يواجه الأطفال المصابون بالتوحد في لبنان واقعاً خطيراً في ظلّ تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد والانهيار الشامل الذي لم يستثنِ أي قطاع، وقد طاول أخيراً المدارس والمراكز التربوية التعليمية بما فيها مدرسة التوحّد 123 (123 Autism School) التي أقفلت أبوابها نهائياً أو حتى إشعار آخر.
وتقول مؤسسة المدرسة المتخصصة للأطفال المصابين بالتوحد ساريتا طراد، لـ "العربي الجديد"، إنّ "السبب الرئيسي وراء اتخاذ قرار الإقفال مرتبط بالصعوبات التي واجهتنا في تحويل الرسوم المتوجبة علينا بالدولار الأميركي إيفاء للعقد الموقع بيننا ومركز نيو إينغلاند في بوسطن لثلاث سنوات".
وتشير إلى أن "المصرف لم يتساهل معنا أبداً رغم الوقائع التي أبرزناها له والتحذيرات التي نبّهنا إليها بتداعيات إجراءاتهم وقيودهم وإمكان إقفال المدرسة بنتيجتها، فنحن لا نريد أموالنا لنهربها إلى الخارج وإنما التزاماً بالعقد الموقع مع الشركة التي حرصنا على التعاون معها لتقديم أعلى مستوى للتلاميذ".
وتلفت طراد إلى أن "آخر مبلغ حوِّل من جانبنا إلى المركز الأميركي كان قبل عام ونصف العام، وقالت إن التراكمات زادت كما الأعباء والمصاريف ومستلزمات المدرسة التي ندفعها بمعظمها بالدولار، بينما نتقاضى الأقساط بالليرة اللبنانية ووفق سعر الصرف الرسمي، عدا عن أزمة الكهرباء والمازوت والوقود التي كانت بمثابة ضربة قاضية، وكأن هناك رسالة تقول لنا بوضوح أقفلوا أبوابكم، فكان القرار الذي جاء متأخراً إذ كنا متمسّكين بالبقاء على الرغم من علمنا باستحالة الاستمرار في ظلّ تردي الأوضاع والانهيار الاقتصادي الذي وضع مدارس ومؤسسات كثيرة أمام خيار قاسٍ كالإقفال".
وتتميّز المدرسة التي تضمّ 12 تلميذاً ببرنامج تعليمي متخصص للتوحد، وفريق عمل للتحليل السلوكي التطبيقي، ومتخصصين تربويين، ومعالجي تقويم نطق، وعلاج انشغالي، وغيرها. ولكل تلميذ برنامجه بحسب نقاط ضعفه وقوّته، كما توضح طراد لـ "العربي الجديد".
وتقول طراد: "وجعي اليوم بإقفال المدرسة كوجع كلّ أم وجميع الأهالي، فابني يعاني من التوحّد وقد فتحت المدرسة عام 2019 من أجله، وقرّرت بعدما تركت لبنان لتسع سنوات أن أعود وزوجي لنفتح مدرسة مختلفة من جميع النواحي وبمستوى خدمات عالٍ وعالمي حتى يستفيد من خلالها ابننا وجميع الأولاد المصابين بالتوحد بالعناية اللازمة. من هنا وجعنا واحد، وللأسف البلد لا يساعدنا على البقاء".
من جهتها، تقول رئيسة الجمعية اللبنانية للتوحد (LAS)، والتي تضم 60 تلميذاً، أروى الأمين حلاوي، لـ "العربي الجديد"، إن "بقاء التلاميذ في المنزل سيؤدي حتماً إلى تراجع قدراتهم، وسبق أن عشنا هذه التجربة بتداعياتها السلبية خلال فترة الحجر لمواجهة جائحة كورونا، مع صعوبة التعلّم عن بُعد باعتبار أن هناك درجات من التوحد وضرورة في أحيان كثيرة للتواصل المباشر. حتى أن تقنية الاتصال عبر الفيديو لم تكن ناجحة، ما دفعنا إلى معاودة العلاج بشكل فردي داخل المؤسسة مع اتخاذ إجراءات وتدابير وقائية".
وتلفت حلاوي إلى أن "المشكلة لا تقتصر فقط بانعكاساتها على التلاميذ المصابين بالتوحد، بل أيضاً على الأهالي الذين ليس بمقدورهم التعامل معهم بالشكل المطلوب أو الحلول مكان فريق العمل المتخصص"، مشددة على أن "وضع المصاب بالتوحد طبعاً لا يزال مقلقاً على الرغم من أنه في الفترات الماضية كان يشهد تحسناً كبيراً، وخصوصاً لناحية التوعية في المجتمع".
وتؤكّد حلاوي أنّ "العديد من الجمعيات ومراكز الأشخاص ذوي الإعاقة والتوحد كانت من أكثر المتضرّرين بفعل الأزمة والارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار وتوقف الأنشطة التي كنا نعوّل عليها في الدعم المادي، وهي تبذل قصارى جهدها بهدف تأمين الاستمرارية على الرغم من الظروف الاقتصادية القاسية التي تمرّ بها البلاد وآخرها أزمة الكهرباء وشح المازوت والوقود، ما يعرقل سير العمل ويصعّب على الموظفين وجميع العاملين والأهل والتلاميذ أيضاً وصولهم إلى المراكز، عدا عن أن الوقود إذا توفر ستكون كلفته مرتفعة جداً ولا قدرة على تحمّلها".
وتوضح أن "ستين في المائة من الأولاد لا يدفعون أي مستحقات مادية، وهناك حالات كثيرة تأتينا ممن لا تسمح قدرتهم المالية بالتكفل بأية مصاريف. واليوم، نتيجة تردي الأوضاع، لم يعد في وسعنا استقبالهم وأيادينا مكبّلة". وتشير حلاوي إلى أن "لدينا عقداً مع وزارتي الصحة العامة والشؤون الاجتماعية لرعاية المصابين بالتوحد. بيد أن المبالغ التي تصلنا غير كافية أبداً، وبالكاد تسدّ جزءاً ضئيلاً من المدفوعات. وهناك محاولات تجري مع وزارة الشؤون الاجتماعية بهدف تأمين المازوت ورفع سعر الكلفة، إذ كانت تغطي 30 في المائة يوم كان الدولار 1500 ليرة. إلا أن الغلاء مستشرٍ اليوم وقيمة العملة الوطنية تنهار وتتهاوى أمام تفلت سعر صرف الدولار".