في قرار جديد، عاد مجلس الوزراء في لبنان إلى اعتماد التوقيت الصيفي بدءاً من منتصف ليل الأربعاء - الخميس (29 - 30 مارس/ آذار 2023)، وذلك بعد البلبلة التي أثارها قرار تمديد العمل بالتوقيت الشتوي حتى نهاية شهر رمضان الجاري والسجال الحاد الذي قام بين مختلف المكوّنات اللبنانية الذي اتّخذ بعداً طائفياً.
وأوضح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في تصريح له بعدما ترأس جلسة لمجلس الوزراء، ظهر اليوم الإثنين، أنّ مهلة الساعات الثماني والأربعين (حتى منتصف ليل الأربعاء - الخميس) هي لمعالجة بعض الأمور التقنية المرتبطة بالمذكرة السابقة، وبالتالي خُصّص وقت لإعادة تعديلها، مشدّداً على أنّ القرار الذي كان قد اتُّخذ لم يكن ذا بعد طائفي أو مذهبي وبالتالي لم يكن يستوجب الردود الطائفية البغيضة التي صدرت.
أضاف ميقاتي أنّه لم يكن يوماً من هواة التحدّي أو المناكفة أو التعدّي على مقامات ومرجعيات دينية أو زمنية أو التطاول عليها، لافتاً إلى أنّ الخطوة التي تشاور فيها مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي اتُّخذت بعد اجتماعات مكثفة على مدى أشهر بمشاركة وزراء ومعنيّين، وكان الهدف منها إراحة الصائمين لساعة من الزمن من دون أن يسبّب ذلك أيّ ضرر لأيّ مكوّن لبناني آخر.
لكنّ ميقاتي قال إنّ المشكلة ليست في ساعة شتوية أو أخرى صيفية، بل في الفراغ بموقع الرئاسة الأولى والذي تتحمّل مسؤوليته القيادات السياسية والكتل النيابية كافة، داعياً إلى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية.
وكان القرار الذي اتّخذه ميقاتي بناءً لطلب برّي بتأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي حتى نهاية شهر رمضان، قد أثار خلافاً بين السلطتَين السياسية والدينية وانتقل إلى الشارع اللبناني ليتحوّل إلى سجال طائفي. فعبّر ميقاتي عن امتعاضه من الحملة التي شُنَّت على القرار، مشيراً إلى أنّ ثمّة محاولة لجرّ البلاد إلى انقسام طائفي بهدف تأجيج الصراعات، من خلال إعطاء إجراء إداري بحت منحىً طائفياً بغيضاً. وبالتالي، أعلن أمس الأحد إلغاء جلسة للحكومة كانت مقرّرة اليوم الإثنَين، قبل أن يدعو إلى أخرى على جدول أعمالها بند واحد هو "توقيت الساعة".
وبعيد القرار السابق، رفعت المرجعيات المسيحية تتقدّمها البطريركية المارونية في بكركي السقف في وجه قرار ميقاتي معلنة عدم الالتزام به واعتمادها التوقيت الصيفي، من خلال تقديم الساعة ساعة واحدة في المؤسسات التابعة لها، من ضمنها تلك التربوية، وعبّرت عن امتعاضها من القرار المفاجئ الارتجالي الذي اتّخذه رئيس حكومة تصريف الأعمال من دون التشاور مع سائر المكوّنات اللبنانية، ومن دون اعتبار للمعايير الدولية وللبلبلة والأضرار في الداخل والخارج.
كما أعلنت الأحزاب السياسية المسيحية رفضها القرار الذي وصفته بـ"الاعتباطي"، داعية إلى عدم الالتزام به والذهاب نحو عصيان من خلال تقديم المواطنين ساعاتهم ساعة واحدة، لا سيّما أنّ لهذه الخطوة تداعيات سلبية واسعة النطاق. فتأثيراتها تطاول قطاعات عدّة، لا سيّما التي تتّصل بالتوقيت العالمي، من بينها السفر والسياحة. يُذكر أنّ شركة طيران الشرق الأوسط قرّرت تعديل مواعيد الرحلات المغادرة من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، في الفترة الممتدة من يوم الأحد 26 مارس/ آذار الجاري حتى 20 إبريل/ نيسان المقبل.
من جهتها، قرّرت وزارة التربية والتعليم العالمي في حكومة تصريف الأعمال اعتماد التوقيت الصيفي في المؤسسات التربوية، قبل أن تترك للمسؤولين عن المدارس والمهنيات والجامعات الرسمية والخاصة حرية اختيار وقت فتح مؤسساتهم، اليوم الإثنين. وفي هذا الإطار، قرّرت الجامعة اللبنانية اعتماد التوقيت الشتوي بخلاف الجامعات والمدارس الخاصة، في حين قرّر العاملون في القطاع الخاص اعتماد التوقيت الصيفي في دوامات العمل.
في السياق نفسه، انتفضت محطات تلفزيونية ومواقع إلكترونية ضدّ "قرار ميقاتي - بري" منذ صدوره، ونُفِّذت حملات إعلامية واسعة للسير بالتوقيت الصيفي، رافضة ما عدّته قراراً اعتباطياً صدر عن شخصَين من دون العودة إلى المكوّنات والمرجعيات كافة. وكان تسجيل فيديو مسرّب قد صوّر دردشة بين برّي وميقاتي قبيل إصدار القرار استفزت لبنانيين كثيرين.
وأمس، الأحد، استفاق اللبنانيون على توقيتَين، صيفي وشتوي، في مشهد غير مسبوق في البلاد، فعند منتصف ليل السبت - الأحد كان موعد الانتقال إلى التوقيت الصيفي كما في كلّ عام. وقرّر كلّ شخص اعتماد التوقيت الذي "يؤيّده"، مع تعديله على هاتفه الخلوي، علماً أنّ التوقيت على الهواتف والحواسيب يتبع تلقائياً ما يُعتمَد عالمياً، أي التوقيت الصيفي. لذا اضطرّ من قرّر الإبقاء على التوقيت الشتوي إلى تعديل منطقته في إعدادات هاتفه الخلوي، فاختار مثلاً مصر أو ليبيا بدلاً من لبنان.
واليوم الإثنين، مع استعادة البلاد دورة العمل الأسبوعية المعتادة، عمد لبنانيون إلى ضبط ساعاتهم وفقاً للتوقيت المعتمد من قبل المؤسسات التي يعملون فيها. وقد سُجّلت حالة إرباك كبيرة في الشركات والمؤسسات، لا سيّما تلك التي تحدّد مواعيد سابقة، بسبب التوقيتَين.
ويوضح المتمسكون بالموقف الرافض تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي، أنّهم يستندون في رأيهم إلى تداعيات هذه الخطوة السلبية على القطاعات العاملة والمتصلة بالتوقيت العالمي وجداول السفر، مشدّدين على أنّ رفضهم غير نابع من أيّ "تفكير طائفي" بل هو يرتبط بطريقة إدارة المسؤولين للبلاد بـ"استهتار" و"أحادية" وبـ"أسلوب متعمّد لُعِبَ فيه على الوتر الطائفي" لخلق مشكلات جديدة في لبنان وإلهاء الناس عن الأزمات التي تحاصرهم، في حين أنّ السياسيين يستغلّون ما يحصل لتسجيل مواقف شعبية كما العادة.