي مجتمع صحي سليم".
جهشان: لا توجد حكومة تستطيع أن تحافظ على صحة المواطنين بدون أن تحافظ بدايةً على صحة وسلامة الكوادر الصحية
ويوضح "عرّض كورونا العاملين بالقطاع الصحي وأسرهم لمستويات غير مسبوقة من المخاطر الوبائية"، لافتاً إلى أنّ "الدراسات تشير إلى أن نسبة العدوى ما بين العاملين في القطاع الصحي وأسرهم هي أعلى بكثير من نسبة العدوى في المجتمع، وهي 5 إلى 7 أضعاف النسبة بين السكان".
ويشير إلى أنّ "الوباء وضعهم في مستويات استثنائية من الكرب النفسي، بسبب البيئات الخطرة التي يعملون بها وساعات العمل الطويلة والخوف الدائم من التعرض للعدوى".
ويرى أنّ "على الحكومة ممثلة بوزارة الصحة ضمان تطبيق الحد الأدنى من سلامة المرضى بتوفير البيئة التحتية ومعايير السلامة في المنشآت الصحية، وضمان توافر معدات الحماية الشخصية للعاملين الصحيين".
ويذكّر بأنّه "ما قبل حقبة كورونا لم تكن هناك خطة معلنة ومطبقة بالميدان تتعلق بسلامة المرضى، وهذا الحال فاقم عواقب وباء كورونا على المرضى وبالتالي على العاملين بالقطاع الصحي"، مشيراً إلى أنّ "معدات الحماية الشخصية المعيارية الكاملة لم تكن متوفرة وكان يصعب الحصول عليها، ويبدو أنها كذلك لغاية الآن ولا سيما في مستشفيات الحكومة والمراكز الصحية".
وتشير أرقام وزارة الصحة الأردنية إلى وجود حوالي 30 ألف عامل في المهن التمريضية، يعمل منهم 10.346 في القطاع الخاص، والبقية في القطاعات الرسمية، فيما عدد أطباء الوزارة حوالي 6 آلاف طبيب وطبيبة، ثلثهم اختصاصيون.