لا تزال الحكومة الليبية تكافح لكشف جرائم لم توفر التحقيقات معلومات حول هويات مرتكبيها، ولم تَصدر أحكام في شأنها، خصوصاً تلك التي مرّت عليها فترات طويلة، وجرى تسجيل ملفاتها ضد أشخاص مجهولين. ويصب ذلك في إطار محاولة السلطات تعزيز مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وأخيراً، أعلنت مديريات الأمن في مختلف أنحاء ليبيا القبض على متورطين بجرائم عدة، أحدهم في منتصف مايو/ أيار الماضي، بقضية سرقة حصلت عام 2017 في منطقة القربولي شرقي العاصمة طرابلس. وأفادت مديرية الأمن في منطقة القربولي بأن مرتكب الجريمة تمكن من الفرار في مرحلة أولى، بعدما تبادل إطلاق النار مع أفراد من المديرية حاولوا القبض عليه تنفيذاً لحكم غيابي صدر في حقه في قضية سرقة حصلت داخل منزل أحد المواطنين، ثم اعتقل منتصف مايو الماضي.
كذلك، أعلنت قيادة اللواء 444 التابعة لوزارة داخلية حكومة الوحدة الوطنية القبض على متورط بعمليات خطف وقتل في مدينة ترهونة، وأيضاً بقضية المقابر الجماعية في المدينة، والتي تعود وقائعها إلى عام 2019. وأعقب ذلك تفكيك مديرية أمن طرابلس عصابة تنفذ منذ سنوات عمليات سرقة وسطو مسلح، وأشارت إلى أن أفراد العصابة من جنسيات ليبية وأفريقية.
وفي نهاية مايو الماضي أيضاً، أعلنت قيادة اللواء 444 نفسها توقيف اثنين من المتورطين بعمليات خطف وقتل في مدينة ترهونة تعود للعام 2019، وجرائم أخرى تشمل الاحتيال والسرقة وغيرها، على مدى سنوات.
وفي منتصف يونيو/ حزيران الماضي، أعلن جهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الحكومي القبض على صاحب سوابق جنائية تتعلق بقضايا مخدرات في مدينة تاجوراء. وأوضح أن 26 قرصاً مخدراً عثر عليها في حوزة الموقوف الذي نفذت عمليات كثيفة لمراقبته وملاحقته تمهيداً لاعتقاله، بعدما ثبت تورطه منذ فترة طويلة بقضايا عدة لترويج المخدرات.
أيضا، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، القبض على متهم بإطلاق نار داخل مقهى في منطقة قصر الأخيار، في واقعة مؤرخة منذ سنوات.
وفي بنغازي، اعتقل قاتل طفلة، بعد نحو 6 سنوات من خطفها وقتلها في منطقة الزهراء بورشفانة (غرب). وأوضح مكتب النائب العام أن عملية توقيف القاتل تمت في بنغازي، وذلك بعد فترة من مراقبته ورصد تحركاته.
استراتيجية المصالحة الوطنية
وتزامن استمرار عمليات القبض على المتورطين بجرائم سابقة، مع إعلان المجلس الرئاسي أن رؤيته الخاصة باستراتيجية المصالحة الوطنية "تشمل معالجة جذور الصراع، وتحقيق سيادة القانون والمساواة في الحقوق والواجبات والمواطنة وإعطاء أولوية للصالح العام، ودمج كل مشاريع التصالح في إطار واحد يلحظ تفعيل العدالة الانتقالية، وتعويض الضرر، وغيرها"، مشدداً على ضرورة تقديم التنازلات من أجل الصالح العام للبلاد.
وبين أهم بنود استراتيجية المصالحة الوطنية، بحسب عضو المجلس الأعلى للمصالحة فرج الفيتوري، "ترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، لإنجاح هذه العملية".
ويشيد الفيتوري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأهمية التفاعل والتكامل بين سلطات البلاد من أجل دفع ملف المصالحة في اتجاه تطبيقه من خلال ملاحقة كل الجرائم السابقة، وكشف المتورطين، علماَ أن السلطات الأمنية أعلنت القبض على 9 متهمين بارتكاب جرائم جنائية سابقة عاد بعضها إلى عام 2012.
ويشدد على ضرورة إنجاز السلطات مهمات اعتقال المجرمين، وإحالة ملفاتهم إلى القضاء، "ما يجنبها التورط بمتاهات الصراع السياسي، خصوصاً أن بعض الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد تصلها خيوط بعدد من الملفات الجنائية، مثل المقابر الجماعية ومجازر شهدتها البلاد في السنوات الماضية".
من جهته، يثني الناشط المدني جمال دعيب على الجهود المبذولة حالياً لمتابعة قضايا جنائية سابقة، لكنه يعتبر أنها لا تزال في مراحلها الأولى، ويقول لـ"العربي الجديد": "الملفات التي فتحت حتى الآن تتعلق بأفراد لا يتجاوز تأثير جرائمهم حدوداً معينة، أما تفعيل ملف المصالحة فيوجب فتح الملفات الكبيرة".
وسأل: "ماذا عن قدرة السلطات على فتح ملف السجون السرية، والانتهاكات التي حصلت فيها، وقتلى شارع الزيت ومقابر ترهونة التي تشير أصابع الاتهام فيها إلى مليشيات المشير خليفة حفتر؟". يضيف: "أعتقد بأن هذه الملفات عسيرة، وتتطلب سلطة تملك القوة لفتحها، وإلزام المتورطين بها تسليم أنفسهم للعدالة".
ويرى دعيب أن "إصرار السلطات على متابعة فتح الملفات الجنائية المقفلة، وإن كانت في مستويات متدنية، خطوة جيدة في الطريق الصحيح، وستساهم على الأقل في خفض مستوى معدلات الجريمة إذا رأى الخارجون على القانون أن الجرائم لا تسقط بالتقادم".